الرحلة

توتر وريبة وقلق لا ينتهي، يبدأ مع اولى خطواتنا لمعدية شبرا الخيمة التي تنقلنا لجزيرة الوراق، تلك القطعة من الجنة، التي أصبحت محل صراع بين أناس اتوا اليها من عشرات السنين بل المئات واستوطنوها وصدر لهم اوراق حكومية تؤكد ملكيتهم لها ، وبين سلطة تحاول نزعهم منها.

إنها الواحدة ظهرا صوت المؤذن يختلط مع ضوء الشمس التي فردت بساطها على جزيرة الوراق، وبجوارها عشرات الجزر، يبدو الأمر عاديا ولكنك كلما اقتربت تعرف ان الامور ليست عادية.

بمجرد وصولك للمعدية النهرية التى ستنتقل بك إلى الجزيرة خاصة إذا كنت غريبا ، لست من سكانها ستعرف عن ماذا اتحدث ؟

سيارة أمن مركزى تقف على رأس الطريق المؤدى الى معدية المؤسسة التى تنقل السكان من وإلى الجزيرة ، وضباط وعساكر يبدو لأول وهلة أنهم يتسامرون ، لكنهم في حقيقة الأمر يراقبون كل ما قد يحدث فجأة من اهالى الجزيرة دفاعا عن بيوتهم وأراضيهم التي نشأوا وتربوا فيها ، يحاصرون أي مظهر من مظاهر الحياة عن الجزيرة وأهلها .

فلاش باك

– كان أهالي جزيرة الوراق قد وجهوا لنا دعوة لمقابلتهم بالجزيرة لرؤية وضعهم على الطبيعة ومدى المعاناة التي يتعرضون لها ،  قبلنا الدعوة وانتقلنا لمقابلتهم وعند توجهنا الى المعدية التى تنقل العابرين الى الجزيرة ونحن فى انتظارها ، لاحظنا وجود سيارة أمن مركزى متمركزة عند المعدية وطاولة يجلس عليها افراد امن قد تجاوز عددهم الخمسة أشخاص ،قد تعددت الرتب الشرطية على أكتافهم ،ينظرون إلينا باستغراب شديد وكأنهم يعرفون اننا لسنا من اهل الجزيرة الذين أصبحوا يعرفونهم جيدا .

– انتظرنا على المرسى الخاص بالمعدية قرابة الربع ساعة فى انتظار المعدية التي ستنقلنا إلى داخل الجزيرة لمقابلة الاهالى الذين كانوا بانتظارنا على المرسى الآخر داخل الجزيرة .

– اثناء انتظارنا حاولنا التقاط بعض الصور الفوتوغرافية لسيارة الأمن المركزى المتمركزة على المرسى وكذا للضباط وأفراد الأمن الجالسين لتوثيق المشهد ، لكن تصويرهم كان صعبا  وهم جالسين يتفحصوننا ويتهامسون طوال فترة انتظار المعدية ، إلا أننا استطعنا أن نلتقط عدة صور غير احترافية سريعة للمشهد عند وصول المعدية للمرسى .

–           قمنا بركوب المعدية ومن ثم الانتقال الى المرسى الآخر وهو جزيرة الوراق ، كان فى انتظارنا على المرسى بعض الاهالى الذين وجهوا لنا الدعوة لزيارتهم ، تصافحنا وانتقلنا بالتوك توك إلى البيت الذى سوف يجتمعون فيه .

–           فى طريقنا الى البيت او “المندرة “كما يطلقون عليها اهالى الجزيرة مررنا على العديد من البيوت وشاهدنا الحالة المرثية التى يعيشون فيها ، فقر وتدني في مستوى المعيشة الى ان وصلنا الى “المندرة ” حيث انعقاد مجلس عائلات جزيرة الوراق بها .

–           استقبلنا صاحب البيت و مجموعة من الاهالى المنتظرين قدومنا الى الاجتماع بالترحاب، ولكنهم اخبرونا ان مجلس العائلات تأجل لظرف ما خارج عن ارادتهم ورغم ذلك سوف يجتمعون بنا كما دعونا .

الاجتماع

–           بدأ الاجتماع بالحديث عن جزيرة الوراق وعن املاك هؤلاء الأهالى فيها من أراضى وبيوت كملكية خاصة موثقة بالشهر العقارى، وأن الدولة تريد اخراجهم بالقوة منها لإقامة مشروع سياحى بمشاركة اماراتية عليها دون النظر إلى أهل هذه الجزيرة وأملاكهم التي ولدوا ونشأوا فيها هم وآباؤهم وأجدادهم .

–           كان الحضور من أهالي الجزيرة المجتمعين بنا حوالى 7أشخاص من المتضررين من قرار رئيس الوزراء رقم 20لسنة 2018والمنشور فى الجريدة الرسمية العدد 22مكرر فى 2يونيه سنة 2018والمتضمن إنشاء مجتمع عمرانى جديد على أراضي جزيرة الوراق وفقا لكشوف الإحداثيات على كامل مساحة الجزيرة و بمسطح 1561فدان ، دون النظر أو الإشارة الى المجتمع الانسانى القائم منذ مئات السنين ولديهم جميع المرافق الخدمية من كهرباء ، ومياه عدا الصرف الصحى الذى طالب به الاهالى الدولة مرارا وتكرارا ومنهم رئيس الوزراء مصدر هذا القرار .

–           ثم استطرد الاهالى الحديث عن الجزيرة وموقعها حيث انها تقع فى وسط نهر النيل بمنطقة الوراق – محافظة الجيزة والبالغ مساحتها حوالى 1800فدان منهم حوالى 1200فدان أراضى زراعية طينية من اجود الاراضى الزراعية الخصبة بمصر على حد قولهم ، يبلغ تعداد سكان جزيرة الوراق ما يزيد عن مائة وعشرون ألف نسمة .

–           كما يوجد بالجزيرة العديد من المصانع والمدارس والمزارع والوحدة المحلية و مستشفى قروى ، و وحدة شئون اجتماعية ، وعدد اثنين محطة مياه وجمعية تعاونية زراعية ووحدة بيطرية ، وجمعيات أهلية ، ومكتب بريد ،ونقطة شرطة ومركز شباب ، وخمسة ملاعب خاصة والعديد من المرافق الاخرى ونحو أربعين مسجد تابعين لوزارة الأوقاف ،وعدد اتنين كنيسة ، والعديد من الجهات الادارية التى تخدم اهالى الجزيرة مع القرى المجاورة والمحيطة بها .

–           تحدث ايضا الاهالى معنا عن بداية القصة وصراعهم مع الدولة وذلك حينما أصدرت الدولة القرار رقم 542لسنة 2001بنزع ملكية أراضى جزيرة الوراق للمنفعة العامة والذى الغى بعد ذلك بحكم القضاء بعد صولات وجولات مع الدولة آنذاك ، وقد ظل الأمر هادئا نسبيا الى ان تم الاعلان عن مشروعات سياحية خليجية وعربية ، وقد تم نشر ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعى حتى أصبح ذلك واقعا بصدور قرار رئيس الوزراء رقم 20لسنة 2018، المتضمن إنشاء مجتمع عمرانى جديد على أراضي جزيرة الوراق بالمخالفة للقرار رقم 848لسنة 2001، الصادر من رئيس مجلس الوزراء ( بعدم جواز إخلائهم من مساكنهم ) .

–           تحدث الاهالى معنا ايضا عن الانتهاكات التى يتعرضون لها منذ قرروا التصدي لمحاولات الدولة الاستيلاء على أراضيهم وأخذها بالقوة فى يونيو 2017حيث تم الاعتداء عليهم وسقوط احد الاهالى قتيلا فى تلك الأحداث ، كما تم إدراج 22شخص من اهالى الجزيرة على ذمة القضية رقم 4047لسنة 2018ادارى الوراق بتهمة التظاهر ومن المقرر انعقاد أول جلسة محاكمة لهم بتاريخ 29/9/2018 .

 –           كما اشتكى الاهالى اثناء هذا اللقاء من التضييق الأمني عليهم في إدخال المواد التموينية إلى الجزيرة ، مواد البناء ، المياه المقطوعة بشكل مستمر عن الجزيرة ، و الحملة الاعلامية عليهم فى القنوات الحكومية والخاصة واتهامهم بانهم اخوان وان الجزيرة بؤرة من بؤر تمركز الإخوان على غير الحقيقة ، وأردفوا قائلين انهم لا يريدون سوى العيش فى سلام آمنين داخل بيوتهم وأراضيهم التي نشأوا فيها وان تصدير فكرة أخونة الجزيرة للرأى العام هذه اصبحت شماعة النظام التى يعلق عليها كل قضاياه الخاسرة .

حاولنا غسل ايادينا ولكن كانت المياه مقطوعة !!  مما أكد معاناتهم من قطع المياه المستمر عن الجزيرة ، كما اعرب الاهالى عن استيائهم الشديد من انتشار تجارة المواد المخدرة علنا نهارا وليلا دون رقابة امنية رغم وجود نقطة شرطة داخل الجزيرة ، ازديادها بشدة خاصة بعد الاشتباكات التى وقعت بين الأهالى والشرطة فى يونيو 2017من العام الماضى (وقد لاحظنا بالفعل أثناء مغادرتنا للجزيرة وأثناء مرورنا بأحد الشوارع الجانبية للجزيرة رأينا احدى السيدات تقف بالفعل تبيع المواد المخدرة أثناء النهار) مما يثير التساؤل مرة أخرى عن الدور الحقيقي لجهاز الشرطة .

 اصل الحكاية

نبذة سريعة عن أحداث جزيرة الوراق

بدأت أحداث جزيرة الوراق اﻻخيرة عندما قامت قوات من الجيش والشرطة بتاريخ 16يوليو 2017بإزالة وهدم عدد حوالي 18منزل من منازل جزيرة الوراق مما أدى إلى اشتباكات ما بين اﻻهالي وقوات اﻻمن التي قامت بأطلاق اﻻعيرة النارية “الخرطوش”وقنابل الغاز المسيلة للدموع وهو ما ادى الى وفاة احد اهالي الجزيرة وهو “سيد الغلبان”واصابة العديد وهو ما صدر معه قرار من وزير الداخلية بوقف حملة اﻻخلاء القسري لأهالي جزيرة الوراق .

وقد تم على اثر ذلك تحرير محضر بالواقعة واتهام 22من أهالي جزيرة الوراق باتهام التظاهر وتمت احالة القضية الى محكمة الجنح وحددت لنظرها جلسة 30يوليو 2018وﻻ تزال القضية منظورة أمام المحكمة .

باﻻضافة الي صدور قرار رئيس الوزراء رقم 20لسنة 2018، المتضمن إنشاء مجتمع عمرانى جديد على أراضي جزيرة الوراق وهو ما يعني تحويل تلك الجزيرة إلى مدينة مثل السادس من أكتوبر والقاهرة الجديدة والعاشر من رمضان وبدر والشروق وغيرها من المدن العمرانية وذلك تمهيداً لنزع ملكية اهالي الجزيرة مما حدا بأهالي الجزيرة باقامة طعن ضد القرار سالف الذكر أمام محكمة مجلس الدولة .

إلا أن الدولة اتخذت العديد من الإجراءات لتضييق الخناق على أهالي الجزيرة لإجبارهم على التنازل عن منازلهم مثل التضييق على دخول اﻻغذية ومواد البناء وقطع مياه الشرب المتعمد ومنع اهالي الجزيرة من نقل وبيع المحاصيل الزراعية والقبض على بعض أهالي الجزيرة والزج بهم في العديد من القضايا لاجبارهم على ترك مساكنهم ، فجزيرة الوراق ليست هي الجزيرة اﻻولي التي تخطط الدولة الى تحويلها لمشروع استثماري فهناك مخطط لتحويل العديد من الجزر مثل جزيرة محمد وجزيرة الدهب وغيرها .

الخلاصة :-

من خلال ما سبق ذكره فإن ما تنتهجه الدولة من سياسات تجاه أهالي جزيرة الوراق من خلال اجبارهم علي إخلاء تلك الجزيرة باﻻكراة ، يمثل انتهاكاً لاحدي الحقوق الهامة من حقوق اﻻنسان اﻻ وهو الحق في السكن  ، فضلا عن الاعتداء على الملكية الخاصة ، فنحن لا نتحدث عن نزع ملكية بعض المنازل أو الامتار لعمل طريق حيوي ، بل مئات أو الاف المنازل من اجل مشروع استثماري ،، في ظروف مختلفة سيلجأ المواطنين للدولة لتحميهم من محاولات رجل اعمال او راسمالي يطمع في اراضيهم ،، لكننا هنا نتحدث عن الدولة نفسها ، التي تلعب هذا الدور !! فلمن يلجأون؟

 التوصيات

 1- عدم استئناف عملية اﻻخلاء القسري مرة أخرى

2- انسحاب قوات الأمن المحاصرة والسماح لأهالي الجزيرة بإدخال المواد الغذائية ومواد البناء وتمكين أهالي الجزيرة من بيع محاصيلهم الزراعية وغيرها من التدابير اللازمة نحو حق أهالي الجزيرة في سكن ملائم .

3- اتخاذ كافة اﻻجراءات القانونية نحو إيقاف الملاحقات الأمنية لأهالي الجزيرة المتهمين في القضايا الجنائية والتصالح معهم في تلك القضايا .

4- تعويض جابر للضرر لأهل المتوفي سيد الغلبان وتعويض المصابين من أهالي الجزيرة .

5- التعويض المادي الجابر للضرر لملاك وسكان المنازل التي تم هدمها من قبل قوات اﻻمن .

6-إلغاء القرار رقم 20لسنة 2018الصادر من رئيس مجلس الوزراء المتضمن “إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق” .

7- السماح لحوار مجتمعي ما بين ممثلي الدولة و أهالي جزيرة الوراق والتوصل إلى حلول بديلة يقبلها أهالي الجزيرة .

 

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان

زيارة : عبد الله طنطاوي ونور فهمي

جزيرة الوراق ملك لأهالي الوراق pdf