مقدمة:

يوضح هذا الدليل، المعايير الدولية للمحاكمة العادلة ويلقي الضوء على مدى انطباق ذلك في مصر طبقا للدستور والقانون، وتنقسم المحاكمة إلى مرحلتين هما:

1) مرحلة التحقيق.

2) مرحلة المحاكمة أمام المحكمة.

  الفصل الأول

ضمانات المحاكمة العادلة في مرحلة التحقيق

أولا: الحق في الحرية :

لكل إنسان الحق في الحرية الشخصية فلا يجوز إلقاء القبض عليه أو احتجازه إلا للأسباب التي حددها القانون ودون تعسف، ويتعين أن يتم القبض أو الاحتجاز أيضا على النحو المحدد في القانون وبواسطة موظفين مخولين بذلك طبقا للقانون.

 – ونص المشرع المصري  في المادة 54 من الدستور على  أن “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”.

– ونصت المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”.

 – و نصت المادة 9 فقرة1 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه “لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون”.

من لهم الحق في احتجاز الشخص؟

نص المشرع المصري في قانون الإجراءات الجنائية على أن مأموري الضبط القضائي هم من لهم حق القبض والاحتجاز وذلك وفقا لنص المادة 21 التي نصت على أن “يقوم مأمور الضبط القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها، وجمع الاستدلالات التي تلزم التحقيق.”

كما حددت المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية مأموري الضبط القضائي ومن في حكمهم، وهم: أعضاء النيابة العامة ومعاونيهم، ضباط الشرطة وأمناؤها والكونستابلات والمساعدون، رؤساء نقاط الشرطة، العمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء، نظراء ووكلاء محطات السكك الحديد الحكومية ويكون لهم صفة مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم فقط ويكون من مأمور الضبط القضائي في جميع أنحاء الجمهورية مديرو الإدارات والأقسام والضباط وأمناء الشرطة، ضباط مصلحة السجون، مديرو الإدارة العامة لشرطة السكة الحديد، مفتشو وزارة السياحة، ويكون لهؤلاء حق الاحتجاز لمدة 24ساعة فقط وبأمر قضائي مسبب وفقا لنص المادة الرابعة والخمسين من دستور جمهورية مصر العربية.

متى يكون الاحتجاز تعسفيا أو غير قانوني؟

 يكون الاحتجاز تعسفيا إذا كان القبض على الشخص مخالفا لنصوص القانون الذي ينظم عملية القبض والاحتجاز، وقد يبدأ الاحتجاز قانونيا ثم يتحول إلى احتجاز تعسفي، ومن ذلك، احتجاز الشخص الذي قبض عليه بصورة قانونية ولكن استمر احتجازه عقب انقضاء المدة التي حددها القانون أو عقب صدور أمر قضائي بالإفراج عنه، ويكون الاحتجاز تعسفيا عند منع الشخص المحتجز من أي من حقوقه المنصوص عليها بالدستور والقانون مثل منعه من الاتصال بذويه أو التواصل مع محاميه.

يشهد الواقع العملي قيام قوات الأمن في الآونة الأخيرة بإلقاء القبض على العديد من الأشخاص سواء من منازلهم أو من أماكن أخرى واحتجازهم بأماكن غيرة معلومة لفترات قد تستمر إلى سنوات مثل إلقاء القبض على الصحفي محمد البطاوي من منزله في يونيو عام 2015 وإخفائه لعدة أيام قبل ظهوره في نيابة أمن الدولة للتحقيق معه.

ثانياً: الحق في الاطلاع على المعلومات الخاصة بسبب الاحتجاز:

حرص المشرع  المصري وكذا المواثيق الدولية على أنه يتوجب أن يتم إبلاغ الشخص المحتجز بأسباب احتجازه وأسباب القبض عليه فورا، ويعد السبب الرئيسي من ضرورة إبلاغ الشخص بأسباب الاحتجاز أو القبض عليه إتاحة الفرصة كي يتمكن من الطعن في مشروعية الاحتجاز وتمكينه من الاتصال بذويه أو محاميه لإعداد الدفاع عنه ولذلك يجب أن تكون الأسباب التي يتم إعطائها  للشخص محددة ومتضمنة شرحا واضحا للأساس القانوني للقبض والاحتجاز.

ونص المشرع المصري في المادة 54 من الدستور على أن “…… ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فوراً، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته”.

ونصت الفقرة 2 من المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه: “يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه، كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه”.

* إلا أنه في الواقع العملي تتجاهل أقسام الشرطة أو مأمور الضبط القضائي النصوص القانونية وكذا أحكام المحكمة الإدارية العليا الملزمة بإبلاغ الأشخاص بأسباب القبض عليهم أو تمكينهم من الاتصال بذويهم أو محاميهم وتكتفى بتحرير المحاضر وإحالتهم إلى النيابة لمباشرة التحقيق معهم، ومثال ذلك، اقتحام قوات الأمن لمؤسسة مدى للتنمية الإعلامية واحتجاز الصحفي هشام جعفر وعدم تمكينه من إجراء مكالمة لذويه أو إعطائه أية معلومات عن سبب احتجازه وإحالته بعد عدة أيام إلى نيابة أمن الدولة للتحقيق معه.

ثالثاً: الاستعانة بمحام أثناء التحقيقات:

يجب عند القبض على الشخص واحتجازه أو عرضه على النيابة، تمكينه من الحصول على مساعدة من محام يختاره لحماية حقوقه ومساعدته في الدفاع عن نفسه، وإذا كان غير قادرا على دفع النفقات اللازمة لتوكيل محام لتولي مسئولية الدفاع عنه، فمن حقه أن ينتدب له محام مؤهل للدفاع عنه.

وينبغي أن يكون الشخص الذي يتم احتجازه قادرا على الاتصال بالمحامين منذ بداية فترة الاحتجاز، بما في ذلك فترة التحقيق معه ويجب أن يمنح مساحة زمنية وتسهيلات كافية للاتصال بالمحامي في سرية وخصوصية.

ويعد الاستعانة بمحام وسيلة رئيسية لضمان حماية حقوق الإنسان المكفولة للمتهمين بارتكاب أفعال جنائية وخاصة حقهم في محاكمة عادلة.

وللمحامي أن يعترض على توجيه بعض الأسئلة وأن يبدي ملاحظاته عليها ويثبت ذلك في محضر التحقيق بالإضافة إلى طلباته ودفوعه، ويترتب على عدم حضور محام إجراءات التحقيق بطلان التحقيق.

نص المشرع المصري في المادة 54 على أن ” …. لا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، ندب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة في القانون.”

ونصت المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه “لكل من يتهم بارتكاب فعل جنائي الحق في مساعدة قانونية لحماية حقوقه والدفاع عنها”.

وكذا نصت المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “لا يجوز للمحقق في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبا أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي يثبته المحقق في المحضر.

وعلى المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير لدى قلم كتّاب المحكمة أو إلى مأمور السجن، أو يخطر به المحقق، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا الإعلان أو الإخطار.

وإذا لم يكن للمتهم محام، أو لم يحضر محاميه بعد دعوته، وجب على المحقق، من تلقاء نفسه، أن يندب له محامياً.

وللمحامي أن يثبت في المحضر ما يعن له من دفوع أو طلبات أو ملاحظات”.

إلا أن  الواقع العملي، تقوم النيابة العامة في العديد من الحالات بمخالفة نصوص الدستور والقانون وتحقق مع الأشخاص بدون أن يكون لهم محامين ولا تقوم حتى بانتداب محامين، ومن أمثلة القضايا التي تم مباشرة التحقيق فيها دون حضور محامين مع المتهمين، القضية المعروفة إعلاميا بقضية أحداث مجلس الوزراء كما هو ثابت في أوراقها، وكذا التحقيق مع الصحفي هشام جعفر بنيابة أمن الدولة دون حضور محام معه إجراءات التحقيق.

رابعا: تمكين المحامين من الاطلاع على أوراق القضية:

إذا كان من ضمن المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة ألا يعرض الشخص المحتجز على النيابة لاستجوابه في الاتهامات المنسوبة إليه إلا في حضور محام، فلكي يتحقق هذا الغرض على الوجه الصحيح، لابد وأن يتمكن المحامي من الاطلاع على كافة أوراق التحقيقات، كما أنه لا يجوز الفصل بين الشخص المحتجز ومحاميه.

وكفل المشرع المصري ذلك الحق في  المادة 125 من قانون الإجراءات الجنائية حيث نصت على أنه “يجب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك”.

في الواقع العملي هناك العديد من القضايا التي قامت النيابة العامة، وبالأخص نيابة أمن الدولة بمباشرة التحقيقات بها دون السماح لمن يختاره المتهم للحضور معه بالاطلاع على التحقيقات أو حتى محضر الضبط حيث لا يتمكن المحامي من الاطلاع على أوراق القضية لحين إحالتها للمحكمة، وتكرر هذا الأمر حتى أصبح هو القاعدة في تحقيقات نيابة أمن الدولة مثل قضية الصحفي إسماعيل الإسكندراني وقضية الصحفي هشام جعفر اللذان أمضى كل منهما ما يقرب من العامين محبوسا قيد التحقيق دون السماح لمحاميهم بالاطلاع على قضيتيهما.

خامسا: عدم التأثير على المتهم عند استجوابه:

يجب الحيلولة دون التأثير على المتهم بأية صورة من الصور، سواء كان هذا التأثير صادرا من المحقق ذاته أم من غيره كالشرطة أو أحد الخصوم، كما يجب طمأنة المتهم لسرية التحقيق وكافة المعلومات الواردة فيه، كما يجب على المحقق ألا يطيل في التحقيق، لأن من شأن ذلك إرهاق المتهم والتأثير على إرادته مما قد يجبره على الاعتراف في ظل الظروف النفسية الصعبة التي يمر بها، ولذلك إذا ارتأى المحقق أن التحقيق سيستغرق وقتا طويلا، وجب عليه منح المتهم فترة راحة كافية لاستعادة حالته الطبيعية وضمان صفاء ذهنه وراحته النفسية، حتى وإن اضطر إلى تأجيل التحقيق ليوم آخر، لأنه لابد أن يصدر إقرار المتهم أواعترافه عن إرادة حرة واعية، وليس تحت وطأة الضغط.

نص الدستور المصري في المادة 55 منه على أن “كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيا وصحيا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون”.

ونصت المادة 140 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “لا يجوز لمأمور السجن أن يسمح لأحد من رجال السلطة بالاتصال بالمحبوس داخل السجن إلا بإذن كتابي من النيابة العامة، وعليه أن يدون في دفتر السجن اسم الشخص الذي سمح له بذلك ووقت المقابلة وتاريخ ومضمون الإذن”.

كما نصت المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة للكرامة”.

كما نصت المادة 7 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة للكرامة”.

وكذا نصت المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على “يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.”

إلا أن الواقع العملي في الوقت الراهن، شهد في العديد من القضايا المنظورة أمام القضاء المصري وخاصة القضايا التي تحمل طابعا سياسيا، التأثير على الأشخاص من خلال استجوابهم بواسطة جهاز الأمن الوطني، أو استجوابهم داخل المقرات الشرطية من قبل النيابة العامة، ومثال ذلك استجواب المقبوض عليهم خلال التظاهرات الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية داخل قسم شرطة الدقي ولفترة زمنية طويلة دون منح الأشخاص فترة كافية للراحة مما أدى إلى إرهاقهم والتأثير على أقوالهم بالتحقيقات.

سادسا: الحق في المثول أمام قاض أو مسئول قضائي بشكل سريع:

يجب عرض كل من يقبض عليه أو من يتم احتجازه بسبب تهمة جنائية على وجه السرعة أمام قاضي أو مسئول قضائي وذلك لضمان حماية حقوقه المقررة، ويجب أن يصدر المسئول القضائي قراره بشأن قانونية احتجازه، ويكون الأصل الإفراج عن الأشخاص إلى حين بدء محاكمتهم عملا بقرينة البراءة، وتتحمل سلطة الاتهام عبئ إثبات مشروعية احتجاز الأشخاص وكذلك إثبات أن استمرار احتجازهم ضروري للتحقيق.

وأسباب سرعة عرض من يتم احتجازه على قاض تتلخص في تقدير كفاية الأسباب القانونية للقبض على الشخص أو احتجازه، وما إذا كان ينبغي الأمر بالإفراج عنه أو مواصلة احتجاز الشخص، بالإضافة إلى ضمان سلامة الشخص المحتجز.

ونص الدستور المصري في المادة 54 منه على أنه “يجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته”.

وكذا نص قانون الإجراءات الجنائية في المادة 36 منه على أنه “يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فوراً أقوال المتهم المضبوط، وإذا لم يأت بما يبرئه، يرسله في مدى أربع وعشرين ساعة إلى النيابة العامة المختصة، ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف أربع وعشرين ساعة، ثم تأمر بالقبض عليه أو بإطلاق سراحه.”

ونصت الفقرة 3 من المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن” ……يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.

ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.

ما المقصود بافتراض الإفراج عن الأشخاص في انتظار بدء المحاكمة؟

تنص المعايير الدولية والقوانين المحلية صراحة على أنه ينبغي كقاعدة عامة عدم احتجاز الأشخاص الذين توجه اليهم تهم جنائية أثناء انتظار بدء المحاكمة وذلك بالاتساق مع مبدأ الحق في الحرية وافتراض قرينة البراءة في الأشخاص.

ولكن مع الأخذ في الاعتبار مشروعية احتجاز الشخص لحين بدء المحاكمة في أمور معينة نص عليها المشرع المصري في قانون الإجراءات الجنائية  في مادته 134 وهي:

– الخشية من هروب المتهم.

– خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير  على المجني عليه أو الشهود أو العبث بالأدلة والقرائن المادية.

– توقي الإخلال الجسيم بالأمن أوالنظام العام.

– عدم وجود محل إقامة ثابت له داخل جمهورية مصر العربية.

– عدم وجود دلائل كافية بأوراق القضية.

 إلا أنه في الواقع العملي كثيرا ما يمكث الأشخاص قيد الاحتجاز لفترات طويلة قبل عرضهم على سلطة التحقيق، وتزايدت حالات الإخفاء القسري مثل حالة الصحفي محمد صابر البطاوي الذي عرض على النيابة العامة بعد القبض عليه بما يقرب من أسبوعين.

سابعا: الحق في الطعن على مشروعية الاحتجاز:

يحق لكل شخص تم حرمانه من حريته أن يطعن في مشروعية احتجازه أمام المحكمة، وللأشخاص الذين يحتجزون على نحو غير مشروع، الحق في رفع الضرر، بما في ذلك التعويض ويجب أن تقضي المحكمة في الأمر دون تأخير، وأن تأمر بالإفراج عن المقبوض عليه إذا لم يكن الاحتجاز مشروعا.

ونص دستور جمهورية مصر على العربية على هذا الحق في المادة 54 منه حيث نص على أنه “… ولكل من تقيد حريته، ولغيره حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء وإلا وجب الإفراج عنه فورا”

ونصت الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على“لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني.”

ونصت المادة 165من قانون الإجراءات الجنائية على أن “يحصل الاستئناف بتقرير في قلم الكتاب”، ونصت المادة 166 على أن : “يكون ميعاد الاستئناف عشرة أيام من تاريخ صدور الأمر بالنسبة إلى النيابة العامة ومن تاريخ إعلانه بالنسبة إلى باقي الخصوم، عدا الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (164) من هذا القانون، فيكون ميعاد استئناف النيابة لأمر الإفراج المؤقت أربعاً وعشرين ساعة، ويجب الفصل في الاستئناف خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفعه، ويكون استئناف المتهم في أي وقت، فإذا صدر قرار برفض استئنافه، جاز له أن يتقدم باستئناف جديد كلما انقضت مدة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور قرار الرفض.”

ويلاحظ أن نص هذه المادة أتاح لسلطة الاتهام الاستئناف على قرار الإفراج في أي وقت ودون اشتراط مرور مدة زمنية معينة، في حين أوجب على المتهم الانتظار 30 يوما بين كل استئناف ومثيله بما يمثل إخلالا بتكافؤ المراكز القانونية بين الطرفين.

في الواقع العملي تقوم الكثير من النيابات بمخالفة هذا المعيار ولا تمكن المتهمين الصادر لهم قرار الحبس الاحتياطي من استئناف القرار، ومن أمثلة القضايا التي رفضت نيابة أمن الدولة تمكين المتهمين من استئناف أمر الحبس الاحتياطي، قضايا الصحفيين إسماعيل الإسكندراني، ومحمد البطاوي، وهشام جعفر، وكذا  تقوم النيابات بمخالفة نص المادة 167من القانون وتقوم باستئناف الأوامر الصادرة من المحاكم المنعقدة بغرفة المشورة بالإفراج عن المتهمين  في الكثير من القضايا ومنها على سبيل المثال  استئناف نيابة وسط الكلية على قرار محكمة جنايات الجيزة بغرفة المشورة بإخلاء سبيل ثلاث صحفيين متهمين بقضية تقرير الحجاب.

الفصل الثاني

المعايير والضمانات المطلوبة أثناء المحاكمة

تنقسم المعاير والضمانات أثناء فترة المحاكمة إلى عدة معايير لابد وأن تتوافر لاعتبار إجراءات المحاكمة محاكمة عادلة نستعرض أهمها فيما يلي:

أولا: المثول أمام محكمة محايدة ومختصة

من الضمانات والمعايير الأساسية لمعايير المحاكمة العادلة أن يمثل المتهمين لمحاكمة عادلة للفصل في التهامات المنسوبة إليه، وأول ضمانات المحاكمة العادلة، أن تكون المحكمة محايدة ومستقلة ومختصة بنظر موضوع الاتهامات المنسوبة إلى الأشخاص، وقد نصت المواثيق والمعاهدات الدولية صراحة على هذا الحق.

ونص المشرع المصري في المادة97 من الدستور على أن “…… لا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة.”

ونصت المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه.”

ونصت المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن“الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون.

إلا أن المشرع المصري قد خالف ذلك حينما نص في المادة رقم 204 من الدستور على أن “القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة.

ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.

ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى.

وأعضاء القضاء العسكري مستقلون غير قابلين للعزل، وتكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية.”

وأصدر المشرع المصري القانون رقم 136 لسنة2014 بشأن تامين وحماية المنشئات العامة والحيوية ونص في مادته الأولى على أنه “مع عدم الإخلال بدور القوات المسلحة في حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، تتولى القوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها، وتعد هذه المنشآت في حكم المنشآت العسكرية طوال فترة التأمين والحماية.

وكذا مادته الثانية التي نصت على أن “تخضع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات  العامة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القرار بقانون لاختصاص القضاء العسكري، وعلى النيابة  العامة إحالة القضايا المتعلقة بهذه الجرائم إلى النيابة العسكرية المختصة”.

وقد سمح المشرع المصري بهذه النصوص بمحاكمة الأشخاص المدنيين أمام قاض غير قاضيهم الطبيعي والمتمثل في القضاء العسكري الذي تنعقد جلساته في ثكنات عسكرية، وتتكون هيئاته القضائية من ضباط برتب عسكرية واقعين تحت سلطة الرتب الأعلى وتابعين لوزارة الدفاع.

وقد خالف المشرع الدستوري بذلك النص أيضا مبدأ عدم تعارض مواد الدستور الذي نصت عليه المادة 227 من الدستور بقولها “يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجا مترابطا، وكلا لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متماسكة”.

وفي الواقع العملي هناك العديد من القضايا التي يتم محاكمة المتهمين فيها أمام قاض غير قاضيهم الطبيعي كمثول الأشخاص أمام محاكم أمن الدولة العليا وأمام المحاكم العسكرية وأمام “دوائر الإرهاب” المشكلة بموجب قرارات إدارية من قبل وزير العدل، والتي تنعقد جلساتها في أماكن استثنائية مثل المقرات الشرطية التي لا يسمح بدخولها إلا لمن يأذن له القضاة، وتسمح بإيداع المتهمين بأقفاص زجاجية عازلة حيث يتحكم رئيس المحكمة في السماح للمتهمين بالحديث إلى محاميهم أو إلى المحكمة من عدمه حيث لا يصل الصوت إلا من خلال مكبرات صوت يتحكم في تشغيلها رئيس المحكمة، بل إن هذه الدوائر تقوم في كثير من الأحيان بفرض محاميين منتدبين للدفاع عن المتهمين رغم إرادتهم، ويصل الأمر أمام هذه الدوائر إلى عدم تمكين المتهمين أو دفاعهم من استدعاء شهودا لنفي الاتهامات المنسوبة، كما سبق غير مرة أن أعلن قضاة هذه الدوائر عبر وسائل الإعلام عن الانحياز للسلطة السياسية وضد المتهمين المعروضين عليها بحجة مكافحة الإرهاب، ومن أبرز القضايا التي نظرت أمام دائرة إرهاب وأهدرت فيها حقوق وضمانات المحاكمة العادلة ومعيار المثول أمام محكمة محايدة ومختصة محاكمة المتهمين في القضية المعروفة إعلاميا بقضية أحداث مجلس الوزراء، وكذلك القضية المعروفة إعلاميا بقضية مظاهرة مجلس الشورى.

ثانيا: مبدأ علانية المحاكمة

لكل شخص يتم محاكمته أن تنظر محاكمته بشكل علني لضمان حيدة القاضي وضمان اطلاع الشعب الذي تصدر الأحكام باسمه بمجريات المحاكمات وتحقيق الهدف المجتمعي من المحاكمة ومن العقوبة في حالة الإدانة حيث يعد هذا المبدأ وسيلة لضمان الثقة العامة في نظام العدالة، ولا يكفي لاعتبار توافر ذلك المبدأ أن يحضر أطراف الدعوى فقط الجلسات بل يجب أن تكون الجلسات مفتوحة أمام الجمهور ووسائل الإعلام وذلك لمعرفة ومراقبة كيف تدار العدالة وكيف تجري المحاكمات.

ونص المشرع على علانية المحاكمة في المادة رقم 187 من الدستور بقوله “جلسات المحاكمة علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”.

ونصت المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “….… ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهم جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون”.

ونص المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “يجب أن تكون الجلسة علنية ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات عمرية من الحضور فيها”.

إلا أن هناك بعض الاستثناءات التي ترد على مبدأ علانية المحاكمة والتي جاءت على سبيل الحصر، حيث نص المشرع المصري في المادة رقم 126من قانون الطفل والتي نصت على  أنه“لا يجوز أن يحضر محاكمة الطفل أمام محكمة الأحداث إلا أقاربه والشهود والمحامون والمراقبون الاجتماعيون ومن تجيز له المحكمة الحضور بإذن خاص.”، وهو ما نصت عليه المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بقولها ” ….. إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصايا على الأطفال”.

وفي الواقع العملي تفتقد معظم المحاكمات في القضايا ذات الطابع السياسي إلى مبدأ العلانية وذلك بسبب القرارات الصادرة من وزير العدل بنقل المحاكمات إلى المقرات الشرطية مثل أكاديمية الشرطة ومعهد أمناء الشرطة بل وبعض السجون، والتي لا يسمح بحضورها سوى المحامين الذين تم تسجيل منعهم في بعض الحالات، مما يجعل هذه المحاكمات تفتقر إلى شرط العلانية ومثال ذلك القضايا المعروفة إعلاميا بقضية أحداث مسجد الفتح التي عقدت جلساتها في سجن وادي النطرون، وكذلك قضايا أحداث الذكرى الثالثة لثورة25 يناير التي عقدت جلساتها في معهد أمناء الشرطة وأكاديمية الشرطة، بل يتم إيداع المتهمين بتلك المحاكم في أقفاص زجاجية تفصل الشخص عن إجراءات محاكمته وعما يدور داخل قاعة المحكمة مما يخل بمبدأ حق الشخص في الاطلاع على مجريات محاكمته.

ثالثا: افتراض قرينة البراءة

تعد من المبادئ الأساسية التي تكفلها الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية افتراض براءة أي شخص يتهم بارتكاب فعل إلى أن يتم إثبات إدانته بحكم من المحكمة بعد محاكمة عادلة ومنصفة، ومن الواجب أن يعامل الشخص أثناء إجراء المحاكمة باعتباره بريئا من الجرم المنسوب إليه.

وأكد المشرع على ذلك الحق في المادة 96 من الدستور على أنالمتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.

وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات.

وتوفر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء، وفقا للقانون”.

ونص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 11 منه على أن “كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.“

ونصت المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه “….. من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا”.

وعلى الرغم من إن النصوص الدستورية والقانونية تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته وأن هناك أحكاما قضائية تؤكد أن الأصل في الإنسان البراءة، وأنه يجب افتراض تلك القرينة طوال فترة محاكمته فلا يمكن أن يتم إدانة المتهمين بناء على تحريات الشرطة وحدها مثلا، إلا أن الواقع العملي يشهد عكس ذلك تماما حيث يتم محاكمة محبوسين بناء على التحريات وحدها بل أن الأمر يمتد إلى قيام المحاكم بإصدار أحكام بالإدانة استنادا إلى التحريات وحدها كدليل ومثال ذلك أحكام الإدانة الصادرة في القضية المعروفة إعلاميا بقضية مظاهرة مجلس الشورى.

رابعا: عدم الإكراه على الاعتراف

لا يجوز إكراه أي شخص متهم بارتكاب فعل جنائي على الاعتراف بارتكابه هذا الجرم سواء كان هذا الاعتراف على نفسه أو على غيره من المنسوب اليهم نفس الفعل، وقد كفل المشرع المصري للشخص المحتجز حقه في عدم الإجابة على أسئلة المحقق والتزامه بالصمت وذلك وفقا للمادة 55 من الدستور التي نصت على أنه ” …… للمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شئ مما تقدم أو التهديد بشيء منه يهدر ولا يعول عليه”.

وأكدت ذات المادة على أن “كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيا وصحيا…. ومخالفة شئ من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون”.

وأكدت المادة 52 من الدستور على أن “التعذيب، بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم”.

ونصت المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة للكرامة”.

ونصت المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن من حق المتهم ” …. ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب”.

وقد جرم المشرع المصري في قانون العقوبات، استخدام العنف أو التعذيب ضد المتهمين لحملهم على الاعتراف وذلك في المادة 126 منه التي نصت على أن “كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر. وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدا.”

وأكدت أحكام محكمة النقض على هذا الأمر ومنها الحكم الصادر في الطعن رقم 758 لسنة 50 قضائية  الذي نص على أن “الاعتراف يجب ألا يعول عليه -ولو كان صادقا- متى كان وليد إكراه كائنا ما كان قدره”.

إلا أن السلطات في الواقع العملي تخالف ذلك المبدأ وتهدر النصوص الواردة بالدستور والقانون، حيث  يقوم مأموري الضبط القضائي بتعذيب المتهمين لحملهم على الاعتراف، وتتجاهل السلطة القضائية نص قانون العقوبات الملزم بمعاقبة مرتكب التعذيب، بل تمتنع النيابة العامة عن استدعاء المتهمين بالتعذيب ومواجهتهم بما هو منسوب إليهم، وتقوم بحفظ تلك الشكاوى المقدمة أو حبسها في الأدراج دون الإحالة إلى المحاكمة، وتقوم المحاكم بإدانة المتهمين بناء على تلك الاعترافات الناتجة عن التعرض للتعذيب، وتعد من أبرز القضايا التي تجاهلت المحكمة فيها تعرض المتهمين للتعذيب واعترافهم نتيجة هذا التعذيب حتى لو تم إثبات وقوعه بتقارير طبية حكومية، القضية المعروفة إعلاميا بقضية اغتيال النائب العام.

خامسا: استبعاد الأدلة المنتزعة بسبب التعذيب

لضمان أن تكون المحاكمة عادلة يجب أن تقوم المحكمة من تلقاء نفسها باستبعاد الأدلة التي تم الحصول عليها نتيجة تعرض الشخص للتعذيب أو سوء المعاملة أو أي شكل من أشكال الإكراه ولا تعتبرها من الأدلة المقبولة أثناء المحاكمة.

وتعد من الأدلة التي لا يجوز أن تستخدمها المحكمة في إدانة المتهمين، الاعترافات الناتجة من تعرضه للتعذيب أو أي صورة من صور الإكراه سواء كان ذلك ماديا أو معنويا.

ونص الدستور على هذا المبدأ في المادة 55 منه حيث نص على أن “كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة.

ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه.”

وأكدت اتفاقية مناهضة التعذيب على هذا المبدأ في مادتها رقم 15 بقولها “تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال.”

وكذا نصت المادة 12 من إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على أنه “إذا ثبت أن الإدلاء ببيان ما كان نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لا يجوز اتخاذ ذلك البيان دليلا ضد الشخص المعني أو ضد أي شخص آخر في أية دعوى.”

إلا أنه في الواقع العملي تتجاهل المحاكم أثناء نظر القضايا ذلك المبدأ تماما وتقيم أحكامها على أساس الاعترافات التي عادة تكون نتيجة تعرض الشخص للتعذيب، خاصة في القضايا التي تحمل الطابع السياسي، مثل الحكم الصادر في القضية المعروفة إعلاميا بقضية أحداث مسجد الفتح.

سادسا: تحقيق مبدأ العدالة الناجزة

لكل فرد يتم اتهامه بفعل جنائي الحق في أن يمثل للمحاكمة وأن يتم الفصل في محاكمته على وجه السرعة وذلك وفقا لظروف وملابسات موضوع القضية المتهم بها الشخص، ولا يقصد بمبدأ العدالة الناجزة إهدار ضمانات المحاكمة العادلة كما لا يجب أن يكون معنى السرعة هو الإخلال بحقوق المتهمين كإهدار مبدأ التقاضي على درجتين أو منع المتهم من الاستعانة بمن يراه من شهود أو التغول على ضمانات الدفاع، وليس من العدالة الناجزة في شيء، ما أقرته السلطة التشريعية مؤخرا من قوانين تسمح بمحاكمة المتهمين غيابيا، وتعطي المحكمة الحق في التجاوز عن سماع الشهود، وما إلى ذلك.، كما أن مبدأ العدالة الناجزة لا يستقيم مع إطالة حبس المتهمين احتياطيا بلا مبرر.

ونصت المواثيق الدولية على هذا المبدأ حيث نصت المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه ” لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته وعلى قدم المساواة التامة بالضمانات الأتية: ….. (ج) أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له.”

ونص المشرع المصري في المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “….. في جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام”.

إلا أنه في الواقع العملي، تخالف السلطة القضائية هذا المبدأ، حيث لا يتم إنجاز المحاكمات فهناك العديد من المحبوسين احتياطيا الذين يتجاوزوا المدد المنصوص عليها في القانون، ويظل المتهم محبوسا لفترة طويلة دون الفصل في موضوع اتهامه، وتعد من أبرز أمثلة القضايا التي تم فيها إهدار مبدأ العدالة الناجزة، القضية المعروفة إعلاميا بقضية فض اعتصام رابعة العدوية والتي قضى المتهمين فيها مددا تجاوزت الثلاث سنوات قيد الحبس الاحتياطي وما زالت محاكمتهم مستمرة حتى صدور هذا الدليل.

سابعا: الحق في استدعاء الشهود ومناقشتهم وحمايتهم وعدم التأثير عليهم

لكل فرد يتم اتهامه بارتكاب فعل جنائي الحق في استدعاء من يريده من شهود لسماع أقوالهم في الاتهامات المنسوبة إليه، وله الحق أيضا في مناقشتهم بنفسه أو بواسطة محاميه لدحض أدلة الإثبات المقدمة منه، وعلى الجهات القضائية أن تكفل هذا الحق للمتهم وأن تمكنه من استدعاء الشهود واستجواب أو إعادة استجواب أي شاهد يقدمه الادعاء.

نصت المادة 14 من  العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه “لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة بالضمانات الدنيا التالية:

…. أن يناقش شهود الاتهام بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام”

ونص قانون الإجراءات الجنائية في المادة رقم 271على أنه ” …… يكون توجيه الأسئلة للشهود من النيابة العامة أولا، ثم المجني عليه، ثم من المدعي بالحقوق المدنية، ثم من المتهم، ثم من المسئول عن الحقوق المدنية”.

وكذلك  المادة رقم 272من ذات القانون والتي نصت على أنه “بعد سماع شهادة شهود الإثبات يسمع شهود النفي ويُسألون بمعرفة المتهم أولا، ثم بمعرفة المسؤول عن الحقوق المدنية، ثم بمعرفة النيابة العامة، ثم بمعرفة المجني عليه، ثم بمعرفة المدعي بالحقوق المدنية، وللمتهم والمسؤول عن الحقوق المدنية أن يوجها للشهود المذكورين أسئلة مرة ثانية لإيضاح الوقائع التي أدوا الشهادة عنها في أجوبتهم عن الأسئلة التي وجهت إليهم، ولكل من الخصوم أن يطلب إعادة سماع الشهود المذكورين لإيضاح أو تحقيق الوقائع التي أدوا شهادتهم عنها، أو أن يطلب سماع شهود غيرهم لهذا الغرض.”

إلا أن المشرع المصري قد قام بتعديل قانون الإجراءات الجنائية في 27 أبريل 2017 وذلك باستبدال نص المادة 277 حيث جعل من حق المحكمة أن تقرر عدم لزوم سماع شهادة أي من الشهود، حيث نصت على أنه “…..… مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة الأولى من هذه المادة، يحدد الخصوم أسماء الشهود وبياناتهم ووجه الاستدلال بهم، وتقرر المحكمة من ترى لزوم سماع شهادته، وإذا قررت المحكمة عدم لزوم سماع شهادة أي منهم وجب عليها أن تسبب ذلك في حكمها”، الأمر الذي يهدر معايير المحاكمة العادلة بل ينسف معيار المحاكمة من الأساس حيث لا يعقل أن تتم محاكمة الأشخاص دون السماح لهم بإثبات حسن موقفهم من خلال استدعاء الشهود.

كما أنه في الواقع العملي، كثيرا ما لا يتمكن المتهم أو من ينيبه من استدعاء الشهود الذين يخشون من الإدلاء بشهاداتهم أمام الجهات القضائية في ظل عدم وجود قانون لحماية الشهود من الملاحقة أو من الإيذاء بسبب شهادتهم، كما أنه من المتكرر أنه حتى وإن حضر الشاهد لا يتم السماح للمتهم بمناقشة الشاهد وتكتفى المحكمة بالأسئلة الموجهة منها أو من ممثل الادعاء، كما تملك المحكمة سلطة منع دفاع المتهم من توجيه أسئلة للشاهد، مما يخل بمبدأ أساسي في المحاكمة وهو أنه من حق المتهم الحديث والدفاع عن نفسه، وهو ما حدث في كثير من القضايا منها قضية أحداث مجلس الوزراء حيث لم تقم المحكمة في إعادة المحاكمة بمناقشة شهود الإثبات أو تمكين المتهمين من استدعاء من يرونهم من شهود نفي.

الفصل الثالث

مراقبة المحاكمات

المقصود بمراقبة المحاكمة والغرض منها:

يقصد بمراقبة المحاكمة حضور أحد الأشخاص وعادة ما يكونوا محامون أو أفرادا تلقوا تدريبا قانونيا ليقوموا برصد المحاكمة وتدوين الملاحظات حول إجراءاتها وذلك من خلال تمكينهم من إجراء الحوارات مع أطراف القضية ومقابلة ممثلي القضاء وجمع المعلومات المتعلقة بالدعوى والإطلاع على أوراقها، والغرض الأساسي من مراقبة المحاكمة هو تقييم مدى التزام المحكمة بمعايير المحاكمة العادلة، وكذا مراقبة امتثالها للقانون الوطني وتوافق ذلك مع الالتزامات الدولية، لذا يجب أن يكون المراقب متسما بالحيدة والاستقلال، وتعد مراقبة المحاكمات هي المعيار الرئيسي والمقياس لتوافر معايير المحاكمة العادلة.

وقد يحث وجود المراقب، الجهات القضائية على الالتزام بمعايير حقوق الإنسان بصورة أكبر، وتنتهي إجراءات مراقبة المحاكمة بتقديم المراقبين توصيات إلى ممثلي القضاء والمهتمين والجمهور رغبة في المزيد من النجاعة والعدالة للنظام القضائي.

ويمكن من خلال مراقبة المحاكمة تحقيق العديد من الأهداف من أهمها المساعدة في ضمان مراعاة حق المدعي عليهم في التمتع بمحاكمة عادلة، وذلك من خلال قيام المراقب بتقييم القاضي وبيان ما إذا كان متأثرا بأطراف خارجيين أو في تفضيله لمحامي الادعاء على ممثل الدفاع.

كذلك تكون مراقبة المحاكمات ضمانة لتحقيق العدالة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وفي هذه الحالة يسعى المراقبون لاكتشاف إلى أي مدى يتم تقديم المسئولين عن الانتهاكات للمحاكمة ومعاقبتهم حسب القانون الدولي، ومراقبة مدى جدية الادعاء في الكشف عن الأدلة حتى لا يتمكن الجناة من الإفلات من العقاب.

تساعد مراقبة المحاكمة أيضا في تحديد السمات المتكررة في المحاكمات التي تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان من أجل إعداد توصيات بتغيير كيفية تعامل النظام القضائي مع القضايا المنظورة أمامه.

دور المراقب خلال المحاكمة:

بعد إبلاغ السلطات بمراقبة المحاكمة، يقوم المراقب بحضور الجلسات ويجب أن يكون المراقب قد قام بالتحضير الجيد قبل إجراء المحاكمة وذلك من خلال البحث ودراسة قوانين الدولة المتعلقة باطلاع الجمهور على إجراءات المحاكمة بما في  ذلك الأسباب القانونية التي يمكن بسببها منع الجمهور من حضور إجراءات المحاكمة تماشيا مع معيار علانية المحاكمة المكفول بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتماشيا مع مبدأ العلانية يستطيع المراقب حضور المحاكمة دون الحاجة إلى تصريح أو إذن من القاضي المسؤول عن إدارة الجلسة، وفي حالة إذا كانت الجلسة من الجلسات السرية فإنه له الحق أيضا في حضورها لبيان مدى التزام القاضي بالحيدة والتزامه بمعايير المحاكمة العادلة، وإذا رفض القاضي حضور المراقب تلك الجلسات وكان الرفض رفضا نهائيا، فللمراقب الحق في طلب شرح الأسباب القانونية لمخالفة مبدأ العلانية.

يقوم المراقب أيضا بإجراء المقابلات مع أطراف القضية وممثلي القضاء وذلك للاستفادة من الحصول على أكبر قدر من الوثائق والمعلومات عن القضية من خلال طرح الأسئلة المتعلقة بالأمور القانونية الغير واضحة من أوراق القضية وتدوين الملاحظات أثناء جلسات المحاكمة ومدى انطباق الإجراءات مع معايير المحاكمة العادلة، ومن أجل ضمان أن يقوم المراقب بدوره بشكل صحيح أن يكون محايدا ومستقلا عن أي طرف من أطراف القضية التي يقوم بمراقبتها.

إعداد تقرير المراقبة:

يقوم المراقبون عند نهاية القضية بإعداد تقرير تفصيلي يتضمن الوقائع والتحليلات والاستنتاجات التي تم الوصول إليها وينتهي إلى وجود توصيات قد تكون خاصة بالقضية مثل التوصية بإعادة المحاكمة مرة أخرى، وقد تكون عامة مثل المطالبة بإصلاحات قانونية تضمن تماشي الإجراءات القانونية مع المعايير الدولية.

يعتبر إعداد المراقب لتقرير المراقبة هو آخر مراحل مراقبة المحاكمة وأهمها، حيث يحتوي التقرير على الاستنتاجات والتحليلات التي قام بها المراقب والتي من خلالها يقدم التوصيات للسلطات لتصبح المحاكمة أكثر اتساقا مع معايير المحاكمة العادلة ومعايير حقوق الإنسان.

يذكر المراقب في تقريره رقم القضية والسنة ورقم الدائرة التي تنظر القضية واسم المحكمة والمكان الذي انعقدت وأطراف الدعوى، ويجب أن يشتمل التقرير على أسماء المراقبين الذين قاموا بمراقبة المحاكمة، ويتم شرح أسباب مراقبة المحاكمة والغرض من مراقبتها.

ويشتمل التقرير أيضا على ذكر ما تم من إجراءات في مراحل المحكمة المختلفة، وشرح وقائع القضية وذكر عدد جلسات المحاكمة تفصيليا بتواريخها وما تم بكل منها، ويجب ذكر الاتهامات وأرقامها بالقانون، ونشر حيثيات الأحكام الصادرة في القضية وينتهي التقرير بنشر التوصيات التي يقدمها المراقبون إلى السلطات.

المصادر التي تم الرجوع إليها في إعداد هذا الدليل

دليل المحاكمة العادلة الصادر عن منظمة العفو الدولية، دليل مراقبة المحاكمات الصادر عن منظمة IFEX، مقابلات مع مراقبين ومحامين.

 دليل المحامي 1.pdf