إعداد : طارق خاطر 

جاءت هذه الورقة علي عجل كمحاولة أخيرة لاستصراخ قضاة الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا لرفض التعديل الغير  معقول  المزمع إقحامه علي قانون المحكمة الدستورية العليا المصرية بإضافة مادتين جديدتين لقانونها رقم 48 لسنة 1979 حيث يمثل هذا التعديل خروجا علي الاختصاص الولائي  للمحكمة الدستورية العليا وهو أيضا يجاوز هدف المشرع الدستوري من إنشائها ولا تزيد العبارات التي حملتها المذكرة الإيضاحية التي أوردت نصا

( فقد رؤى إضافة نص إلي قانون المحكمة يسند إليها الاختصاص بالرقابة القضائية علي دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية وذالك بغاية إتاحة المجال أمام الدولة للتعامل الإيجابي مع القرارات الدولية التي تؤثر علي أمنها القومي ومصالحها الوطنية وذالك في إطار من الدستور والقانون )  إلا تأكيدا لعبثيته .

 

نص المادتين المقترح إضافتهما لقانون المحكمة الدستورية العليا :

المادة 27 مكرر :

” تتولي المحكمة الدستورية العليا الرقابة علي دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة ”

المادة 33 مكرر :

” لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة 37 مكرر أو بالالتزامات المترتبة علي تنفيذها ويختصم في الطلب كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به وترجمة معتمدة له ويجب أن يبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته ووجه المخالفة وتفصل المحكمة في الطلب علي وجه السرعة ”

وللولوج إلى بيت القصيد من هذه الورقة مباشرة نطرح علي دعاة التعديل عددا من الأسئلة ليجيبوا عليها أو ليصمتوا ويتراجعوا عن هذا التعديل .

السؤال الأول : هل تستطيع أو يجوز للمحكمة الدستورية العليا أن تقضي بعدم دستورية قرار صادر من مجلس الأمن الدولي أو أحد هيئات الأمم المتحدة ؟

السؤال الثاني : هل تستطيع المحكمة الدستورية أن تحكم بعدم دستورية حكم صادر من المركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار بين الدول ورعايا دول أخري المنشأ برعاية البنك الدولي  وسائر هيئات ومراكز التحكيم الدولية؟

 

دور واختصاص المحكمة الدستورية العليا وفقا للدستور  مصر الصادر في 2014 :

حددت المادة 192 من الدستور المصري اختصاصات المحكمة  الدستورية  العليا في الرقابة علي دستورية القوانين  واللوائح وتفسير النصوص التشريعية والفصل في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها وفي تنازع الاختصاص بين جهات القضاء والهيئات ذات الاختصاص القضائي والفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والأخر من جهة أخري منها والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها والقرارات الصادرة منها ويعين القانون الاختصاصات الأخري للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها .

بوضوح لا لبس فيه بين المشرع الدستوري الهدف من المحكمة الدستورية العليا ورسم حدود الاختصاص الولائي لها فالهدف هو ضمان احترام كافة مؤسسات الدولة للدستور والاختصاص هو الرقابة علي دستورية القوانين واللوائح الوطنية .

 

أثار التعديل المقترح علي هدف واختصاص المحكمة الدستورية العليا :

اعتبار الدستور المصري وثيقة كونية تسمو علي دساتير وقوانين دول العالم ووثائق أنشاء الهيئات والمنظمات الدولية :

الأثر الأول لهذا التعديل هو اعتبار الدستور المصري وثيقة كونية تسمو علي دساتير وقوانين دول العالم ووثائق بروتوكولات إنشاء الهيئات والمنظمات الدولية ويجب علي تلك الأخيرة أن تراعي في كل قراراتها نصوص الدستور المصري  باعتباره المرجع الذي يجب أن تدور في فلكه دون سواه من قوانين أو معاهدات دولية أخري ملزمة للدول ومن بينها  مصر .

 

أعتبار المحكمة الدستورية العليا المصرية الهيئة القضائية الأولي في العالم :

الأثر الثاني للتعديل المقترح  هو صيرورة المحكمة الدستورية العليا المصرية الهيئة القضائية الأولي في العالم ومنحها أختصاصا ولائيا يشمل  الرقابة علي قرارات كل المنظما ت والهيئات الدولية  والإقليمية مثل الأمم المتحدة  ومنظمة الوحدة الأفريقية أو حتي محكمة العدل الولية .

وللوهلة اﻷولي  يبين أن التعديل المزمع يشذ عن مقاصد المشرع الدستوري ولا يشفع لهذا التعديل التحاجي بعجز المادة 192 من الستور والتي أوردت ( ويعين القانون الاختصاصات الأخري للمحكمة ) إذ  يجب علي المشرع العادي الالتزام بالأهداف وحدود الاختصاص الولائي الذي فرضه المشرع الدستوري وهو ينحصر في الرقابة علي القوانين واللوائح الوطنية ولا تشمل ولاية المحكمة إلا القوانين والأحكام الصادرة من جهات قضاء وطنية فقط.

فكيف للمشرع العادي  أن يغفل عمدا عن أن مصر كدولة بحكومتها ودستورها ومحاكمها ليست الا مجرد فرد في الجماعة الدولية عليها أن تلتزم كسائر أفراد المجتمع الدولي بالمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية  وليس لها أن تخالف أو تلغي أو توقف تنفيذ ما يصدر عن الهيئات والمنظمات الدولية من قرارات الا وفقا لوثائق إنشائها فقط  .

كيف تسني للمشرع العادي  أن يخالف النص الدستوري الوطني ذاته الذي أوجب في مادته رقم 94 أن

( سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وتخضع الدولة للقانون )

ويشمل مفهوم القانون الذي يجب أن تخضع له الدولة القانون الوطني والقانون الدولي في أن واحد وقد تضمن هذا الأخير أليات مراجعة أحكامه والقرارات التي تصدر عن المنظمات والهيئات المعنية بتطبيقه دون النظر للدساتير والقوانين الداخلية للدول .وعلي مصر كدولة أن تحترم تعهداتها الدولية ومنها الالتزام بالقرارات التي تصدر عن الهيئات والمنظمات الدولية وحال رغبتها  في مراجعة تلك القرارات فليس أمامها سوي اللجوء للأليات  المنصوص عليها في القانون الدولي ذاته  وليس التحايل علي تلك القرارات باستصدار أحكام من محاكم محلية  هي بالأساس لم تكن بحسبان المشرع الدولي وهو أمر أن حدث قد يعرض الدولة المصرية برمتها لأزمات وعقوبات جسيمة .

 

أمثلة علي عوار التعديل المقترح وبحتمية تعريض مصر ﻷزمات دولية ومخاطر شديدة تهدد أمنها السياسي واﻷقتصادي حال اقرار هذا التعديل  :

مثال علي المستوي السياسي :

منذ بأت المواجهات المسلحة بين الفرقاء في دولة ليبيا كان للجماعة الدولية ممثلة في هيئة اﻷمم المتحدة ومجلس اﻷمن العديد من القرارات ذات الصفة اﻷلزامية والتي تعرض أي دولة تخلفها للعقوبات الدولية وفي هذا السياق أصدر مجلس اﻷمن الدولي بجلسته المنعقدة في 15 سبتمبر  2020 القرار رقم 2542 لسنة 2020 وجدد فيه قراره رقم 1970 لسنة 2011 والذي تضمن ( يحظر علي الدول اﻷعضاء توريد اﻷسلحة الي ليبيا )

فهل يجوز أو هل يستطيع رئيس مجلس الوزراء المصري عرض هذا القرار ( وفقا للتعديل المقترح ) علي المحكمة الدسورية العليا واستصدار حكم بعدم دستوريته وتﻻتيبا عليه يعلن أو يقوم بتصدير اﻷسلحة الي ليبيا ؟.

 

مثال علي المستوي اﻷقتصادي ( حالة النزاع بين الدولة وأحد المستثمرين اﻷجانب ) :

كما سيق وأن ذكرنا بالمقدمة قيام النك الدولي بانشاء ” المركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن اﻷستثمار بين الدول ورعايا دول أخري والذي يشار اليه بأسم ( اﻷكسيد ) بموجب اتفاقية واشنطن الصادرة في مارس عام 1965 وقد وصل عدد الدول المنضمة للاتفاقية الي 163 دولة من أصل دول العالم البالغ 196 دولة وقد أنضمت مصر الي هذه اﻷتفاقية عام 1971 وبأنضمامها هذا أقرت بقبولها تسوية منازاعاتها مع المستثمرين اﻷجانب أمام مركز اﻷكسيد الدولي ووفقا ﻷحكام اﻷتفاقية وليس وفقا ﻷحكام الدستور المصري .

فهل تستطيع المحكمة الدستورية العليا في مصر أو رئيس الوزراء المصري استصدار حكم من تلك المحكمة بعدم دستورية أحد اﻷحكام الصادرة من اﻷكسيد ؟ والاخلال بتعهد مصر والتزاماتها المقررة بموجب اتفاقية واشنطن ؟ في مواجهة دولية خاسرة بلا شك مع البنك الدولي.

 

مثال علي المستوي اﻷقتصادي ( حالة أحكام هيئات ومراكز التحكيم الدولية المطلوب تنفيذها في مصر ) :

أقرت اﻷمم المتحدة عام 1958 اﻷتفاقية الخاصة بأحكام المحكمين اﻷجنبية وتنفيذها ويشار أليها باتفاقية نيويورك وبلغ عدد الدول المنضمة للاتفاقية نهاية عام 2020 الي 166 دولة وقد كانت الدولة المصرية من أولي الدول التي أنضمت الي الاتفاقية بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 171 لسنة 1959

وجائت هذه اﻷتفاقية لتشكل الحماية والغطاء الدولي ﻷحكام المحكمين الصادرة من هيئات ومراكز النحكيم الدولية وقد تضمنت اتفاقية نيويورك في مادتها الثالثة ما هو نصه

 

“ تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه 

ولا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام اﻷتفاقية الحالية شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعا بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنين ”

وقد تضمنت اﻷتفاقية وعلي سبيل الحصر اﻷسباب التي تجيز للدول رفض التنفيذ كعدم اعلان الخصم بتعيين المحكم أو تجاوز هيئة التحكيم لحدود اختصاصها وأسباب أخري ليس من بينها أحام المحكمة الدستورية العليا في مصر والسؤال هنا أيضافهل تستطيع المحكمة الدستورية العليا في مصر أو رئيس الوزراء المصري استصدار حكم من تلك المحكمة بعدم دستورية أحد اﻷحكام الصادرة من مراكز وهيئات التحكيم الدولية المعترف بها أو تمنع تنفيذها في مصر لمجرد أن مشرعها قد استحدث محكمة دستورية بديلا عن مركز التحكيم الدولي أو ﻷنه استحدث مرجعية قانونية الدستور المصري) مغايرة ﻷحكام اتفاقية نيويورك ؟

 

خاتمة

حقيقة اﻷمر أن هذا التعديل المقترح علي قانون المحكمة الدستورية العليا هو أمر شاذ سواء من الناحية القانونية أو من ناحية التزامات الدولة المصرية بموجب اﻷتفاقات والمعاهدات والمواثيق الدولية المنضمة اليها مصركما يمثل سابقة قانونية ودستورية لم تحدث علي مستوي دول العالم حسب علم الكاتب حتي اﻷن فبموجب   هذا التعديل يفترض المشرع المصري علو المحكمة الدستورية العليا في مصر علي منظمة اﻷمم المتحدة بمختلف هيئاتها وألياتها ومنها مجلس اﻷمن الدولي كما يفترض هذا التعديل سمو وعلو الدستور المصري علي ما عداه من مواثيق وأحكام دولية وأن علي جميع المنظمات والهيئات الدولية اﻷلتزام  به وجعله القانون اﻷولي بالتطبيق بعيدا عن مواثيق انشائها التي أرتضتها الجماعة الدولية وللعجب من بينها الدولة المصرية  فهل ترتب الحكومة المصرية باقتراحها لهذا التعديل وقف تنفيذ أية قرارات محتملة لادانة دولية خاصة بحقوق الانسان .

لذا ….. فالمناشدة أصبحت واجبة وملحة لقضاة المحكمة الدستورية و  للمشرع المصري بالتراجع الفوري عن هذا التعديل المقترح والذي قد يجلب  معه كوارث اقتصادية وسياسية تهدد الدولة المصرية في كافة مناحي شؤنها هي والشعب المصري .

للنسخة word

للنسخة PDF


الخبر المنشور بتاريخ 7 يونيو 2021 بعنوان اللجنة التشريعية بمجلس النواب توافق علي تعديل قانون المحكمة الدستورية رابط الخبر- https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=14062021&id=b1083c5a-7521-40d0-8f82-017 – اخر زيارة 7 يونيو 2021

موقع  بعثات اﻷمم المتحدة   https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/s_res_25422020_a.pdf

أخر زيارة 20 يونيو 2021

أخر زيارة 20 يونيو 2021

[1]      موقع المركز الدولي لتسوية المنازعات اﻷستثمارية  https://www.international-arbitration-attorney.com/ar/the-international-centre-for-settlement-of-investment

أخر زيارة 20 يونيو 2021

[1]      موقع المعهداﻷمريكي للتحكيم التجاري الدولي http://www.aifica.com/2017/04/15/%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B2%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1-%D8%A3%D9%83%D8%B3%D9%8A/

أخر زيارة 20 يونيو 2021

[1]      أتفاقية اﻷعتراف بقرارات التحكيم اﻷجنبية وتنفيذها https://uncitral.un.org/sites/uncitral.un.org/files/media-documents/uncitral/ar/new-york-convention-a.pdf

موقع اﻷمم المتحدة أخر زيارة 20 يونيو 2021

[1]      موقع بوابة مصر للقانون http://www.laweg.net/Default.aspx?action=ViewActivePages&Type=6&ItemID=67146

أخر زيارة 20 يونيو 2021