تقديم

هل يعد الحبس الاحتياطي إجراء لازم للتحقيق؟

تساؤل مطروح دائما وخاصة في القضايا ذات الطابع السياسي وقضايا الرأي ؛ الحقيقة أن الحبس الاحتياطي “مكروه  ويجب ان يكون ضرورة ملحة له” لأنه سلب حرية شخص موجه له اتهام بارتكاب جريمة، لحين إتمام التحقيق الذي يجري معه، وهو ما يبرز التناقض الشديد بين مقتضيات احترام الحرية والامان الشخصي لأي إنسان ،  وحق الدولة في العقاب، وإذا كان الأصل أن العقوبات لا يجب أن تطبق على الأشخاص إلا بعد إخضاعهم لمحاكمة عادلة تضمن لهم فيها كل ضمانات المحاكمة المنصفة، وبعد صدور حكم بثبوت ارتكابهم لهذه الجريمة.

إلا إنه في القضايا ذات الطابع السياسي وخاصة المنظورة أمام نيابة أمن الدولة والتي كثيرا ما تنتهي بإخلاء سبيل المتهم بتدبير احترازي أو كفالة بعد قضاء فترة قد تطول أو تقصر من الحبس، يليه فيما بعد إخلاء سبيل، دون الأخذ في الاعتبار بالاثار الملموسة لهذا الحبس الاحتياطي ، سواء المادية أو المعنوية.

كما يظل مرتبطاً إسمه بتلك القضية وقد يظل لسنوات دون أن يتم إتخاذ إجراء قانوني في القضية، لتصبح هذه القضية سيفا مسلطا عليه لسنوات طويلة.

 

أولا: من الناحية الاجتماعية

1- أثر الحبس الاحتياطي على الأطفال

أقرت المواثيق والمعاهدات الدولية، وكذلك الدستور والقانون، أن المكان الطبيعي لنشأة الطفل هو في بيته تحت نظر ورعاية والديه، ولكن دون مراعاة لهذه الاعتبارات من الممكن أن نجد داخل المؤسسات العقابية وداخل مقار الحبس في أقسام الشرطة أطفالاً محبوسين احتياطيا على ذمة تحقيق في قضية أمن دولة، فأي عقل يمكن أن يقبل أن طفل لم يكمل الثمانية عشر من عمره، أن يكون له مخطط لهدم الدولة أو أن يكون له مخطط لقلب نظام الحكم، أو أن يكون لديه أفكار إرهابية يقوم بترويجها على مواقع التواصل الإجتماعي، ومما يثير الاستنكار أن اوراق كثير من القضايا قد لا تحتوي إلا على سبب أو سببين لا ثالث لهما، إما تواجد ذلك الطفل في مكان ما، أو قيام بإعادة نشر أحد المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي

ومن أمثلة هذه الأطفال الأعداد الهائلة التي تم القبض عليها في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث 20 سبتمبر لسنة 2019 ، وكذلك قضية نفس الاحداث لهذا العام 2020.

 

2- أثر الحبس الاحتياطي على الطلاب

والذي في البداية يهدد حياة المسيرة التعليمية للطلاب من تواجده في ظروف غير ملائمة لاستكمال الدراسة.

وتمتد إلى دمار مستقبله في إيجاد عمل خاصة بعد أن أصبح هناك ما يسمى بالاستعلام الأمني الذي أصبح جزء من أوراق العمل التي يفرضها الواقع ولا يذكرها قانون.

ومن هذه الحالات:

 

احمد عيد محمد حامد

طالب بكلية الحقوق جامعة حلوان مقيم بالمنيب وفي أحد الأيام أثناء ذهابه للجامعة ذهب إلى محطة مترو المنيب وعند قيامه بشراء تذكرة قام بدفع مائة جنيه وعند استلامه التذكرة والنقود ومراجعة النقود كان من بينهم ورقة بقيمة خمسة جنيهات مدون عليها عبارة (اطمن انت مش لوحدك)، وعند ملاحظة أحد ضباط الأمن بالمحطة لهذه العبارة قام باصطحابه لمكتب الأمن ومنذ تلك اللحظة اختفى لمدة ستة وعشرين يوما إلى أن ظهر بنيابة أمن الدولة في نهاية مارس 2019 ولا يزال محبوساً حتى الآن دون دليل ارتكابه اي جرم، وكان الطالب أحمد عيد قد حصل على تقدير جيد جدا في الثلاث سنوات الأولى في دراسته بكلية الحقوق، مما كان يجعله يحلم بمستقبل باهر ولكن هذا لم يرحمه  من بطش الأمن الوطني وأصبح من المحبوسين إلى أجل غير مسمى، ومنع من أداء امتحاناته، وعند عودة هذا الطالب لحياته الطبيعية، والانتهاء من دراسته بهذا التفوق، هل يمكن له أن يلتحق بعمل يتفق وهذا التفوق، أم سيجبره ملف هذه القضية على الاختيار.

وهنا فقد كان الحبس الاحتياطي سبباً في:

أولا تأخر هذا الطالب في حياته الدراسية بسبب الحرمان من أداء الامتحانات في المواعيد المحددة بالمخالفة للقانون.

ثانيا انهيار مستقبل هذا الطالب بحرمانه من الالتحاق بعدد من الوظائف التي تتفق مع مستواه العلمي.

تغيير سلوكه نتيجة شعوره بالظلم ، وكذلك اختلاطه سواء بالمدانين في جرائم جناية أو المتطرفين داخل السجون.

 

3- أثر الحبس الاحتياطي على الأمهات والأباء

المصلحة الفضلى للطفل أم الحبس الاحتياطي للوالدين؟

إن قرار سلطة التحقيق الذي قد يصدر بحبس زوجين احتياطيا أو حبس أحدهما وكان حاضنا للطفل على ذمة تحقيقات القضايا لا يمكن أن يكون مجرد قرار صادر لمصلحة التحقيق ولا يكون أيضاً عقوبة غير قضائية على هذا الحاضن بل إنها كارثة تنعكس سلبا على حياة أطفالهم، حيث يتم فصل الطفل عن حاضنه تنفيذا لقرار سلطة التحقيق، رغم كل ما تملكه النيابة من صلاحيات وسلطات تمكنها من تحقيق التوازن بين مصلحة الطفل ومصلحة التحقيق الابتدائي، إن مبدأ المصلحة الفُضلى للطفل هو مبدأ مستمد من المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، والموقع والمصدق عليها من جمهورية مصر العربية، والتي تعد جزءا من التشريع المصري، والتي تؤكد أن مصلحة الطفل ذات أولوية وأفضلية في جميع الظروف، ومهما كانت مصالح الأطراف الأخرى.

 

  • القضية 488 لسنة 2019 حصر تحقيق نيابة أمن الدولة العليا

المتهم فيها الصحفيين سولافة مجدي وزوجها حسام الصياد

على أرض الواقع طفل لا يعلم معنى كلمة حبس، يواجه في أكثر الأوقات احتياجاً لواليه مصير المفقود، وهو الطفل خالد حسام الذي يواجه واليه الحبس الاحتياطي لما يقارب العام على خلفية اتهامات لا دليل لها، وعلى الرغم من إقرار المشرع المصري بقانون الطفل أنه إذا حكم على زوجين بعقوبة سالبة للحرية أن يتم تأجيل تنفيذ العقوبة على أحدهما لحين انتهاء تنفيذ الآخر لها، لمراعاة حياة طفلهما، إلا أن الحبس الاحتياطي قد تحول إلى عقوبة أشد قسوة على حياة طفل من عقوبة قد يقرها القانون على زوجين مذنبين بموجب حكم قضائي عادل.

 

  • أيضاً القضية 1356 لسنة 2019 حصر تحقيق نيابة أمن الدولة العليا.

المتهم فيها الناشط الحقوقي علاء عبد الفتاح

الذي تم القبض عليه أثناء تنفيذ عقوبة المراقبة الشرطية، بعد ستة أشهر من خروجه للحياة مرة أخرى بعد أن قضى خمسة أعوام كاملة داخل السجن تنفيذا للعقوبة الصادرة ضده في القضية المعروفة إعلاميا (أحداث مجلس الشورى) وفي محاولة من علاء للتقرب من إبنه الذي غاب عنه خمسة أعوام، إلا أن قوات الأمن الوطني قامت بالقبض على علاء عبد الفتاح، ليجد نفسه أمام نيابة أمن الدولة العليا يواجه اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها ونشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الرأي العام، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يكون بالأوراق ثمة دليل قانوني على هذه الاتهامات، وعلى الرغم من ذلك فقد قارب علاء عبد الفتاح سنة من الحبس الاحتياطي غير قادر على رؤية نجله الوحيد، غير قادر على العمل للإنفاق على هذا الطفل الذي لم يتخطى الستة أعوام من عمره، وبالإضافة إلى ذلك فقد تعرض أهل الناشط علاء عبد الفتاح إلى عدة انتهاكات أثناء محاولاتهم الاطمئنان على علاء، وصلت إلى منع قوات الأمن من مجرد استلام جواب من علاء ليطمئن أسرته ونجله أو تسليم جواب لعلاء يطمأن فيه على صحة نجله الذي هو في أشد الحاجة لتواجده بجانبه ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن أسرة علاء قد واجهت في سبيل وصول أو استلام تلك الجوابات عدة انتهاكات من الأجهزة الأمنية تعرضوا فيها للتعدي اللفظي والتعدي الجسدي، وانتهت بالقبض على شقيقته وهي الآن تواجه نفس المصير الذي لا يعلم أحد متى سينتهي.

 

هذا بخلاف حبس أمهات لديهن أطفالا في سن الطفولة وما دون ذلك حتى سن الرضاعة ومن الأمثلة:

مروة عرفة:

في يوم 21 إبريل 2020، اقتحمت قوات من الأمن الوطني منزل المترجمة مروة عرفة ، واقتادتها لمكان غير معلوم، وظلت مروة عرفة مختفية قسريا في مكان غير معلوم، لمدة أسبوعين كاملين، قبل أن تظهر في نيابة أمن الدولة العليا ليتم اتهامها بالانضمام وتمويل جماعة إرهابية والأمر بحبسها لمدة 15 يوم على ذمة التحقيق.

الجدير بالذكر أن مروة لديها طفلة رضيعة لم تكمل عامها الثاني بعد، وأنها، أي مروة، كانت قد نأت بنفسها عن الحديث في الشأن العام بمجرد معرفتها بحملها، وكانت قد أغلقت صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك منذ شهور لتتفرغ لابنتها وعملها كمترجمة حرة.

 

إضافة إلى نماذج أخرى حرم الأطفال دون السن من رعاية الأمهات التي يحتاجون إليها دون وجه حق مثل حالة عبير الصفتي:

اعتقلت عبير الصفتي مرتان، الأولى كانت في القضية المعروفة إعلاميا بمعتقلي العيد في 2018، وكانت ابنتها وقتها تبلغ من العمر أربع سنوات، ثم أخلي سبيلها بتدابير احترازية.

المرة الثانية قامت قوات الأمن قد بالقبض على عبير الصفتي يوم 22 أبريل 2019، ثالث أيام الاستفتاء على تعديل الدستور، وذلك أثناء سفرها من القاهرة إلى كفر الدوار، حيث تُقيم وتؤدي إجراءات التدابير الاحترازية على ذمة قضية قديمة وهي “معتقلي المترو”. جدير بالذكر أن عبير قد اختفت قسريًا بعد اعتقالها لمدة أسبوع، ثم ظهرت بنيابة أمن الدولة، التي قررت حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات في قضية جديدة مُرتبطة بالاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أجريت شهر أبريل 2019.

وتزعم عبير بتعرضها للتعذيب والتحرش أثناء احتجازها.و أرسلت عبير الصفتي، من حبسها احتياطيا، رسالة إلى طفلتها في عيد ميلادها، الذي جاء وهي وراء القضبان.

وقالت عبير في الرسالة،  والتي ضمنتها رسم للأم وراء القضبان تبكي والطفلة الصغير كذلك تبكي: “عيد ميلادك السادس، كل عام وأنتي، كل عام وأنتي سعيدة، كل عام وأنا راضية عنك، كل عام وأنا مازلت أتطلع وأطلب من الله أن يضمن لكي مستقبل أفضل على أرض الوطن”. وأضافت: “سيأتي عيد مولدك القادم وأنا معكي في وطن يحبنا ولن أكون كما اليوم خلف قضبان السجون.. رضوى، يا رضا الله عني وهديته لي، حفظك ربي ورعاكي وردني إليكي يا ملاكي”.[1]

وكانت عبير الصفتي قد حاولت الانتحار في محبسها حزنا على فراق ابنتها. وفي نفس الشهر، مارس 2020، تم إخلاء سبيلها.

4- أثر الحبس الاحتياطي لأحد افراد الاسرة على مستقبل الأسرة بالكامل

القضية 1338 لسنة 2019 حصر تحقيق نيابة أمن الدولة العليا

المتهم فيها المواطن نصر السيد مصطفى

مواطن لا يأمل سوى تحقيق أحلامه البسيطة، جاء من محافظة الدقهلية إلى القاهرة في أحد الأيام التالية لأحداث سبتمبر 2019 بسيارته الخاصة لشراء بعض قطع الغيار الخاصة بأجهزة الحاسب الآلي من أحد المراكز التجارية المعروفة في القاهرة، وبعد أن قام بوضع سيارته بجراج التحرير، وهو في طريقه للمركز التجاري مشيا على الأقدام قام باعتراضه أحد الضباط في زي مدني وسأله عن سبب تواجده وطلب منه تفتيش هاتفه المحمول، ولما رفض لمخالفة هذا الطلب للقانون والدستور، اقتاده هذا الضابط إلى سيارة شرطة واختفى لعدة أيام قبل أن يظهر متهما أمام النيابة العامة يتم التحقيق معه في القضية سالفة الذكر، وبعد أن قضى أكثر من شهرين في الحبس الاحتياطي على ذمة تلك القضية ممنوعا من الزيارة أو التواصل مع أهله، أخلى سبيله ليواجه مصيراً جديدا في حياته،

يبدأ بوالدته المسنة محجوزة بالعناية المركزة تعاني من انهيار نفسي من حبس نجلها الوحيد

وثانيا لم يلقى من خطيبته التي كان على وشك زواجها قبل القبض عليه إلا الرفض حتى من دخوله البيت كمن قضى عقوبة لجريمة مخلة بالشرف والخوف من التعامل معه.

ثالثا رفض صاحب العمل الذي كان يعمل لديه في صيانة أجهزة الحاسب الآلي من عودته لعمله.

رابعا وعند ذهابه ليستعيد سيارته من الجراج فقد وجد المسئول بالجراج يطالبه بتسعة آلاف جنيه نتيجة لوقوف السيارة بالجراج كل هذه المدة طوال فترة حبسه احتياطيا.

حالة حسام مؤنس:

ألقت قوات الأمن فجر يوم الثلاثاء 25 يونية، القبض علي الكاتب الصحفي حسام مؤنس، من منزله بالقاهرة بعد اقتحام المنزل وترويع زوجته وأطفاله، وتم اقتياده إلى جهة غير معلومة وظهر بعدها بساعات في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية 930 لسنة 2019 والمعروفة إعلاميا باسم “معتقلي الأمل” وصدر قرار بحبسه احتياطيا لمدة 15 يوم على ذمة التحقيق.

وقال بيان الداخلية المصرية إن المقبوض عليهم خططوا من خلال شركاتهم “لتمويل أعمال عنف ضد مؤسسات الدولة”، وتكثيف الدعوات الإعلامية “التحريضية” عبر وسائل التواصل الإجتماعي والقنوات الفضائية التي تبث من الخارج. واتهم البيان مجموعة تضم كلا من حسام مؤنس، الكاتب الصحفي والمتحدث الرسمي السابق باسم التيار الشعبي وأحد مؤسسيه، وزياد العليمي، عضو البرلمان السابق، والصحفي هشام فؤاد، عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، ، ورجل الأعمال عمر الشنيطي.

حسام مؤنس أب لطفلين: مجد 12 سنة وفيروزة 10 سنوات. وكما ذكر أعلاه، فقد شهد الطفلان عملية إلقاء القبض على والديهما، وظلا طوال فترة الحبس يزورانه في السجن حتى منعت السلطات زيارات المعتقلين بسبب انتشار وباء الكورونا.

ثانيا: الاثار الاقتصادية

1- أثر الحبس الاحتياطي على العائل الوحيد للاسرة

ونتحدث هنا عن عدة حالات على سبيل المثال وليس الحصر، يمكن أن نذكر أن المثال الأول هو أحد الأشخاص المعين في أحد الوظائف العامة أو الخاصة وهنا يلزم القانون صاحب العمل بأن يؤدي للعامل نصف أجره.

ولكن نتصادم مع عدد من الأعمال التي قد يؤدي الحبس الاحتياطي إلى الهدم الكلي في المستقبل لهذا العمل وأسرة المحبوس احتياطيا.

ومثال على ذلك العامل باليومية (الصياد – الفلاح – عمال الورش – عمال المخابز) وغيرهم

فإذا تصورنا حياة هذا العامل متزوج من ربة منزل ويعول طفلين فما هو مصير هذه الزوجة الغير عاملة ولا تملك أي دخل سوى دخل زوجها الذي أصبح رهن الحبس الاحتياطي، وما مصير الطفلين الذين أصبحوا لا عائل لهما لأجل غير مسمى، ومن المعلوم أن مثل هذا الظرف قد يؤدي إلى فقد هذا العامل لعمله تماماً، الذي يعتمد اعتماد كلي على تواجد العامل بمقر عمله وإذا تغيب عنه لن يجد إلا أن عامل آخر يحل محله، وليس فقط الفقد لعمله ولكن قد يؤدي إلى سوء سمعته، وهنا يمكن أن ننظر إلى ما يسلبه الحبس الاحتياطي من حياة هذا الشخص، الذي بسبب هذا الحبس فقد عمله وفقد سمعته وفقدت أسرته مصدر الرزق الوحيد.

وفي موضع آخر هناك بعض الوظائف التي تعتمد على السمعة مثل المحامي

وهو ما قد يؤدي حبسه الاحتياطي من خسارته في عمله المزمع القيام به لدى موكليه الحاليين، وما قد يتسبب له في خسائر فادحة وخسارة مصالح موكليه، الذين هم من مصدر رزقه، وأيضاً كم من الوقت يحتاج هذا المحامي للعودة إلى عمله

2- أثر الحبس الاحتياطي على العمالة اليومية والموسمية

ومن هذه الأمثلة هم عمال اليومية، أو التجار أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، فإذا افترضنا في هذه الحالة أن هناك عامل يعمل بأعمال البناء أو يعمل في مخبز لإنتاج الخبز، أو يعمل بأحد المقاهي أو المطاعم، فهذا العامل إذا ما تم حبسه حبسا احتياطيا، وترك خلفه زوجة (ربة منزل) وطفل واحد فقط، فلا يوجد في القانون ما يحمي رزق هذه الأسرة، والذين غالبا ليس لديهم أية مدخرات مالية تضمن لهم المستقبل في مثل هذه الظروف التي يفقدوا فيها رب الأسرة، ولا تكمن الكارثة فقط في البحث وراء مصدر الدخل من أجل الطعام والشراب وأداء الالتزامات المالية مثل دفع فاتورة المياة والكهرباء والغاز الطبيعي، ومصاريف الدراسة لهذا الطفل بل تمتد لأخطر من ذلك وهو أن يكون ذلك العامل من القاطنين لمنزل مأجور، وهو ما يهدد مستقبل تلك الأسرة في استمرار حياتهم في مأوى.

 

3- أثر الحبس الاحتياطي على الالتزامات المالية للمحبوس

الالتزامات المالية متعددة ومنها ما هو دوري في حياة الشخص الطبيعي كمصاريف المدارس أو مصاريف الاستهلاك المنزلي من إيجار أو مأكل أو ملبس إلخ، ومنها ما هو عرضي في حياة الشخص الطبيعي كالالتزام بقسط أو الالتزام بدين، وفي كل الأحوال، يصبح المحبوس احتياطياً ليس منتهكاً في حريته التي كفلها له الدستور والقانون، ولكن أصبح يتحمل كاهل من الديون المالية التي تخلف عن الالتزام بها نتيجة حبسه احتياطيا، الأمر الذي قد يؤدي به في النهاية إلى مواجهة قضية جديدة عقب إخلاء سبيله من الحبس الاحتياطي، أو أن يواجه ديونا جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهذا من جانب، ومن جانب آخر نجد أن أسرة المحبوس احتياطيا أثناء الحبس الإحتياطي تواجه الكثير من المتاعب في توفير مورد مالي ليغطي زيارات المحبوس احتياطيا، فنجد أن هناك آلاف الجنيهات تصرف على الطعام الذي يقدم للمحبوس احتياطيا من أسرته، بالإضافة إلى توفير زي أبيض ليتوافق مع لائحة السجون، وكل هذه التكاليف التي يتحملها المحبوس احتياطيا لم تكن من أجل المتعة أو مواجهة صعوبات الحياة، ولكنها تكاليف يتحملها المحبوس احتياطيا كعقاب آخر نتيجة للحبس الاحتياطي الذي غالبا ما ينتهي بإخلاء سبيله.

 

خاتمة

الحبس الاحتياطي الذي لم يعد فقط إجراء إحترازي “يتم اللجوء اليه في اضيق الحدود” ولكنه تحول في العديد من  القضايا خاصة ذات الطابع السياسي، من إجراء إحترازي تلجأ له النيابة العامة حفاظا على سير التحقيقات، إلى عقوبة في حد ذاته، يترتب عليها أثار قد تكون مدمرة.

وهو الأمر الذي يستدعي من النائب العام ، بسلطاته الواسعة أن يضع ضوابط أكثر دقة وأقل زمناً ومعايير جازمة تقل من اللجوء له وان يكون في حدود أضيق وفي موضع يتفق والخطورة الحقيقية.

كما أنه ليس من المقبول أن تكون مبررات النيابة العامة من طلب مد الحبس الاحتياطي الحفاظ على سير التحقيقات دون أن تبرر الأضرار المتوقع حدوثها حال إخلاء سبيل المتهم، أو أن تكون النيابة العامة لازالت تفحص أوراق المتهم حيث أنه من الأولى إذا كانت النيابة في حاجة للوقت، لا يجب أن يكون ذلك على حساب حرية شخص يرجح له البراءة ، ما دام ليس في حوزة النيابة العامة الدليل القوي على نسبة الاتهام إليه، فلا يجب أن تعول النيابة العامة سلب حرية إنسان على محضر تحريات.

إن آثار الحبس الظالم والتنكيل بالمعارضين  لأي نظام حكم له عواقب وخيمة، فحرية الرأي والتعبير ليست رفاهية، وليست اختيار، بل هي حق وضرورة لخدمة المجتمع وكل أفراده، بل ولخدمة النظام الحاكم إن كان يرغب في الاستمرار دون تنامي شعور الكارهية ضده من الابرياء.

كذلك فإن اعتقال الأمهات والآباء لمجرد التعبير عن آرائهم بشكل سلمي، سواء بالتعبير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أو بالاعتصام والتظاهر السلمي، أو بالقيام بعملهم كصحفيين أو مترجمين يرغبون في توصيل الحقائق للجمهور، قد يتسبب في صدمات نفسية وعصبية تؤثر سلبا على كل من الأطفال والأمهات والآباء، ويخلق حالة احتقان وغضب مكتوم.

كما أن لوم الضحية واتهام الآباء والأمهات بإنهم المسؤولون عن أزمة أطفالهم لإنهم عبروا عن آرائهم هي جريمة مضاعفة يقترفها النظام الشمولي بحق الأطفال وذويهم، وينتج عن ذلك مجموعة من المواطنين المضغوطين نفسيا وعصبيا، مما قد ينعكس سلبا على المجتمع، ويؤثر على الأجيال القادمة المنوط بها بناء البلاد، حيث أن هذا المسلك لا ينتج عنه إلا زرع البغض والاحتقان الذي لا تحمد عقباه.



 

[1]                             موقع درب: رسالة عبير الصفتي من محبسها إلى طفلتها. تاريخ النشر: مارس 2020 تاريخ التصفح مايو 2020              https://daaarb.com/%D8%B1%D8%B3%D9%85%D8%A9-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AA%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%AD%D8%A8%D8%B3%D9%87%D8%A7-%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84%D8%AA/?fbclid=IwAR1tZuh1UQpi8rot9Rrhq9bMhkXLxEBLf4WmNcVK6dSo1UjICNhOzxGa7LQ