إعداد: محمد عبد السلام 

مقدمة وخلفية

تحتل العلاقة بين المالك والمستاجر فى الشقق السكنية أهمية كبرى ،وتثير لغطا ومخاوف كبيرة ، خاصة بعد تركيز المِديا بانواعها على مطالب الملاك باِستصدار قانون جديد للعلاقة بين المالك والمستاجر ، تُلغى فيه العقود الايجارية غير محددة المدة ، وتترك فيه العلاقة بين الطرفين لأليات السوق ، وبعقود محددة المدة بالقيمة الايجارية التى يحددها المالك .

ومن نماذج ما أثار القلق فى قلوب المستاجرين ما صرح به المهندس علاء والي، رئيس لجنة الإسكان ( فى البرلمان السابق ) : ”  أن اللجنة لم يصلها حتى الآن مشروع تعديل قانون الإيجارات القديمة ولم يُرسل إليها هذا المشروع من أي جهة حكومية، مؤكدًا أن اللجنة في انتظار إحالة المشروع إليها لأن هذا القانون يُعد من أخطر القوانين التي سوف تناقشها لجنة الإسكان والمرافق وتنتظر وصوله إليها “.[1]

وأضاف :” أن هذا القانون من القوانين المهمة التي تخص ملايين المصريين وسوف تراعي لجنة الإسكان البعد الاجتماعي والإنساني لكل من المالك والمستأجر وتبحث اللجنة كل التعديلات المقترحة بدقة وتوازن حتى لا يتعرض أحد للظلم ” .

هذا فى الوقت الذى كشفت فيه نتائج تعداد سكان مصر لعام 2017، وجود نحو 43 ألف وحدة سكنية “إيجار مفروش” بنسبة 0.1% من إجمالى عدد الوحدات السكنية الموجودة بالدولة والبالغة 42.973 مليون وحدة، بينما بلغ عدد الوحدات السكنية المؤجرة بنظام “الإيجار القديم” نحو 3 ملايين وحدة سكنية، بنسبة 7% من إجمالى عدد الوحدات.

وأظهرت النتائج أن الوحدات المؤجرة فى مصر بنظام الإيجار الجديد استحوذت على نسبة 7.2% من إجمالى عدد الوحدات السكنية، فيما شكلت الوحدات السكنية “التمليك” النسبة الأعلى من وحدات مصر، بـ55.3%، تلاها وحدات لم يتم حيازتها والتى شكلت نسبة 23.1 % من العدد الإجمالى [2].

وكشف تقرير تعداد السكان والمنشآت والمبانى فى مصر، ووفقا لما أكدته هذه النتائج التى تم إعلانها فى صباح يوم 30 سبتمبر 2017 الي وجود 22 مليونا و973 ألف وحدة مبانى عادية مخصصة للسكن بنسبة 52% من إجمالى وحدات المبانى العادية، وأيضًا 9.3% من إجمالى وحدات المبانى تستخدم للعمل، و0.4% للسكن والعمل معاً [3] .

كما كشفت نتائج تعداد مصر 2017 ايضا عن وجود عدد كبير من الوحدات السكنية المغلقة في مصر سواء لوجود مسكن آخر للأسرة او اسباب اخري ، هذا بالإضافة للوحدات السكنية الخالية “المكتملة البناء ، او التى بدون تشطيب، والتى تحتاج لترميم بلغ 12 مليونا و498 ألف وحدة بنسبة 29.1% من جملة عدد الوحدات فى مصر[4].

لذلك ” تسود حالة من الترقب في الشارع المصري، خاصة الملاك والمستأجرين لما سيفعله البرلمان الجديد مع مشروع تعديل قانون الإيجارات القديمة، أو فيما يُعرف بـ”مشروع قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر”.

يأتي ذلك في الوقت الذى صرح فيه بعض الخبراء مجرد مناقشة هذا القانون بالخوض في حقل ألغام، كونه يتناول شأن ملايين من الأسر المصرية، ولكن ترك الأمر على ما هو عليه يزيد من حدة تفاقم المشكلة، ومعاناة المستأجرين والملاك على السواء، فالكل يشكو ويتذمر، خاصة من العلاقة الايجارية، فضلا عن إشكالية امتداد عقد الايجار إلى ورثة المستأجر”.[5]

 

اخر المستجدات وتطورات اصدار القانون:

  • رغم عرض 5 تشريعات على مجلس النواب منذ 2015، لكن لم يحمل أي من هذه التشريعات حلا ، كما لم يتم إقرار أى منها، بينما استمر ملاك العقارات فى الشكوى من هذا الوضع مؤكدين أن 1.3 مليون وحدة من أملاكهم مغلقة بسبب مستأجريها.

 

  • مؤخرا وبعد حديث رئيس الجمهورية عن قضية الإيجار القديم، ، أعلن عدد من أعضاء مجلس النواب، عن أفكارهم بخصوص التعديلات، كما أعلن نوابلجنة الإسكان بالمجلس استعداد اللجنة لمناقشة التعديلات فورًا عقب التقدم بمشروع قانون وإحالته إلى اللجنة .

وجاءت أبرز المقترحات والأفكار التي طرحها النواب لحل الأزمة، تتعلق بزيادة قيمة الإيجار بشكل تدريجي، وكذلك تتعلق بالتوريث.

وبالفعل تم طرح أفكار ومشروعات حول قانون الايجارات ، منها

  • ما تقدم به النائب أحمد قورة في شكل مشروع قانون في شهر فبراير الماضي( 2021 ) بشأن تعديل قانون الإيجار القديم.

وأوضح أمين سر لجنة الإسكان بمجلس النواب أن مشروع القانون يهدف إلى تعديل 6 مواد فقط في قانون 136 لسنة 81 تسمح بإضافة حالات لإخلاء الوحدة المؤجرة حال غلقها لمدة 3 سنوات لغير غرض السفر، أو مرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المُستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أو استفادته من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التي تُقدمها الدولة، إضافة إلى تحرير العقد الأصلي بعد مرور 50 عامًا على بدء العلاقة الإيجارية الأصلية للعين المؤجرة؛ بما يعنى تقييد حق توريث العلاقة الإيجارية بهذه المدة، مع تحديد حد أدنى للأجرة 200 جنيه للوحدات السكنية، و300 جنيه للوحدات الإدارية، أو 50% من قيمة الأجرة القانونية المُتخذة أساسًا لحساب الضريبة العقارية لوحدة المثل، ما يعني أن ترتفع الأجرة مع تحسن مستوى معيشة الساكن أو حال الوحدة ذاتها، فضلًا عن زيادة تدريجية للأجرة بنسبة 10% سنويًّا، مع إنشاء صندوق لدعم المُستأجر غير القادر، تكون حصيلته من حصيلة الضريبة العقارية التي تترتب عن الوحدات المُخلاة وفقًا للقانون ولمدة 5 سنوات، وهو المقترح نفسه في تعديلات وزارة الإسكان التي كانت منذ سنوات طويلة.

 

المبادئ القانونية والدستورية الحامية للسكان :

1 – الدستور المصرى :

يشير دستور جمهورية مصر العربية الذي تم تعديله عام 2014 إلى الحق في السكن في المادة ) 78 ) :

{ تكفل الدولة للمواطن الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية.

وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسن نوعية الحياة للمواطن ويحفظ حقوق الأجيال القادمة. كما تلتزم الدولة بوضع خطة وطنية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسن نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة. }

 

2 – الاعلان العالمى لحقوق الانسان :

كما أن مصر من الدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) 1948 (، حيث تنص المادة 25 /1  منه على ما يلي:

{ لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة عى الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين  معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته. }

 

3 – العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : 

م – 11 :
تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق، معترفة في هذا الصدد بالأهمية الأساسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الخ…

اى ان حق المأوى ( السكن ) هو حق مكفول للاسرة والافراد حماية لهم من التشرد والطرد التعسفى من منازلهم .

 

تشريعات الاسكان القديمة والحالية :

تشمل أهم التشريعات التي صدرت في مجال الإسكان سلسلة من قوانين  تخفيض الإيجارات،         وتضم :

القانون رقم ٦٥۷ لسنة 1953 ، والقانون رقم ٥٦٤ لسنة ۱۹٥٥ ، والقانون رقم ۱٦۸ لسنة ۱۹٦۱ ، والقانون رقم ۷ لسنة ۱۹٦٥ ، والتشريعات الخاصة بلجان تحديد الإيجارات، وتقييد حرية العلاقة بين المالك والمستأجر. وكان نتيجة ثبات وانخفاض القيمة الإيجارية عدم قيام الملاك  بصيانة مبانيهم صيانة سليمة، وقد أدى ذلك بدوره إلى تدهور الحالة الإنشائية للمباني وتراجع قيمتها العقارية وانخفاض عمرها الاف راضي، ومن ثم يؤدى إلى تدهور الثروة العقارية وزيادة العجز في الرصيد السكنى. ويرجع عزوف الملاك عن القيام بالصيانة إلى عدم وجود الحافز لديهم للقيام بهذه المهام، فضلا عن أن صافى إيراد العقار لا يكفي عادة لتنفيذ الصيانة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المستأجرين لا يمتد اهتمامهم عادة إلى خارج حدود وحداتهم السكنية .

 

5 – التشريعات الحالية للاسكان :

1 – القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر  .

2قانون 136 لسنة 1981

3    القانون رقم 4 لسنة 1996

4 – قانون رقم 5 لسنة 1996م بشأن تأجير الأماكن

4 – قانون ايجارات 6 لسنة 1996

5 – قانون رقم 14 لسنة 2001 بشأن تأجير الأماكن .

هذة مجرد نظرة عامة عن الحماية القانونية التى تكفلها القوانين وأحكام المحكمة الدستورية العليا ، للحق في السكن.

 

البعد الاجتماعى لقضية السكن

يقول المفوض السامي لحقوق الانسان ، بالامم المتحدة:

” إنّ الحق في السكن اللائق يعني أكثر من توفير سقف يعيش الإنسان تحته، وهو الحق في أن يحيا المرء حياةً آمنة وكريمة في مسكن لائق.

وليس بإمكان جميع الأشخاص التمتع بهذا الحق. إذ لا يزال أكثر من مليار شخص يعيشون في مساكن دون المستوى المطلوب وفي مستوطنات عشوائية. وفي كل عام، يخسر ملايين الأشخاص منازلهم ويعانون التشرد نتيجة المشاريع الإنمائية والنزاعات والكوارث الطبيعية والأزمة المناخية. ويتعرض الكثير منهم لعمليات إخلاء قسري. ويُنظر إلى السكن بشكل متزايد على أنّه فرصة للاستثمار، لا منفعة اجتماعية وحق أساسي من حقوق الإنسان.

 

خلاصة

ولان المسكن الملائم يمثل أحد الحاجات الضرورية للإنسان المعاصر بل يعد الحق في السكن مكون أساسي من مكونات حقوق الفرد أقرته المواثيق الدولية  وهو من أساسيات الحماية والرعاية التي توليها الدولة للفرد حيث يأتي في المرتبة التالية بعد توفير المأكل والملبس ، ومن هنا  برزت أهمية الإسكان كأحد الركائز الأساسية لأمن أي مجتمع ..

لذلك ينبغى على الدولة توفير المسكن الملائم للمواطنين من ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة، والمناسب لإمكانياتهم المالية المحدودة بما يحفظ لهم آدميتهم وكرامتهم الإنسانية، ويضمن لهم العيش الآمن والكريم … كما من واجبها حماية علاقات السكن المشروعة من محاولات البعض الاعتداء على المستاجرين باحداث تعديلات مغرضة على قوانين الاسكان المستقرة من سنوات ، بغرض تاقيت عقد الأيجار ، وطرد السكان من مساكنهم لجنى الارباح من ورائهم .

أن الخشية الكبرى عند تحقيق رغبات بعض المُلاك برفع القيمة الايجارية لفترة من الوقت( خمسة او حتى عشرة أعوام)  وهذة الفترة متزايدة القيمة الايجارية  ، مما تخرج عن القدرات المالية لكبار السن وأصحاب المعاشات ( وعدد القاطنين فى شقق الايجار المقترح زيادة اجرتها ثم ألغاء عقود ايجارها ليسكنوا الشوارع يبلغ عددهم الاجمالى قرابة العشرين مليون شخص ) مما سيترتب على ذلك من أضطراب اجتماعى واسع المدى .. وما يخلفه ذلك من فوضى أو صراع اجتماعي.

ونذكر هنا بما حدث فى اعقاب تطبيق مثل هذا القانون على مستأجرى الاراضى الزراعية بالقانون  الشهير . من صدامات واحتجاجات اجتماعية الدول في غنى عنها.

توصيات

1 – ضرورة عرض كل مشاريع تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستاجر لحوار مجتمعى حقيقي واسع قبل العرض على البرلمان وذلك من خلال :

أ – الاحزاب السياسية على اختلافها وتنوعها وتوجهاتها ..

ب – منظمات المحتمع المدنى من نقابات عماليه ( رسمية ومستقلة ) ، ونقابات مهنية ، وجمعيات ، ونوادى ومراكز شباب ، ومراكز ثقافية متنوعة ، وباقى منظمات وجمعيات المجتمع المدنى المعروفة والمهتمة بالقضايا الاجتماعية ، ومراكز الثقافة الجماهيرية فى الريف والحضر .

ج – عقد جلسات استماع فى البرلمان قبل مناقشة المشروع فى اللجنة العامة ، يمثل فيها اطراف العلاقة الايجارية من ملاك ومستاجرين بنسب تتناسب مع وزنهم النسبى فى المجتمع ، ويمثل فيها عددا مناسبا من الخبراء ذوى الشان فى مسائل الاسكان ، والعلوم الاجتماعية ، والمنظمات الدولية المهتمة بالموضوع

د – فتح أوسع حوار شفاف ونزيه فى وسائل الاعلام المختلفة المسموعة والمرئية ، والصحافة المقروءة تطرح به الاراء المختلفة والمتعددة وليس رأي واحد لأي طرف.


للنسخة word

للنسخة PDF


[1] – ( صوت الامة –  06 ديسمبر 2016 –– ت . ز  28/8/2021 –س 3 .00- «إسكان البرلمان»: ما زلنا ننتظر مشروع تعديل قانون «الإيجارات القديمة» https://www.soutalomma.com/Article/443318/%C2%AB%D8%A5%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%C2%BB-%D9%85%D8%A7-%D8%B2%D9%84%D9%86%D8%A7-%D9%86%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%B1-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9%C2%BB )

[2]  –  (نتائج تعداد سكان مصر لعام 2017- الجهاز المركزى لتتعبئة العامة والاحصاء – ت . ز . 27/8/2021 ) .

[3] ( المصدر السابق )

4 ( جريدة الاخبار 30 سبتمبر 2017 –  ت . ز  28/8/2021 –س 4 م – )

5.  (  [5]75 (-جريدة صوت الامة -الخميس، 14 يناير 2021 12:00 ص –  ت . ز   28/8/2021 –س 3.30 م 5  j .

6 –  ( اليوم السابع – [5] الخميس، 05 يناير 2017 02:30 م –– ت . ز 28 / 8 / 2021 – س – 11.00 م )