(إن عشت فعش حراً، أو مت كالأشجار وقوفاً، وقوفاً وقوفاً، وقوفاً كالأشجار، وارمي حجراً في الماء الراكد تندلع الأنهار، إقرع أجراسك في مملكة الصمت وغني، وارمي حجراً في الماء الراكد تندلع الأنهار، غني نشيدك، وليتحطم جدار الخوف نثاراً كالفخار)…

يدندن الدكتور يحيى القزاز السياسي البارز وأستاذ الجولوجيا بجامعة حلوان بكلمات الشاعر السوري سميح شقير، مهونا على نفسه ومن حوله الدقائق والساعات التي تمر كدهر انتظارا لقرار رئيس نيابة أمن الدولة العليا إما تجديد حبسه المستمر منذ نحو 54يوما أوإخلاء سبيله.

“أنا قوي ومش حنكسر، أنا مش باقي من عمري كتير ومحلتيش غير شرفي اللي حورثه لأولادي أنا معركتي يا الشهادة يا السجن و أنا قابل كل دول أنا مش خايف “.. بصمود وجلد يبلغ القزاز رسالته إلى محاميه محمد عبد العزيز مدير مركز الحقانية.

عبد العزيز على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” يضيف:”قالتله ان شاء الله تخرج قريب قالي ولو مش قريب أنا مش خايف وقعدنا نهزر ونضحك وفي أيده الكلبشات”.

غير أن نيابة أمن الدولة العليا، قررت تجديد حبس الدكتور يحيى القزاز، أمس الأربعاء، 15 يوما للمرة الرابعة هو ورفاقه الدكتور رائد سلامة والسفير معصوم مرزوق في القضية 1305 لسنة 2018 التي باتت معروفة إعلاميا بقضية ” معتقلي العيد”.

بينما كان يؤدي الأستاذ الجامعي الذي تجاوز الستين ببضعة أعوام، واجب العزاء في أحد أقربائه بمحافظة البحر الأحمر في ثالث أيام عيد الأضحى الماضي، ألقت قوات الأمن القبض عليه، ليجد نفسه متهما بـ”مشاركة جماعة إرهابية في تحقي أهدافها، و تلقي تمويل بغرض إرهابي، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية”.

“غرفة فسيحة في منتصفها أريكة مريحة،وفي أحد جوانبها شباك مطل على الأشجار التي تزين نيوكاسل بانجلترا”.. هكذا حول القزاز ابن مدينة قنا من خلال خياله الرحب زنزانته الانفرادية الضيقة التي لا يدخلها سوى بصيص نور إلى مساحة جميلة يروّح بها عن نفسه.

يقول محمد عبد العزيز على صفحته على موقع “فيس بوك”: (الدكتور يحيي القزاز في النيابة النهارده بقوله يومك عامل ازاي في الزنزانة الانفرادي قالي يومي بقضيه مع الخيال قلتله ازاي قالي بتخيل اني في نيو كاسل في إنجلترا ايّام ما كنت أستاذ زائر في الجامعة وأن الزنزانة نفس مساحة الغرفة بنسي ريحه المرتبة الإسفنج).

“كنت اعرف ان جميعنا تحت الطلب فلم أصمت ولم أبال.. نحن حالات مؤجلة.. من يأتي دوره يقبض عليه.. كل منا وارد السجن او الاغتيال”.

لا يعرف القزاز الا الانحياز للحق كما يراه .. خاض حياته في معارك دائمة من الدفاع عن حق المصريين في جامعة حرة من خلال جماعة 9 مارس وحتى الوقوف في وجه المخلوع مرورا بموقفه من حكم المجلس العسكري ورفضه لنظام الاخوان ، وحتى حدة معارضته لنظام السيسي رغم الهجوم من الطرفين الاخوان ومؤيدي النظام عليه .

دائما لم تحركه إلا رؤاه ولم يقف الخوف حائل بينه وبين اعلان ما يراه يقول “هل سنرضى بالوضع “تحت الطلب” كخراف الأضاحى أم نثور لكرامتنا ووطنا وفيهما السجن شرف والقتل شهادة.

ودائما كان القزاز في كل المراحل مستعدا لدفع الثمن : ما اعظم ان تسجن او تموت مدافعا عن كرامتك وعن حقك فى وطنك وما اسوا أن تعيش آمنا كالخراف فى انتظار الذبح، لاتصمتوا فغدا جميعنا سنلحق بمن سجن”.

حدة القزاز في الدفاع عن الحق كما يراه، كانت عنوان صدقه لذلك لم يخف من تحقق نبؤته وعندما تحققت وتم اعتقاله ظل ثابتا معلنا للجميع ان صاحب الحق والمواقف لا يتراجع.

الحالة الصحية
“طبقت أنا سيد كل احتياجاتي لا عبد لها بطلت الشاي والقهوة والينسون بتخيل دايما من ورا الشباك الأشجار اللي كنت بشوفها في غرفة نيو كاسيل ولسة قادر أني أحلم وبحاول أحافظ علي صحتي”..يضيف عبد العزيز نقلا عن القزاز الذي يشكو من تدهور حالته الصحية.

رغم صلابة القزاز وأمله في فرج قريب إلا أن حالته الصحية تدهورت في أعقاب البض عليه، إذ يقول لعبد العزيز محاميه: (أبقي قول للدكتور عبد الجليل مصطفي أن الضغط بيرتفع فجأة وبينزل فجأة وركبولي في السجن محاليل تلات مرة ومش عارف السبب وبكرة حيعملولي تحليل جديد عشان يشوفوا نسبة الكرياتين انا بحاول احافظ علي صحتي).

بعد حبسه في زنزانة انفرادية ضيقة لا يدخلها سوى بصيص نور، تدهورت الحالة الصحية للدكتور يحيى القزاز، ومازلت حتى الآن في تدهور مستمر، رغم موافقة النيابة سابقا على طلب محاميه بالكشف الطبي عليه بعد احتجازه بأيام.

يقول محمد عبد الوهاب عضو هيئة الدفاع عن الدكتور يحيى القزاز على صفحته على موقع “فيس بوك”، أمس الأربعاء، إن موكله لم يتناول دواء القلب لمدة 3 أيام.

وكان محامي القزاز عمرو إمام أثناء العرض الأول لموكله في 28 أغسطس الماضي على نيابة أمن الدولة العليا عرضه على مستشفى السجن وأبدت النيابة موافقتها على ذلك، بحسب إمام في تصريحات صحفية سابقة لـ”كاتب”.

التهم الموجهة للدكتور يحيى القزاز بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، و تلقى تمويلات بغرض دعم الإرهاب و المشاركة في اتفا جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة وقلب نظام الحكم، جميعها لا تتناسب مع سجله السياسي والأكاديمي فلم يسبق له أن سار في طريق العنف لأي سبب من الأسباب.

على الرصيف إلى جانب الحقوقي جورج إسحاق والدكتور مصطفى عبد الجليل و الناشطة كريمة الحفناوي، جلس القزاز في 2006 رافعا الشعارالشهير لحركة (كفاية) الذي كان بمثابة الإرهاصات الأولى لثورة 25يناير، وكذلك ناشطا في حركة (9 مارس) المعنية باستقلال الجامعات التي تأسست عام 2003، كما أنه رفض حكم جماعة الإخوان المسلمين من خلال دعمه لحركة تمرد، فكيف إذا يشاركها في تحقيق أهدافها؟

ونتيجة لمعارضة القزاز لسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي خاصة فيما يتعلق بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، حققت معه نيابة استئناف القاهرة في البلاغ الذي قدمه ضده من المحامي أشرف سعيد الذي يتهمه فيه بالتحريض على قتل رئيس الجمهورية.

غير أن النيابة أخلت سبيل الدكتور يحيى القزاز في 17أكتوبر بكفالة 10 آلاف جنيه، لكن مرة آخرى في يونيو الماضي انهالت البلاغات ضده، بعضها قدمه المحامي سمير صبري يتهمه فيها بالتحريض على مؤسسات الدولة في ضوء منشوراته على موقع “فيس بوك”.

وعلى إثر مواقف القزاز انتقل الصراع بينه وبين السلطة إلى مستوى الجامعة التي يدرس في كلية العلوم بها مادة الجولوجيا، إذ استدعته رئاسة الجامعة للتحقيق معه في يوليو الماضي، غير أن القزاز احتج على على هذا القرار حينها، قائلا: (كالعادة وبدون مراعاة القواعد القانونية يرسل أ.د. أشرف شمس الدين أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائى بكلية الحقوق خطابا لعميد كلية العلوم بالتنبيه على أ.د.يحيى القزاز باعتبارى قاصرا وعميد كلية العلوم ولى امرى يستلم الخطاب نيابة عنى).

وتابع القزاز حينها على صفحته الشخصية : (ثم يأخذني من يدي، فأنصاع واذهب. وبناء عليه يقوم أ.د. ماهر حلمى عميد العلوم بإرسال خطاب لى يطالبنى بالتوجه لمقر الوصاية واستلام خطاب الباب العالى للتحقيق بلا تهمة.. نعم الخطاب يطالب بالتحقيق فيما ارسله رئيس الجامعة.. ولا يكتب التهمة التى ارسلها رئيس الجامعة للتحقيق معى..ماهذا؟!).

وفي 19 يوليو الماضي، ذهب القزاز للتحقيق معه لكنه فوجيء وهو يطالع الشكوى أنها مقدمة من عميد كليته بالإضافة إلى ملف الشكوى الضخم ومرفقاته التي توثق تهمة مخالفة الأعراف الجامعية وإهانة رئيس الدولة و التحريض على مؤسساتها، كما جاء في بيان القزاز المنشور على صفحته الشخصية على موقع “فيس بوك”.

القزاز قال حينها في بيانه: (كان الملفت للنظر ان كم الأوراق التى قدمها العميد من على صفحات الفيس بوك لتدين زميله استغرقت وقتا طويلا ومتابعة مضنية وتفرغ تام لإنجاز هذه المهمة المقدسة، ويبقى السؤال: هل دور عميد الكلية إدارة العملية التعليمية و العمل على تطويرها أم أن يضيع وقت الجامعة في تعقب زملائه ومراقبتهم والتحري عنهم وتسجيل خصوصياتهم كمخبر في مباحث أمن الدولة).

لكن الجامعة قررت إحالة الدكتور يحيى القزاز إلى مجلس تأديب الجامعة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية عبر صفحته على موقع “فيس بوك” ورسائل من خلال تطبيق (الواتس آب) بناء على مذكرة من أ.د ماهر حلمى عميد كلية علوم حلوان.

وبحسب المذكرة فأن القزاز خالف الأعراف الجامعية وسب رئيس الجمهورية وخالف المادتين 105 و 110من قانون تنظيم الجامعات لكنه قال في تصريحات صحفية إنه لم يخالف أية أعراف بل هو من أكثر الناس حرصا عليها وأن هذه التهمة تم التحقيق معه فيها من قبل النيابة العامة، موضحا أن التحقيق في هذه التهمة ليست من اختصاص إدارة الجامعة.

ورغم ذلك، يجلس القزاز على كرسي أمام رئيس نيابة أمن الدولة العليا، منهمكما في إنجاز مهمته الإشرافية على تلك الرسالة التي تعطلت بسبب القبض المفاجىء عليه، رافضا أن يتخلى عن الباحث الشاب الذي بينه وبين درجة الدكتوراه ملاحظات أستاذه، بحسب محمد عبد العزيز مدير مركز الحقانية.

لم تمهل الدائرة الرابعة في محكمة جنايات شمال القاهرة الأكاديمي الستيني، إذ أيدت قرار النائب العام في التحفظ على أمواله، بعد نحو شهر من اعتقاله تحديدا في 23 سبتمبر المنصرم .

وهكذا وجد يحيى القزاز عضو حركة ٩مارس لاستقلال الجامعات الثائر، الأكاديمي شريف، الذي أنفق كل ثروته (التي هي راتبه من الجامعة) على تعليم أبنائه وما فاض منها كان ينفقه على تحقيق رؤاه والانتصار للثورة، أو يدفعه في أجرة ميكروباص رمسيس-عزبة النخل.. مطاردا بالتحفظ على مال انفقه فيما ينفع الناس.

الانحياز للشباب
ينحاز دائما الدكتور يحيى القزاز إلى الشباب و أحلامهم مهما كانت يدافع عنهم وحقهم في حياة كريمة، ففي صباح أول أيام عيد الأضحى الماضي، أرسل تحياته و معايداته إلى أؤلئك القابعون في السجون بلا تهمة سوى حب الوطن.

(كل عام وانتم أحرار يا من حلمتم بالحرية فعملتم عليها، ولم تجدوا غير السجون مأوى، اليوم عيد الأضحى و نحن ضحينا بكم، لا عيد بدونكم و إن كان فهو عيد بلا نكهة، لاخير في عيد الشباب فيه خلف السجون والشعب ييده الخوف).. بعد يومين فقط لحق القزاز بصفوف الذين ضحوا براحتهم و سعادتهم من أجل الوطن.

***

حتى في محنته كان على قدر المسئولية.. هكذا ترى الكاتبة الصحفية إكرام يوسف والتي كتبت على حسابها تعليقا على موقف القزاز بعد حبسه قائلة ” فرق كبير بين صورة العظماء: الصديق العزيز معصوم مرزوق وأخويا الكبير يحيى القزاز وابني الجميل رائد سلامة وهمه رافعين راسهم بشموخ في ملابس السجن وبين المخلوع وهو راقد على سرير يتظاهر بالمرض استدرارا للعطف!!

#الحرية_ليحيى_القزاز استاذ الجامعة اللي نور عقول شباب بالعلم والثورة، والصعيدي الجدع الرافض يمشي وسط قطيع، وكلامه من دماغه، لم يتردد بمجرد ان اكتشف عدم دقة حساباته، وانخداعه في الديكتاتور، ورجع فورا -وبدون اَي تماحيك او تبريرات – الى الحق، وكان أقوى وأصلب في الحق من كتير كانوا شايفينها من الاول صح!!

#الحرية_للجدعان. اللي كل تهمتهم عشق الوطن وحلمهم بحياة افضل للمصريين.

وتابعت إكرام يوسف ” أشهد انك حر صاحب موقف حر، اختلفت معك في البداية عندما كان لديك أمل في هذا النظام، لكنني كنت أعرف انك ستتخذ الخيار السليم، لانك لا تنطق الا بما تعتقد انه الحق صدقا ولاني اعرف نقاء معدنك، أستطيع أن أقول بكل ثقة أنك ممن أشعر بالامان والاطمئنان عندما أقف بجوارهم في نفس الصف”