أولاً: التقديم

كل شيء قابل للمقايضة إلا المساس بسلطة العائلة المالكة، يمكنهم التبرؤ من التطرف والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، وإلصاق كل الخطايا بجماعة الإخوان المسلمين، ويمكنهم  أن يسمحوا للمرأة بقيادة السيارة، بل ويمكنهم أن يسمحوا للمرأة أن تسير في شوارع المملكة بملابس ضيقة ودون حجاب، كما يمكنهم أن يسمحوا أيضا بتعيين المرأة في الحكومة، ويمكنهم أن ينشئوا هيئة للترفيه تأخذ على عاتقها إقامة الملاهي ودور السينما، وتنظيم حفلات الغناء والرقص وتقيم حفلات تدعو لها نجوم الغناء من كل مكان في العالم.

كل هذا يمكنهم فعله من أجل تحسين صورة المملكة في الغرب، وتخفيف الضغوط المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية جوهرية تراعي القيم الأساسية لحقوق الإنسان. فبالرغم من تلك الإصلاحات الشكلية في ملف الحريات العامة إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان وفي القلب منها حرية الرأي والتعبير لا زالت كما هي بل ازدادت سوءًا.

ففي المملكة يتعرض للقتل أو السجن لفترات طويلة بمحاكمة تفتقد معايير المحاكمة العادلة أو يختفي لفترات طويلة دون محاكمة، كل من ينتقد أو يرفض تلك الإجراءات أو يطرح رؤية إصلاحية حقيقية، بينما سخرت السلطة وسائل الإعلام للدعاء للملك وولي العهد.

ثانياً: التطور التشريعي والقانوني

دخلت لائحة الذوق العام الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 444 الصادر في 9 أبريل 2019، حيز النفاذ في السعودية ابتداءً من يوم السبت 28 سبتمبر، بعدما أصدر وزير الداخلية الضوابط الخاصة بالتطبيق. وتتكون اللائحة من عشرة مواد، وتشمل المخالفات المنصوص عليها في اللائحة الظهور في مكان عام بزي أو لباس “غير محتشم” أو ارتداء زي أو لباس يحمل صوراً أو أشكالاً أو علامات أو عبارات تسيء إلى الذوق العام.

وتشمل المخالفات الكتابة أو الرسم أو ما في حكمهما على جدران مكان عام، أو أي من مكوناته، أو موجوداته، أو أي من وسائل النقل؛ ما لم يكن مرخصاً بذلك من الجهة المعنية. كما تشمل المخالفات أي قول أو فعل فيه إيذاء لمرتادي الأماكن العامة، أو إضرار بهم، أو يؤدي إلى إخافتهم أو تعريضهم للخطر.

وفي 28 مايو 2019، أصدر مجلس الوزراء لائحة “ضوابط استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في الجهات الحكومية” بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 555 الصادر بتاريخ 27 مايو 2019.

ثالثاً: القضايا الأكثر تأثيراً في حرية التعبير

قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018، قضية محاكمة لجين الهذلول وعدد من المدافعات عن حقوق الإنسان، محاكمة رجل الدين سلمان العودة وآخرين من المعارضين  لقرارات المملكة المتعلقة بمقاطعة  قطر.

رابعاً: الإنتهاكات التي نالت من حرية التعبير

المنع من العمل

قليل جدا خروج أحد البرامج أو الصحف عن الدور المرسوم لها في الاشادة بما حققه ولي العهد وفي حالة تجاوز أحد البرامج الخطوط الحمراء يفاجأ الجمهور بإيقاف البرنامج أو الصحيفة دونما ضجة أو توضيح أسباب ومن أمثلة ذلك إيقاف برنامج “مع داود” الذي يقدمه الإعلامي السعودي داود الشريان، رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، وتعرضه قناة sbc بشكل مفاجئ يوم 3 مارس، بعدما طرح البرنامج المثير للجدل ٦ حلقات، ناقش خلالها جملة من القضايا الاجتماعية، كان أبرزها هروب الفتيات، والأحياء العشوائية، وحلقة عن الأجنبيات المتزوجات من سعوديين، والعكس.

الحجب

إلى جانب سيطرة السلطات السعودية على وسائل الإعلام تسعى هذه السلطات إلى تقييد وسائل التواصل الاجتماعي وقمع حرية التعبير من خلال تطبيقات الهاتف الجوال.

ويبدو موقف الحكومة ضبابياً ومتردداً من خدمات الاتصال الصوتي والمرئي في تطبيقات الانترنت فعلى سبيل المثال حجبت خدمة الاتصال الصوتي والمرئي في تطبيق الواتس أب مجدداً، بعد أن عملت بشكل مفاجئ صباح 12 مارس، واستمرت لساعات قبل أن تتوقف مجدداً.

الجدير بالذكر أنه تم حجب خدمات المكالمات الصوتية المجانية من خلال تطبيقات مثل واتساب وفايبر وغيرها عام 2016 دون أسباب واضحة، ولكن  في 13 سبتمبر 2017، أعلن وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عبدالله بن عامر السواحه، عن رفعَ الحجب الكامل عن كل التطبيقات التي لديها خاصية الاتصال الصوتي والمرئي. وأكد حينها أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالمملكة ستشرف على مراجعة استيفاء التطبيقات للمتطلبات التنظيمية، وستعمل مع شركات الاتصالات لإتاحة ورفع الحجب عما يتوافق مع المتطلبات.

ومن ناحية أخرى بدأت وزارة الإعلام السعودية يوم 29 يوليو، في حجب المواقع الإلكترونية والمنتديات ومواقع التواصل والحسابات التي تحمل أسماء قبائل أو مدن أو أماكن عامة وذلك تنفيذاً لما ورد في الفقرة الثالثة من المادة السادسة عشرة من نظام النشر الإلكتروني.

الحبس

الاعتقال والحبس دون محاكمة لفترات طويلة في ظروف اعتقال في غاية السوء وسيلة من وسائل السلطات السعودية في قمع المعارضين وكتم الأصوات وتقييد حرية التعبير. فإلى جانب معتقلي الرأي المحبوسين في السجون السعودية منذ عام 2017، أضافت الجهات الأمنية سجناء رأي من المواطنين السعوديين أو العرب المقيمين في السعودية.

وعلى سبيل المثال فقد ألقى أفراد من من جهاز أمن الدولة السعودي القبض على الصحفي الأردني الأصل عبد الرحمن فرحانة، في 22 فبراير 2019، عند نقطة تفتيش بالقرب من مطار الدمام وهو في طريقه إلى جدة، ثم نقل إلى منزله، وقام الضباط بتفتيش المكان وصادروا تليفونه المحمول والكمبيوتر الشخصي ثم اصطحبه أفراد الأمن إلى مكان مجهول دون الإعلان عن سبب اعتقاله.

كما أقدم جهاز أمن الدولة يوم الخميس 4 أبريل 2019، ودون إبداء أسباب، على اعتقال الطبيب الفلسطيني الأصل محمد صالح الخضري (أبو هاني)، مسؤول إدارة العلاقات بين منظمة حماس والمملكة على مدى عقدين والمقيم في جدة منذ نحو ثلاثة عقود.

وفي نفس الاتجاه شنت أجهزة الأمن السعودية حملة اعتقالات واسعة منذ يوم الخميس 4 أبريل في العاصمة الرياض ومدينة الدمام بالمنطقة الشرقية، واستهدفت الحملة الأفراد الداعمين لحقوق المرأة، ومن بين المعتقلين اثنان يحملان الجنسيتين السعودية والأميركية، وشملت الحملة  كلاً من الكاتب فهد أبو الخيل، وثمر المرزوقي، والكاتبة خديجة الحربي، وعلي الصفار، ومحمد الصادق، وعبد الله الدحيلان، ومقبل الصقار، ويزيد الفيفي، وأنس المزروع، بالإضافة إلى الأكاديمي بدر الإبراهيمي، والطبيبة شيخة العرف، مع زوجها المحامي عبد الله الشهري، والناشطين أيمن الدريس، وصلاح الحيدر، ونايف المهندس، ورضا البوري.

أما على خلفية نقد ممارسات هيئة الترفيه التي يقودها تركي آل الشيخ اعتقلت السلطات السعودية يوم 10 سبتمبر، الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة القصيم عمر المقبل، على خلفية انتشار مقطع فيديو له يبدي فيه رأيه في ممارسات الهيئة.

كما اعتقلت الشاعر حمود بن قاسي السبيعي، يوم 21 أكتوبر، ومعه مصمم الفيديو، قنصل سبيع، على خلفية انتشار مقطع فيديو للشاعر ينتقد فيه ممارسات تركي آل الشيخ عبر هيئة الترفيه.

المحاكمة

بدأت أولى جلسات محاكمة تسع مدافعات عن حقوق الإنسان أمام المحكمة الجزائية في الرياض يوم 13 مارس، ومنع الصحفيون والدبلوماسيون من حضورها.

ومثلت كل من، لجين الهذلول، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، أمل الحربي، هتون الفاسي، شهدان العنزي، مياء الزهراني، وعبير نمنكاني، إلى جانب نوف عبد العزيز، أمام المحكمة، ووجهت لهن النيابة عدة تهم تتعلق بعملهن مع الأمم المتحدة واﻻتصال مع المدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان. ولم يُسمح للمدافعات أن يمثلهن محام أو يقمن بالدفاع عن أنفسهن، وفي 28 مارس تم الإفراج مؤقتاً عن كل من الأكاديمية عزيزة اليوسف والمدونة إيمان النفجان.

وقالت أسرة لجين الهذلول يوم 13 أغسطس، إنها رفضت عرضا بالإفراج عنها مقابل بيان مصور بالفيديو تنفي فيه تقارير عن تعرضها للتعذيب أثناء احتجازها.

الجدير بالذكر أنه تم إلقاء القبض على المدافعات بداية من مايو 2018.

وفي قضية أخرى استمرت محاكمة رجل الدين سلمان العودة خلال هذا العام، وتم تأجيل القضية عدة مرات، وحدد يوم 10 أكتوبر للنطق بالحكم ولكن أثناء الجلسة قررت المحكمة فجأة تأجيل النطق بالحكم” إلى 30 أكتوبر 2019.

وبدأت محاكمة العودة في سبتمبر 2018، بعد عام من اعتقاله، وطالبت النيابة العامة بالحكم بقتله تعزيراً، بعدة تهم من بينها “الإفساد في الأرض بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن وإحياء الفتنة العمياء وتأليب المجتمع على الحكام وإثارة القلاقل والارتباط بشخصيات وتنظيمات وعقد اللقاءات والمؤتمرات داخل وخارج المملكة لتحقيق أجندة تنظيم الإخوان الإرهابي ضد الوطن وحكامه”، وذلك على خلفية تغريدات نشرها في سبتمبر 2017، حول الأزمة بين السعودية وقطر.

وجاء اعتقال العودة ضمن حملة شنتها السلطات السعودية، استهدفت نحو عشرين مواطناً (بينهم كتاب وصحفيون) من المعارضين  لقرارات المملكة المتعلقة بمقاطعة  قطر.

ولا زالت قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018، تلقي بظلالها على المشهد في المملكة، وبدأت السلطات السعودية في إجراء محاكمة صورية الهدف منها تفادي الاتهامات بمسؤولية الدولة عن الجريمة. حيث بدأت المحكمة الجزائية بمدينة الرياض يوم الخميس 3 يناير في محاكمة 11 متهما في القضية وطالبت النيابة بتطبيق عقوبة الإعدام لخمسة متهمين لضلوعهم في جريمة قتل جمال بن أحمد حمزة خاشقجي، لكن جلسة المحكمة لم تكن علنية ولم يُذكَر اسم أي من المتهمين.

وفي 19 يونيو أعلنت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء في تقرير لها أن “الصحفي السعودي جمال خاشقجي وقع ضحية عملية إعدام خارج نطاق القضاء، وأن الدولة السعودية مسؤولة عنها”.

خامساً: الاتهامات الأكثر شيوعاً ضد حرية التعبير

شملت قائمة الاتهامات الأكثر شيوعا في المملكة هذا العام “الاتصال المشبوه مع جهات أجنبية”، “الدعوة لتغيير نظام الحكم في المملكة.”، وتهمة “الترويج لمقاطع تدعم الثورات في الدول العربية”، “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة.”

سادساً: الضحايا

قائمة ضحايا حرية التعبير في المملكة تشمل من تم اعتقاله خلال عام 2019، إلى جانب معتقلي الرأي الذين جرت محاكمتهم أثناء هذا العام، من هؤلاء لجين الهذلول، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، أمل الحربي، هتون الفاسي، مياء الزهراني، وعبير نمنكاني، إلى جانب نوف عبد العزيز، سمر بدوي ، نوف عبد العزيز، ، نسيمة السادة، وشهدان العنزي،  سلمان العودة، عمر المقبل، فهد أبو الخيل، وثمر المرزوقي، خديجة الحربي، وعلي الصفار، ومحمد الصادق، وعبد الله الدحيلان، ومقبل الصقار، ويزيد الفيفي، وأنس المزروع، بالإضافة إلى بدر الإبراهيمي، شيخة العرف، عبد الله الشهري، والناشطين أيمن الدريس، وصلاح الحيدر، ونايف المهندس، ورضا البوري.

كما ضمت قائمة الضحايا  الصحفي الأردني الأصل عبد الرحمن فرحانة، والطبيب الفلسطيني الأصل محمد صالح الخضري.