تقديم
نص الدستور المصري على شخصية العقوبة وشخصية الجريمة وأن يتحمل مرتكبها وحده عاقبة ما فعل
المادة 95 من الدستور : “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.”
فمن المسلم به أن المسئولية الجنائية شخصية وبالتالي توقيع عقوبة الجريمة يكون على مرتكبها فقط ، إذا توفر في حقه ركني الجريمة المادي والمعنوي.
هذا هو القانون والدستور ،
لكن القانون والدستور شيئ ، وما يحدث على أرض الواقع في مصر شيء أخر ، مختلف ، متعارض معهما.
فالنظام في مصر يحاكم ويعاقب أشخاصا لكونهم فقط أقرباء ومن أسر معارضين أو منتقدين له ، وسواء كانوا متهمين أو مغتربين ، وبالطبع ينال ذوي اعضاء وقيادات جماعة الاخوان نفس الأذى، حيث يوجه لهم نفس الاتهامات التي وجهها لذويهم فعل او لم يفعل ، ويتم استخدام هذا النهج ، احيانا للضغط على المتهم أو المغترب المعارض والمنتقد ، او كانتقام منه عبر استهداف اقربائه ، دونما اعتبار لهذا الدستور أو القانون ودون أي احترام لقيم واتفاقيات حقوق الإنسان.
هذه الورقة
تمثل هذه الورقة محاولة لطرح رأي الشبكة العربية، في أن الاجهزة الامنية تقوم بلي ذراع القانون واستخدامه كأداة للقمع والانتقام من خصومه السياسيين أو المعارضين بشكل عام، وسواء كانوا بالداخل أو خارج مصر ، وذلك من خلال القبض على ذويهم وتلفيق الاتهامات الكيدية لهم.
كما تحاول الورقة الاشارة إلى مدى استجابة مؤسسات القضاء لتلك المحاولات والامثلة ، وسنحاول فيما يلي عرض بعض الأمثلة ، علما أن هناك الكثيرغيرهم ، طلب فيها ذوي المتهمين عدم ذكر امثلتهم ، خوفا من مزيد من البطش والتنكيل.
بعض الأمثلة
1- كمال البلشي ( شقيق الصحفي ووكيل مجلس نقابة الصحفيين السابق خالد البلشي)
كمال البلشي يعمل بالسياحة منذ تخرجه ويحمل كارنيه غرفة السياحة وفي الفتره الاخيره كان يقيم بمدينة مرسى علم حيث محل عمله ، وعلى اثر تفشي وباء كورونا على الى القاهرة في الفترة الاخيرة ليقيم لدى شقيقه عبدالستار البلشي في وسط القاهرة.
تم القبض على كمال في 20 سبتمبر 2020 بمفرده من محيط وسط أثناء عودته من صالة الألعاب الرياضية ، وخلال زيارته بالسجن ، اوضح انه الضابط الذي اوقفه اخلى سبيله ، لكنه حين انتبه مرة اخرى انه اخو خالد البلشي اعاد القبض عليه !! لظهر في النيابة بعد فترة اختفاء قسري لمدة 11 يوما للتحقيق معه يوم 1 أكتوبر بنيابة أمن الدولة العليا وتم اضافته للقضية 880 لسنة 2020 ويواجه اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة ومازال محبوسا احتياطيا حتى وقت صدور هذه الورقة.
والحقيقة التي لا تخفى على مجرى محضر التحريات والتي تعرف عن كمال أنه بعيد كل البعد عن أي نشاط سياسي
فقط لأنه شقيق خالد البلشي تم القبض عليه ومازال محبوسا حتى الان
حيث ان خالد البلشي الصحفي وعضو مجلس نقابة الصحفيين السابق ومسئول لجنة الحريات بالمجلس سابقا معروف عنه انه معارض لسياسات الحكومة.
2- علا القرضاوي وزوجها حسام خلف ( ابنة يوسف القرضاوي)
الأم والجدة لثلاثة أحفاد صاحبة ال58 عاما
لم تقترف علا القرضاوي الأم والجدة هي وزوجها سوى أنها ابنة يوسف القرضاوي المقيم بدولة قطر فتم القبض عليهما يوم 3 يوليو 2017 وتم التحقيق معهما على ذمة القضية 316 لسنة 2017 حصر أمن دولة عليا ومنذ ذلك الحين وهي محبوسه انفراديا وبعد مرور عامين من حبسها احتياطيا قضت محكمة الجنايات بإخلاء سبيلها يوم 6 يوليو 2019 إلا أنه تم تدويرها على ذمة قضية جديدة بزعم الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها وإدارة اجتماعات داخل السجن ولم يشفع لها أنها محبوسة انفراديا من لحظة ايداعها السجن وما زالت قيد الحبس الاحتياطي هي وزوجها لكونها ابنه القرضاوي و تحمل اسمه.
3- أنس البلتاجي ( نجل محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين)
أنس يبلغ من العمر 26 عاما وكان عمره وقت القبض عليه 19 عاما
حالة أنس تمثل أسوأ صور الانتقام من شخص لكونه ابن ابيه كما تقول أسرته !
أنس تم القبض عليه بعد فض اعتصام رابعة العدوية بثلاثة أشهر وحصل على حكم 5 سنوات بتهمة حيازة سلاح ناري والتحريض على العنف والانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون إلا أن محكمة النقض ألغت الحكم وقضت ببراءة أنس في عام 2018 ، ليواجه أنس بمصيره المحتوم مادام يحمل في بطاقته اسم محمد البلتاجي فالخروج من السجن أمرا مستحيلا يواجه شبح التدوير على مدار سنوات ليتم التحقيق معه في سبعة قضايا متتالية حصل على حكمين بالبراءة من محاكم الجنايات والجنح وفي قضايا اخرى حصل على اخلاء سبيل على ذمة القضية و كل مره يحصل على إخلاء سبيل يعاد تدويره مرة اخرى على ذمة قضية جديدة بنفس الاتهامات .
أصبح هذا الشاب يدور في دائرة لا تتوقف ، حيث يتهم في قضية ، فيتم تبرئته ، فيتم اتهامه بقضية جديدة ، فيتم تبرئته،،، وهكذا.
ولا تقف دائرة الانتقام عند هذا الحد فأنس ممنوع من الزيارة والتريض منذ 2017 لم يرى عائلته ولم يرى شمس النهار وكأنهم حكموا عليه بالموت البطئ .
4- أسامة مرسي ( نجل الرئيس الأسبق محمد مرسي )
نجل الرئيس الأسبق محمد مرسي يعمل محامي وكان أحد أعضاء هيئة الدفاع عن والده الراحل محمد مرسي تم القبض عليه من منزله بمحافظة الشرقية يوم 8 ديسمبر 2016 وتمت محاكمته في قضية أحداث فض رابعة العدوية وحكم عليه بالسجن 10 سنوات
تم القبض على أسامة بعد أكثر من 3 سنوات على أحداث الفض وكان يذهب للمحكمة لحضور جلسات والده وممارسة عمله ولم يتم القبض عليه طوال هذه المدة ولكنه بعد سنوات من محاولته الدفاع عن والده دفع ثمن البنوة ويقبع منذ سنوات في زنزانة انفرادية لم يخرج منها إلا مرتين مرة لدفن والده والمرة الأخرى لدفن شقيقه عبد الله مرسي .
5- عائشة الشاطر ( ابنة خيرت الشاطر)
عائشة الشاطر ابنة القيادي بجماعة الإخوان خيرت الشاطر تم القبض عليها يوم 1 نوفمبر 2018 وتعرضت للاختفاء القسري 21 يوما تعرضت فيهم للتعذيب بحسب ما جاء على لسانها أثناء التحقيق معها عقب ظهورها بنيابة أمن الدولة .
مازالت عائشة الشاطر محبوسه احتياطيا بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية في القضية رقم
1552 لسنة 2018 حصر أمن دولة في زنزانة انفرادية معزولة تماما في محبسها ومحرومة من حقوق المساجين في التريض والزيارة كما انها تعاني من الإهمال الطبي حيث أن عائشة الشاطر تعاني مرض فقر الدم اللاتنسجي وخلال فترة حبسها تدهورت حالتها الصحية وتم نقلها إثر تعرضها لنزيف حاد الى مستشفى القصر العيني ورغم ذلك ما زالت حياتها في خطر لاحتياجها رعاية طبيه متخصصة بشكل مستمر بسبب تعفن الدم أو النزيف .
عائشة الشاطر ام لاطفال وزوجها المحامي الحقوقي محمد هريرة محبوسا احتياطيا في ذات القضية وينص قانون الإجراءات الجنائية في حالة وجود زوجين محكومين ولديهم اطفال يتم الافراج المؤقت عن أحدهما حتى ينفذ الآخر العقوبة لرعاية اطفالها ، لكن من يفبرك القضايا ضد الابرياء ، لن يهتم لتطبيق القانون وإخلاء سبيل أحد الأبوين.
نصت المادة 488 من قانون الإجراءات الجنائية على إذا كان محكوما على الرجل وزوجته بالحبس لمدة لا تزيد على سنة ولو عن جرائم مختلفة ولم يكونا مسجونين من قبل، جاز تأجيل تنفيذ العقوبة على أحدهما حتى يفرج عن الآخر. وذلك إذا كانا يكفلان صغيرا لم يتجاوز خمس عشرة سنة كاملة، وكان لهما محل إقامة معروف بمصر.
ولكن وإن كان ذلك حقا للطفل قبل والديه بقوة القانون فمن باب أولى أن يطبق على المحبوسين احتياطيا الذين مازالوا أبرياء حتى تثبت ادانتهم بحكم قضائي ولكن تأبى الدولة اعمال روح القانون خاصة في حالة عائشة الشاطر التي ينكل بها فقط لأنها ابنة خيرت الشاطر
6- معاذ ومعتصم ومهند مطر (أشقاء الاعلامي معتز مطر )
معاذ مطر تم القبض عليه في آخر ديسمبر 2017 وتم التحقيق معه بعد اخفاؤه قسريا في يناير 2018 على ذمة القضية 640 لسنة 2018 حصر امن دولة متهما بالانضمام لجماعة ارهابية وصدر قرار باخلاء سبيله بتاريخ 4 فبراير 2020 إلا أنه تم تدويره في قضية جديدة بذات الاتهامات وما زال محبوسا حتى الان.
معتصم ومهند تم القبض عليهم والتحقيق معهم في القضية 1413 وتم اخلاء سبيلهم من النيابة ولكن تم التحقيق معهم مرة اخرى وتدويرهم في القضية رقم 1530 لسنة 2019 بذات الاتهامات ومازالوا محبوسين
فقط لأنهم اشقاء معتز مطر المذيع بقناة الشرق يواجهون السجن والتنكيل ، لان اخيهم اعلامي معارض.
7- حازم غنيم (شقيق وائل غنيم )
تم القبض على الدكتور حازم غنيم طبيب الأسنان والمعروف عن حازم أنه ليس له أي علاقة بالسياسة ولم يتردد اسمه قبل واقعة القبض عليه والتي وقعت بعد فترة من عودة ظهور شقيقه وائل غنيم ومعارضته لنظام السيسي يوم 19 سبتمبر 2019 والتي تحدث بشأنها شقيقه وائل غنيم كثيرا عقب واقعة القبض عليه.
تم القبض على حازم غنيم للضغط علي وائل غنيم ، الذي واعتذار عما بدر منه تجاه قيادات النظام خاصة أن وائل غير مقيم بمصر ولا يمكن القبض عليه فما كان من الدولة الا ان قامت بالقبض على شقيقه عوضا عنه وظهر حازم في نيابة أمن الدولة يوم 21 سبتمبر ووجهت إليه اتهامات بالانضمام لجماعة ارهابية في القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة وتم إخلاء سبيل حازم غنيم بتاريخ 18 ديسمبر 2019 .
8- اسلام ويوسف محمد نجيب (أشقاء المعارضة المقيمة في تركيا غادة نجيب )
غادة نجيب الناشطة السياسية والمقيمة بتركيا تعرض أشقائها للحبس الاحتياطي باتهامات نتيجة صلة الدم بشقيقتهم
1.اسلام محمد نجيب تم القبض عليه والتحقيق معه في القضية 441 لسنة 2018 وصدر قرار بإخلاء سبيله بتدابير احترازية
2.يوسف محمد نجيب تم القبض عليه والتحقيق معه في القضية 441 لسنة 2018 وصدر قرار من النيابة بإخلاء سبيله بمرور عامين على حبسه احتياطيا ولم يتم اطلاق سراحه بعدها واختفى قسريا ليظهر بعدها في نيابة أمن الدولة بذات الاتهامات في القضية رقم 880 لسنة 2020 .
9- عمر مجدي شندي ( نجل الصحفي ورئيس تحرير جريدة المشهد )
نجل رئيس تحرير جريدة المشهد وطالب بكلية التربية الموسيقية تم القبض عليه في سبتمبر 2019 وتم التحقيق معه في القضية 1331 لسنة 2019 حصر أمن دولة ووجهت له اتهامات بالانضمام لجماعة ارهابية ونشر اخبار كاذبة
والحقيقة ان عمر ليس له اي علاقة بالسياسة او الشأن العام ولم يكن يوما مهتما بالصحافة كوالده ولكن ايضا عمر كالكثيرين يعاقب بصلة الدم عوضا عن والده للضغط عليه بنجله بدلا من القبض عليه ، حيث يعلم النظام ان هذا سيكون أشد ايلاما .
صدر قرار إخلاء سبيله في يوم 22 سبتمبر 2019 مما يدل على السبب الحقيقي للقبض عليه للضغط فقط على والده للتراجع عن نشر بعض المقالات في جريدة المشهد.
10- مصطفى ماهر ( شقيق أحمد ماهر)
تم القبض على مصطفى شقيق أحمد في شهر مايو 2019 وتم التحقيق مع مصطفى في القضية رقم 741 لسنة 2019 باتهامات مشاركة جماعة ارهابية في تحقيق اغراضها ونشر اخبار كاذبة وتم اخلاء سبيله في مارس 2020 اي بعد قرابة عام من حبسه احتياطيا وفي تلك الفترة كان ينفذ المراقبة الشرطية من السادسة مساء حتى السادسة صباحا .
والحقيقة أنه في حالة مصطفى لم يكن هناك سببا واضحا للضغط على احمد الذي كان منذ خروجه من السجن يكتفي بقضاء المراقبة ومحاولة استعادة حياته مرة أخرى ومع ذلك تم القبض على مصطفى فقط لان شقيقه أحمد ماهر الناشط السياسي وعضو حركة 6 أبريل.
11- مودة العقباوي (ابنة أسامة العقباوي)
الطالبة بالجامعة الكندية وابنة الدكتور أسامة العقباوي رجل الأعمال وعضو اللجنة العليا بحزب الاستقلال والتي تم القبض عليها لكونها ابنته حيث داهمت قوة أمنية منزلهم في 24 يونيو 2019 للقبض على اسامة العقباوي ولم يكن متواجدا فتم القبض على ابنته لإجباره على تسليم نفسه فقام والدها بتقديم بلاغ للنائب العام وتسليم نفسه بعدها مباشرة لاطلاق سراح ابنته إلا أنه تم حنث الوعد وظهرت مودة بنيابة القاهرة الجديدة بعد ثلاثة أيام من الاختفاء القسري ووجهت اليها اتهامات بالانضمام لجماعة ارهابية وحيازة مطبوعات وظلت قيد الحبس الاحتياطي حتى صدر قرار بإخلاء سبيلها يوم 22 مارس 2020 .
12- خمسة من أقرباء الحقوقي المعارض محمد سلطان
ردا على قضية رفعها الحقوقي محمد سلطان المقيم في الولايات المتحدة ، ضد رئيس الوزراء الأسبق حازم الببلاوي ، بتهمة المسئولية و الإشراف على وقائع تعذيبه خلال فترة احتجازه عقب فض اعتصام رابعة العدوية ، قامت قوات الأمن المصرية باقتحام منازل خمسة من أقرباء وأبناء عمومة محمد سلطان في شهر يونيو 2020، واعتقلت الخمسة ، واستمر احتجازهم لمدة خمسة أشهر ، حيث لم يفرج عنهم سوى في بداية نوفمبر 2020 ، ورغم أن البعض يربط خبر الإفراج عنهم إلى فوز المرشح الديمقراطي الدائم الانتقاد للملف الحقوقي المصري ، جو بايدن ، إلا المؤكد أنه ما كان ينبغي القبض عليهم اساسا ، وان علاقاتهم الاسرية بمحمد سلطان ما كان يجب أن تكون ذريعة لهذا الاحتجاز التعسفي.
خاتمه
تؤكد هذه الامثلة على إهدار المبدأ الدستوري الذي أقر واستقر على شخصية الجريمة والعقوبة .
وهذه الامثلة لا تمثل إهدار هذه المواد فقط عبر حبس أبرياء وتشريد أسرهم للانتقام من ذويهم او الضغط عليهم للتراجع عن مواقف معينة ولكن تمثل أيضا اعتداء على الحرية والامان الشخصي و تعريض حياة البعض منهم للخطر كما ذكرنا في حالة عائشة الشاطر ولم تشفع جائحة كورونا لهؤلاء وغيرهم في الخروج من محبسهم حفاظا على حياتهم .