مقدمة

تتميز حالة حرية التعبير في ليبيا خلال عام 2017، باستمرار سيطرة السلاح والجماعات المسلحة على المشهد في البلاد، ولا يزال عدد الانتهاكات في تزايد مطَّرد وسط إفلات تام من العقاب في سياق حرب لا تتردد أطرافها المتناحرة من استهداف الأصوات الحرة والداعية إلى مراعاة حقوق الإنسان.

ومنذ استخدام الديكتاتور معمر القذافي العنف في مواجهة المتظاهرين أثناء ثورة 17فبراير 2011، بات قتل واختطاف المدنيين ظاهرة تقوم بها الجماعات والعصابات المسلحة بدوافع سياسية أو عرقية أو قبلية أو طلبا للفدية في ظل غياب نظام قضائي فاعل. كما بات الأجانب من العرب أو غيرهم أهداف لعمليات القتل بسبب اﻻنتماء الديني والاختطاف طلبا للفدية أو البيع في سوق العبيد.

وانعكست الفوضى والمواجهات السياسية وانتشار السلاح على مدى واسع على أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا وأصبح الإفلات من العقاب والعقاب الجماعي، ومنذ عام 2014، زادت بصورة حادة أعداد حالات اختطاف المدنيين من قبل الجماعات المسلحة، وغدت هذه العمليات جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين في ليبيا.

تتقاسم النفوذ في ليبيا العديد من الجماعات المسلحة التي تتصارع فيما بينها، ويمكن اختزال تلك المجموعات في جبهتين رئيسيتين، هما جبهة المشير خليفة حفتر في مقابل جبهة مصراتة التي يغلب على تشكيلها الجماعات الإسلامية.

ولم يقف المجتمع الدولي عاجزا أمام اختطاف وقتل المدنيين في ليبيا، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 15أغسطس 2017، مذكرة اعتقال بحق محمود مصطفى بوسيف الورفلي، قائد “قوات الصاعقة” الموالية للمشير خليفة حفتر، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب للاشتباه في تورطه بمقتل 33شخصا في مدينة بنغازي.

ووسط تلك الفوضى وانتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا استطاعت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور خلال اجتماعها يوم 29يوليو 2017، بمقرها في البيضاء شرق العاصمة طرابلس، الموافقة على مسودة دستور البلاد بموافقة 43صوتًا من أصل 44عضوًا حضروا الجلسة، وسط الحصار الذي فرضه محتجون ضد مشروع الدستور على مقر اللجنة بالتزامن مع جلسة التصويت.

وقاطع ممثلو الأقليات البدوية من “التبو”و”اﻻمازيغ”جلسات الهيئة التأسيسية معتبرين أن التصويت مخالف لمبدأ التوافق ويكرس لهيمنة المكون العربي.

وكانت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور قد انتخبت في 20فبراير 2014، من 60عضوا بينهم 6نساء لإعداد دستور جديد للبلاد.

* وقد وثقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان العديد من الانتهاكات خلال عام 2017، نذكر منها على سبيل المثال:

أ. اختطاف واخفاء القسري لأصحاب الرأي

1- اختطاف الناشط عبدالمطلوب السرحاني

اُختطف الناشط المدني عبدالمطلوب السرحاني، رئيس منظمة الطارق الشبابية، وانقطع اﻻتصال به منذ خروجه من منزله يوم 27أغسطس 2017.

وتقدمت أسرته ببلاغ إلى السلطات الأمنية بمركز شرطة الحدائق في بنغازي تفيد بتغيب الناشط عبدالمطلوب السرحاني منذ خروجه من منزله مساء في التاسعة مساء الأحد 27اغسطس.

الجدير بالذكر أن عبدالمطلوب السرحاني ليس حالة اﻻختطاف الأولى في مدينة بنغازي فقبل أيام من اختطافه أعلنت أسرة المواطن سالم عياد عبدالنبي سرير الفاخري عن اختفائه بعد قيام ملثمين باقتياده صباح الأربعاء 23أغسطس من داخل منزله في بلدة سلوق إلى جهة غير معلومة.

كما تم العثور على عدد من الجثث مجهولة الهوية مكبلة الأيدي وعليها آثار تعذيب، بالقرب من خزان مياه الطلحية في منطقة النواقية جنوب غرب مدينة بنغازي، دون تعليق من الجهات السياسية ووسط تكتم إعلامي وأمني.

وخلال شهر أغسطس 2017، هاجمت مجموعة مسلحة تستقل سيارات دفع رباعي فندق “الشرق” وسط العاصمة طرابلس، واختطفت رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن اعتقاله حتى جرى الإفراج عنه في 22أغسطس بعد عشرة أيام من اختطافه بأيدي مسلحين.

2- اختطاف الأكاديمي سالم بيت المال:

اختُطف الأستاذ في قسم الهندسة البحرية بجامعة طرابلس، سالم محمد بيت المال، وهو في طريقه إلى العمل، صباح يوم 20أبريل 2017. حيث ظهرت شاحنة صغيرة على الجانب الآخر من الطريق وقطعت الطريق أمامه وخرج من الشاحنة أربعة رجال مسلحين فأمسكوا بالدكتور سالم ووضعوه في السيارة وانطلقوا به إلى مكان غير معلوم، وعثر الجيران على سيارته في شارع قريب من بيته في منطقة جنزور الصياد، غربي مدينة طرابلس حوالي الساعة العاشرة صباحاً. ولم تتوصل أسرته إلى مكان اختطافه رغم الجهود التي بذلتها.

واستمر الدكتور سالم بيت المال البالغ من العمر 71عاما مختطفاً لمدة 47يوماً تناول خلالها وجبة واحدة يومياً وحُرم من الحصول على علاجه حتى تم الإفراج عنه في 6يونيو 2017.

ب. انتهاكات ضد الحق في التجمع السلمي

1- مديرية أمن طرابلس ترفض التصريح بتنظيم مظاهرة سلمية:

رفضت مديرية أمن طرابلس التصريح بتنظيم مظاهرة سلمية في ميدان الشهداء بالعاصمة الليبية طرابلس يوم الإثنين 25سبتمبر 2017، دعا إليها رجل الأعمال الليبي الشاب عبد الباسط أقطيط، المرشح السابق لرئاسة الحكومة للاحتجاج على سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة في البلاد فيما أطلق عليه اسم “حراك 25/9”.

ودعت مديرية أمن طرابلس المواطنين إلى عدم الاستجابة للدعوة، وفرضت حالة الطوارئ في طرابلس، وانتشرت قوات الأمن بكثافة في الشوارع والأزقة منذ الصباح الباكر.

ومع قُرابة الساعة الرابعة مساءً، خرج العشرات من شباب العاصمة إلى ميدان الشهداء في طرابلس، هاتفين بشعارات كان أغلب الليبيين يهتفون بها لمعمر القذافي في عام 2011.

ولم تمض ساعة على “حراك أقطيط” حتى خرجت مظاهرة أخرى غير متوقعة وغير معلن عنها ضد أقطيط، وفي ذات الميدان، حاملة شعارات منها ” طرابلس مدينة السلام.. أقطيط إرحل”، ما زاد من احتمالية المواجهة، وبعد انصراف أقطيط وصل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج إلى الميدان، والتقى بعضا من أهالي العاصمة.

ج. اعتداء على الصحفيين

يتعرض الصحفيون والمراسلون إلى العديد من الانتهاكات تتمثل في اﻻعتداء اللفظي والبدني فضلا عن الاعتقال ومصادرة معدات التصوير رغم أن العديد منهم يحملون بطاقات ممارسة مهنة الصحافة بالإضافة إلى تصريحات من إدارة الإعلام الخارجي.

* ورصدت الشبكة العربية خلال عام 2017:-

1- اعتقال 4صحفيين في الجفرة :

اقتحم عدد من الأفراد المسلحين التابعين لعملية الكرامة بمنطقة الجفرة مساء الاثنين 9أكتوبر 2017، مقر إقامة أربعة صحفيين أثناء قيامهم بتغطية مهرجان هون الثقافي بمنطقة الجفرة، وتم اقتياد الصحفيين ومرافقيهم لمقر نادي الطيران بالقاعدة العسكرية الجفرة الجوية قبل أن يُطلق سراحهم بعد ضغوطات من أطراف عدة مساء يوم 10اكتوبر، بعد 48ساعة من الاعتقال.

الصحفيين الأربعة وهم “لبنى يونس” مديرة تحرير صحيفة فبراير وزميلها “إسلام الزرقاني” بالإضافة إلى “ربيعة الحباسي” و”علي نصر الدين” من صحيفة “فسانيا” ووكالة التضامن للأنباء ومرافقه والسائق.

2- الاعتداء على الصحفية فاطمة العبيدي بطبرق:

تعرضت “فاطمة العبيدي” مراسلة موقع “ليبيا الآن”للاعتداء البدني وتكسير معدات التصوير الخاصة بها يوم 9أكتوبر 2017، أثناء تصويرها لمظاهرة سلمية أمام مقر مجلس النواب بمدينة طبرق، لمجموعة مواطنين يُطالبون بصرف مستحقاتهم المالية نظير أعمالهم، وقام أفراد الأمن الرئاسي بإطلاق الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين والتهجم على الصحفية وتكسير معدات التصوير.

3- اختطاف الصحفي صقر عبدالله مراسل “ليبيا بانوراما” في الجفرة:

اختطف مجهولون الصحفي صقر عبدالله مراسل قناة بانوراما في منطقة القطرون يوم الثلاثاء 25يوليو 2017، بمدينة سبها عقب عودته من منطقة الجفرة، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد يوم واحد.

ولم يعلن الصحفي أو أي مصدر رسمي، تفسيراً لعملية اﻻختطاف.

4- منع صحفيين من تغطية فعاليات صلاة عيد الفطر في طرابلس:

أوقفت قوات الأمن فريق وكالة الغيمة الليبية للأنباء وصادرت معدات التصوير مؤقتاً يوم 25يونيو بزعم عدم وجود ترخيص  للعمل بالميدان على الرغم من أن لديه بطاقة معتمدة من إدارة الإعلام الخارجي، فيما تعرض فريق مكتب قناة الجزيرة مباشر للطرد من الميدان دون أي مبررات قانونية بدعوى وجود تعليمات أمنية بمنعه من العمل، كما اشتكى مصورين مستقلين آخرين من مضايقتهم أثناء تصوير فعاليات صلاة العيد.

د. انتهاكات ضد الوسائل الإعلامية

1- سلطات بنغازي تغلق راديو الوسط في طبرق:

أغلقت سلطات بنغازي راديو الوسط في طبرق يوم 27فبراير 2017، دون إذن قضائي أو أخطار مؤسسة الوسط بشكل رسمي، ثم عادت هذه السلطات واستولت على أجهزة البث في طبرق وأوقفت البث من بنغازي دون إعلان أي أسباب، لهذا الإغلاق المفاجئ، باستثناء الإشارة إلى تداخل ذبذبات راديو الوسط مع ذبذبات الإذاعة المحلية الرسمية.

ه. انتهاكات ضد الأعمال الإبداعية:

1- مصادرة 31عنواناً من الكتب:

صادرت السلطات التابعة للمشير خليفة حفتر الذي يسيطر على مدينة أجدابيا شحنة من كتب مكتبة “تجوال”المتنقلة، وتضمنت الشحنة المصادرة نسخاً لواحد وثلاثين عنوانا من الكتب الثقافية والأدبية العربية والعالمية.

وأعلنت المكتبة على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”بعد عملية المصادرة أنها ستجمد أعمالها حتى تنتهي مصادرة الكتب دون مبرر، مطالبة بإصدار قانون يحدد أسماء الكتب الممنوعة من التداول داخل البلد، ومعتمد من الرقابة على المطبوعات مع الشرح التفصيلي لسبب المنع.

2- إغلاق دار الفقيه حسن بطرابلس:

قامت مجموعة من المسلحين بإغلاق دار الفقيه حسن التاريخية بالمدينة القديمة في العاصمة طرابلس، يوم 4سبتمبر 2017، فيما يعتقد أن يكون الإغلاق جاء على خلفية حملة التشهير ضد رواية أحمد البخاري (كاشان)، التي نشر منها فصلين ضمن كتاب (شمس على نوافذ مغلقة)، بدعوى أن هذا المحتوى (لا يتفق مع القيم والذوق) في المجتمع الليبي، ولم تعلن أي جهة أمنية في العاصمة طرابلس مسؤوليتها عن غلق الدار

وكانت دار الفقيه، قد استضافت في الرابع من شهر يوليو 2017، حفل توقيع كتاب ”شمس على نوافذ مغلقة”، بالتنسيق مع الجمعية الليبية للآداب والفنون.

و. اللجنة العليا للإفتاء تحرض على كراهية الإباضيين:

وسط غياب السلطة المركزية وانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد، أصدرت اللجنة العليا للإفتاء التابعة للهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية التي تعد السلطة الدينية للحكومة المؤقتة، في يوليو 2017فتوى دينية تصف الطائفة الإباضية بأنها “فرقة منحرفة وضالة، وهم من الباطنية الخوارج وعندهم عقائد كفرية… ولا كرامة”.

وتعد تلك الفتوى بمثابة تحريض ضد الإباضيين الذين يمكن بسهولة تحديدهم ومهاجمتهم في ظل انعدام الأمن على نطاق واسع في ليبيا.

وينتشر أتباع الطائفة الإباضية في تونس والجزائر وليبيا، ويتراوح عددهم في ليبيا بين 300ألف إلى 400ألف، ويعتنق الأمازيغ الإباضية في جبل نفوسة و طرابلس ومدينة زوارة الساحلية الغربية، ويشكل الأمازيغ %5إلى 10% من السكان الليبيين.