مقــــــــدمة:

ثلاثون سياجاً وعقبة وعقوبة،

لايمكن وصف اللائحة التي وضعها المجلس الاعلى لتنظيم الاعلام ، تحت اسم “لائحة الجزاءات” ، بغير هذا،

الأمر لا يقتصر على وضع عقوبات قاسية ومتعسفة تُتخَذ بسبب تعبيرات فضفاضة ومرنة، وشبه مجنونة أحياناً، بل وصل إلى مخالفة الدستور ووضع عقوبات حظرها الدستور تماماً، مثل الوقف والمصادرة أو الاغلاق، عبر عقوبة “سحب الترخيص”.

التنصل من هذه اللائحة بعد نشرها، لا ينفي “جريمة” طرحها، وإظهار الموقف المعادي لحرية الصحافة والإعلام الذي يتخذه هذا المجلس.

ليس الصحفي أو الإعلامي أو وسيلة النشر هو ضحية هذه اللائحة فقط، بل أيضاً الجمهور الذي يُمعن هذا المجلس في حرمانه من الصحافة المستقلة والمهنية، ويفرض عليه إعلاماً وصحافة، باتت في أغلبها أقرب للإملاءات والتوجيهات والأوامر.

والمثير أن هذه اللائحة التي صدرت عن المجلس، تخالف في بعض نصوصها قوانين المجلس نفسه،

مثل القانون 180 لسنة 2018م، لتنظيم الصحافة والإعلام، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حيث يمعن المجلس في إنزال عقوبات صارمة وشديدة القسوة ضد الصحفي والإعلامي ووسيلة النشر، رغم أن المادة (94) تنص على:

((إخطار النقابة المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة فى المخالفات التى تقع من أحد أعضائها بمناسبة توقيع المجلس أحد الجزاءات على إحدى الجهات الخاضعة للمجلس الأعلى، وتلتزم النقابة المعنية باتخاذ الإجراءات التأديبية فى مواجهة الشخص المسئول عن المخالفة وفقًا لقانونها)).

وبالتالي فالقانون أوكل حق معاقبة الصحفى أو الإعلامى إلى النقابة المختصة، بعد اتخاذ الإجراءات القانونية مع ضمان كافة حقوقه القانونية التي نص عليها قانون النقابة التابع لها.

في هذ التقرير القانوني النقدي، تكتفي الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بطرح أمثلة لبعض المواد، وإظهار مدى  التعسف والجور وغياب العقل والمنطق فيها، وكذلك تعارض بعضها مع مواد الدستور نفسه!.

المادة (2):
يعاقب كل من سمح أو استخدم عبارات سوقية أو غريبة أو تعبيرات غير مفهومة أو إيماءات أو إشارات من شأنها إهانة جهة أو شخص ما أو كانت تنطوى على تهكم أو سخرية أو تهديد أو تؤذى مشاعر المواطنين

– بغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائتين وخمسين ألف جنيه

– لفت النظر (التنبيه)

– الإنذار

– إلزام الوسيلة بتقديم اعتذار بذات الطريقة التى وقعت بها المخالفة

تتضمن هذه المادة كلمات وتعبيرات فضفاضة وواسعة مثل (سوقية، غريبة، غير مفهومة، إيماءات، إشارات)
وهنا يجب أن نتسائل: ماهو المعيار الذي ستقاس عليه غرابة أو سوقية بعض التعبيرات التي سيعاقب عليها القانون؟!، ومن الذي سيحدد ذلك؟

وما المقصود بكلمة (غير مفهومة)؟ وهل كل شخص سينطق بكلمة “غير مفهومة” لجهة معينة، سيعاقب طبقاً لنص هذه المادة؟
وماهي “اﻹيماءات “ أو “الاشارات” التي سيعتبرها القانون جريمة يعاقب عليها؟!
فهذه التعبيرات ستكون فخاً وسبباً في عقاب الكثير من أصحاب الرأي لعدم وضوحها وإمكانية سوء استخدامها.

مادة (3):
يعاقب كل من نشر أو بث شائعات، أو أخبار مجهولة المصدر، أو نقل عن مصادر إعلامية أخرى، أو استخدم السوشيال ميديا كمصدر للمعلومات دون التحقق من صحتها من مصادرها الأصلية، أو حال عدم احترام الرأى الأخر من حيث التوازن، بأحد الجزاءات الآتية أو أكثر حسب الأحوال:

–  لفت النظر (التنبيه)
–  الإنذار.
–  توقيع غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 25 ألف جنيه.
–  يجوز مضاعفة العقوبة واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، حال استخدام عبارات تشمل التخوين دون سند.
–  كما يجوز وقف بث البرامج، أو الباب أو الصفحة أو الموقع الإلكتروني لفترة مؤقتة.
–  توقيع غرامة لا تقل عن 250 ألف جنيه، ولا تزيد عن 500 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، عندما يتسبب ما تم نشره في حدوث أضرار اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية.
–  إلزام الوسيلة بنشر أو بث تكذيب بذات طريقة الإبراز التي وقعت بها المخالفة.

* تجرم هذه المادة النقل عن وسائل اعلامية ” أخرى” دون تحديد ما هي الوسائل الاعلامية “الأولي” التي لا يُعتبر النقل عنها جريمة!!

*كذلك القى عبئ التحقق من صحة الخبر على من ينقل أو ينشر الخبر نقلا عن وسائل إعلامية ! وهو أمر غير عاقل أو منطقي، فليس دور من ينقل الخبر أن يتحقق من مصدره  الأصلي، بل أن يذكر مصدر خبره.

مادة (4):
يعاقب كل من استخدم أو سمح باستخدام عبارات، أو ألفاظ  تدعو إلى التحريض على العنف، أو الحض على الكراهية، أو التمييز أو الدعوة للطائفية، أو العنصرية، أو بث أو نشر ما يهدد النسيج الوطني، أو يسيء لمؤسسات الدولة، أو الإضرار بمصالحها العامة، أو إثارة الجماهير بأحد الجزاءات الأتية أو أكثر حسب الأحوال:

–  منع نشر أو بث أو حجب الصفحة، أو الباب، أو البرنامج، أو الموقع الإلكتروني لفترة محددة أو دائمة.
–  منع نشر أو بث الوسيلة لفترة محددة.
–  توقيع غرامة لا تقل عن 250 ألف جنيه، ولا تزيد عن 500 ألف جنيه.

في هذه المادة، تُركت “العبارات والألفاظ” التي تسيء إلى مؤسسات الدولة والإضرار بمصالحها العامة، دون ضبط محدد، فأصبحت تحتمل تأويلات عديدة، ومثال على ذلك النسيج الوطني! فما هو هذا النسيج الوطني؟ ودون مبالغة فأغلب المصريين لا يعروفون هذا التعبير، ومن يعرفه يفسره بشكل مختلف عن غيره!

وما هو المقصود باثارة الجماهير؟ أي إثارة يقصدون؟ وماذا لو تم إثارة جزء من الجمهور ولم يُثر جزء أخر؟

مادة (6):
يعاقب كل من سمح باستضافة شخصيات غير مؤهلة، أو تقديمهم لجمهور على خلاف الحقيقة بأحد الجزاءات الأتية أو أكثر حسب الأحوال:

–  لفت النظر للبرنامج (التنبيه)
–  إنذار للوسيلة الإعلامية.

لم تضع هذه المادة تعريفاً واضحاً لمن هي الشخصيات “الغير مؤهلة” للظهور في وسائل الإعلام، هل تقصد: الغير مؤهلة “شكلاً” أم من حيث القدرة على “التعبير والمناقشة”؟ أم المنتمية لتيارات وأحزاب بعينها؟ ما يفتح الباب واسعاً، لأن تمنع السلطة  أشخاصاً -غير مرغوب فيهم- بالنسبة لها، من الظهور الإعلامي، بحجة أنهم غير مؤهلين لأن يُقدموا للمشاهدين.

المادة(11):

«يعاقب كل من خالف قواعد التغطية الصحفية أو الإعلامية للعمليات الحربية أو الأمنية أو الحوادث الإرهابية

– منع النشر أو البث أو الحجب المؤقت للصفحة أو الباب أو البرنامج أو الموقع الإلكترونى،

– يجوز للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منع بث الوسيلة لفترة محددة حال جسامة المخالفة.

القاعدة القانونية أنه لا عقوبة إلا بنص، ولا يُعاقب على مخالفة القواعد إلا الجنود في المعسكرات الحربية، ومن ثم فمخالفة قواعد أو أوامر أو تعليمات فهو حقٌ للصحفي والوسيلة الإعلامية، ولايعاقب سوى من يخالف القانون.

مادة (14):
يجوز للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أو لإحدى لجانه استدعاء كل من يكون له صلة بموضوع المخالفة والاستفسار عن سببها، كما يجوز أن يُفتح تحقيق بشأن ما تم ارتكابه من مخالفات قبل توقيع الجزاء.

أوكل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مهمة استدعاء المخالفين، والتحقيق معهم لنفسه، أو إحدى اللجان المنبثقة عنه، وعوضاً عن إخطار النقابة الذي يتبع لها ذو الشأن، وفي ذلك تغول على دور النقابات، والنيابة العامة، فيما يتعلق بالتحقيق وبالتالي، توقيع الجزاء.

المادة (17):

يجوز للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حال مخالفة المعايير أو الأكواد الإعلامية أو التحريض على ارتكاب جريمة جنائية أو ترصد جهة أو شخص ما توقيع أحد الجزاءات الآتية أو أكثر على الوسيلة الصحفية أو الإعلامية أو الإلكترونية،

– لفت النظر (التنبيه)

– الإنذار

– منع نشر أو بث الوسيلة الصحفية أو الإعلامية أو حجبها لفترة محددة

وضع تعبير ” ترصد جهة أو شخص” بالنشر ، هو تعبير شرير يمكن أن يؤدي لتوفير حصانة لجهات أو أشخاص من النقد أو العقاب أو كشف فساد أو استغلال نفوذ، وعمومية هذا التعبير قد يُعد باباً واسعاً لحماية المقربين من السلطة ومن ثم المجلس من النقد والمسائلة، حتى الصحفية منها.

مادة (19):
يجوز منع بث أحد البرامج المرئية أو المسموعة نهائياً لاعتبارات تقتضيها المصلحة الوطنية أو للحفاظ على مقتضيات الأمن القومي.

حددت هذه المادة عقوبة بالغة القسوة، وهي منع البرامج “نهائياً” من البث، عند ارتكاب مخالفة غامضة مبهمة، وهي اعتبارات “الحفاظ على مقتضيات الأمن القومي”، كما أنها تفتح الباب لمعاقبة الإعلامي أو الصحفي المغضوب عليه أو المرغوب في إسكاته، لأسباب واهية فضفاضة، وهي “المصلحة الوطنية”!

مادة (22):
جميع القرارات الصادرة بتوقيع عقوبة منع النشر، أو البث يجب أن تكون مسببة، واستثناء من ذلك يجوز عدم تسبيب هذه القرارات إذا تعلق الأمر بالحافظ على أحد مقتضيات الأمن القومي.

“مقتضيات الأمن القومي” هذا التعبير الفضفاض المرن، الذي يمكن أن ينطبق على كل شيء، ولا ينطبق على أي شيء، يسهل تماما استخدامه لمنع النشر، مزيلا بثلاث كلمات دون أي توضيح، (مقتضيات الأمن القومي) ، وهو ما نتوقع التوسع في استخدامه بشكل كبير، نظراً لشدة عموميته.

مادة (29):
يجوز للمجلس الإعفاء من العقوبة أو جزء منها في حالة تقديم المخالف لالتماس أو تظلم، ويراعى المجلس في ذلك الملابسات التي أحاطت بالمخالفة – إن وجدت – وما إذا كان التطبيق سيفيد أو يضر بآخرين لا علاقة لهم بالمخالفة، أو إذا ما تعهد المخالف بعدم التكرار أو لأية أسباب أخرى.

يجوز للمجلس مضاعفة العقوبة أو إضافة عقوبات جديدة فى حالة العود، وذلك بناء على التحقيقات التى يجريها المجلس بمعرفة اللجان المختصة وبشرط إخطار المخالفين بذلك.

يجوز للمجلس إحالة ما يراه من مخالفات قد ترقى إلى مرتبة الجرائم الإعلامية إلى السلطات المختصة.

يجوز للمجلس فى حالة حصول الوسيلة الإعلامية على أكثر من 3 إنذارات سحب ترخيصها أو الإكتفاء بمنع البث مؤقتاً أو سحب ترخيص الطباعة لمدة محددة.

يجوز للمجلس إتخاذ كل التدابير الممكنة طبقاً للقانون لوقف المخالفات وذلك ضد الوسيلة الإعلامية، كما يجوز له إلزام الوسيلة الإعلامية بنشر أو إذاعة الرد المناسب للشخص أو الجهة التى تقع عليها أضراراً من الوسيلة طبقاً للقانون.

“سحب ترخيص الوسيلة الاعلامية” هذا النص مخالف تماما للدستور في مادته (71) التي تنص صراحة على :

(يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها) فهل لائحة المجلس أعلى من الدستور؟!

الخلاصة:

هذه اللائحة تمثل كارثة إضافية لما تبقى من صحافة وإعلام مهني في مصر، وهما على ندرتهما، باتا رهينة مواد عبثية وتعسف وقصور في فهم دور الإعلام والصحافة؛  بحيث يتحول الصحفي والإعلامي والوسيلة الإعلامية إلى موظفين تابعين لهيئة حكومية أقرب في سلوكها للهيئة العسكرية، التي تنفذ ولا تناقش.

هذه اللائحة لا يجب تعديلها؛ فالتعديل يعد ترقيع لثوب مهلهل، هذه اللائحة تستدعي الإلغاء تماماً والاعتذار عنها.