أولاً: التقديم

تخلصت السلطات البحرينية في السنوات الماضية من الكثير من المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والعديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بدعم من السلطات السعودية، بالسجن أو الحياة في الغربة بعد سلسلة طويلة من الملاحقات البوليسية والمحاكمات التي تفتقر إلى أبسط قواعد العدالة. ورغم ذلك لم تكف سلطات القمع في البحرين يدها عن انتهاك الحق في التعبير بل زاد القمع هذا العام ليلاحق النشطاء في خارج البحرين، وكل شخص في الداخل يتواصل معهم أو يتابع حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبدأت حملة القمع الجديدة بخطاب الملك حمد بن عيسى آل خليفة  الذي ألقاه يوم 20 مايو، وأكد فيه أنه وجه “الأجهزة الأمنية المختصة لوضع حد لـسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، ثم تبعه العديد من القيادات السياسية والتنفيذية في البلاد، وانتهت ببث رسائل تهديد نصية تحمل اسم “إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية” لكل من يتابع مواقع النشطاء بالتعرض للمساءلة القانونية.

 

ثانياً: التطور التشريعي والقانوني

وافقت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب على مشروع قانون بإضافة مادة جديدة برقم (9 مكررًا) إلى القانون رقم 60 لسنة 2014، بشأن جرائم تقنية المعلومات، وتنص المادة على معاقبة كل من  قام أو حرّض على المساس بسمعة الأشخاص بالقذف أو السب عن طريق إساءة استخدام إحدى وسائل تقنيات المعلومات، أو التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم باستخدام إحدى وسائل تقنية المعلومات بالحبس والغرامة التي لا تقل عن ألف دينار (2650 دولار تقريباً) ولا تزيد على خمسين ألف دينار (13 ألف و200 دولار تقريبا)، أو بإحدى هاتين العقوبتين:

كما بدأ مجلس وزراء البحرين في جلسته يوم 27 أكتوبر، بحث مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، على أن يُحال إلى مجلس النواب بعد إقراره.

كما صادق ملك البحرين، في 21 مايو، على القانون رقم 8 لسنة 2019 بتعديل المادة 11 من القانون 58 لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، ويعاقب القانون الجديد بالسجن مدة لا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 2000 دينار (5300 دولار تقريباً) كل من قام بأية وسيلة بالترويج أو التمجيد أو التعظيم أو التبرير أو التحبيذ أو التشجيع، لأعمال تُشكّل نشاطًا إرهابيًّا مُعاقبًا عليه، سواء كان ذلك داخل المملكة أو خارجها.

ثالثاً: القضايا الأكثر تأثيراً في حرية التعبير

كان اتهام  وزارة الداخلية للناشط الحقوقي سيد يوسف المحافظة المقيم في ألمانيا، والناشط حسن عبد النبي الستري المقيم في أستراليا بإدارة حسابات إلكترونية تهدف لتشويه سمعة البحرين من أكثر القضايا تأثيراً في الرأي العام خلال هذا العام، وكذلك اتهام الصحفي المقيم في لندن عادل مرزوق ببث روح الفتنة بين مكونات المجتمع البحريني، كما كانت حادثة اعتداء عناصر في السفارة البحرينية في لندن على المصور الصحفي البحريني، المغترب موسى عبد علي، بعدما تسلق مبنى السفارة البحرينية من الحوادث التي شغلت الرأي العام.

 

رابعاً: الإنتهاكات التي نالت من حرية التعبير

المنع من العمل

منعت السلطات البحرينية، 25 يونيو، مراسل وكالة الأناضول أسعد فرات، من دخول البلاد لتغطية مؤتمر “ورشة السلام من أجل الازدهار”، المعروف بـ”مؤتمر المنامة”، الذي يناقش الجوانب الاقتصادية لخطة التسوية السياسية الأمريكية بالشرق الأوسط المعروفة باسم “صفقة القرن”، وذلك بدعوى عدم حصول أسعد على اعتماد من أجل ذلك، في الوقت الذي سمحت فيه لنحو سبعة صحفيين إسرائيليين بدخول أراضيها لنفس الغرض.

كما رفضت المؤسسة المنظمة للورشة منح اعتماد لكافة وسائل الإعلام الروسية، مقترحة عليهم متابعة الأحداث عبر موقع يوتيوب.

الاعتداءات

سُجل، خلال عام 2019، العديد من حوادث الاعتداء على أصحاب الرأي في سجن جو، أوعلى المتظاهرين أثناء المسيرات الاحتجاجية في الأحياء ذات الغالبية الشيعية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك اعتداء عناصر في السفارة البحرينية في لندن يوم 26 يوليو، بالضرب المبرح على المصور الصحفي البحريني، المغترب، موسى محمد، الشهير باسم “موسى عبد علي”، بعدما تسلق مبنى السفارة البحرينية احتجاجاً على تنفيذ حكم الإعدام في المواطنين علي العرب، وأحمد الملالي.

كما سبق وقامت السلطات البحرينية في 10 يونيو، بهدم مبنى صحيفة الوسط ومحو أثر الصحيفة، بعد عامين من القرار اﻻنتقامي بإيقاف صدورها وتسريح 180 من موظفيها في 4 يونيو 2017.

الحبس

استخدمت السلطات البحرينية الاستدعاء والاستجواب والتحقيق والحبس على نطاق واسع خلال هذا العام، وعلى سبيل المثال اعتقلت قوات الأمن هدير عبدالله حسن عبادي (25 عاماً)، شقيقة المعتقل أحمد عبادي من بلدة كرزكان، في 14 يناير، بعد استدعائها للتحقيق عبر الهاتف، ومنذ ذلك الحين استمر حبس هدير احتياطياً على ذمة التحقيق بزعم “الانضمام لجماعة إرهابية” حيث رفضت النيابة الإفراج عنها بضمان محل إقامتها حتى برأتها المحكمة يوم 27 أغسطس من كافة التهم الموجهة إليها، بعدما قضت في الحبس الاحتياطي نحو 6 شهور.

كما أمرت النيابة العامة يوم 14 أبريل، بحبس الكاتب الصحفي في جريدة أخبار الخليج إبراهيم الشيخ بعد أن وجهت له اتهامات بـ”بث الشائعات في زمن الحرب” بسبب انتقاده الطريقة الإعلامية لتغطية الحرب التي تقودها السعودية في اليمن من خلال مقال نشره على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “التضليل الإعلامي.. ونكباتنا العسكرية!” ثم أُفرج عنه في 18 أبريل.

كما استخدم الحبس مع عضو مجلس النواب السابق أسامة جابر مهنا التميمي، الذي يجاهر بأرائه المناهضة لقمع النخبة السنية الحاكمة للأغلبية الشيعية، حيث اعتقلته قوة من  مديرية التحقيقات الجنائية من منزله يوم 6 أغسطس، بتهمة “التزوير” بعد سلسلة من التهديدات الأمنية.

وفي واقعة أخرى أمرت النيابة العامة البحرينية يوم 17 أبريل، بحبس النائب السابق محمد خالد، بتهمة “نشر أخبار ومعلومات مكذوبة من شأنها الإضرار بالنظام العام”، على خلفية تغريدات نشرها على موقع تويتر، ثم أفرجت عنه النيابة يوم 18 أبريل، واُستخدم الحبس أيضاً مع المحامي عبدالله هاشم، حينما استدعته النيابة العامّة للتحقيق يوم 15 مايو، وأمرت بحسبه لمدّة أسبوع على ذمّة التحقيق، والتحفظ على هاتفه بعد أن أسندت إليه تهمة “نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالنظام العام” على خلفية تغريدات نشرها على حسابه في موقع تويتر.

كما قرّرت النيابة العامّة يوم 4 أغسطس، إحالة الناشط السياسي علي جاسم، إلى المحاكمة محبوساً، بزعم “سب الذات الإلهية” عبر حسابه الخاص على إنستغرام، كما استمر حبس عالم الدين الشيعي محمد الرياش، يوم 8 أكتوبر لمدة أسبوع على ذمة التحقيق بتهمة “إهانة يزيد بن معاوية“.

المحاكمة

مثلما استخدمت السلطات البحرينية الحبس الاحتياطي على نطاق واسع فقد استخدمت أيضاً المحاكمات كأداة لقمع المعارضين وأصحاب الرأي، فعلى سبيل المثال قضت محكمة بحرينية يوم 13 مارس بسجن المعارض البحريني عضو اللجنة المركزية لجمعية وعد (جمعية العمل الوطني الديمقراطي)، إبراهيم شريف 6 أشهر ودفع 500 دينار (نحو  1325دولار) لوقف التنفيذ بزعم “إهانة رئيس دولة أجنبية”، وذلك على خلفية تغريدة نشرها شريف يدعم فيها التظاهرات في السودان.

واستندت الدعوى إلى تغريدة نُشرت في 25 ديسمبر 2018، مرفقة بصورة للبشير، تقول: ” إرحل يا زول.. قبل 30 عاما جاء عمر البشير على ظهر دبابة بزعم “الانقاذ”، وفي عهده تفاقمت الحروب الأهلية وحدث انفصال الجنوب وأفقر وجوع وأذل الشعب السوداني الطيب الكريم. حان وقت الحرية للسودانيين ورحيل الرئيس المستبد”.

كما رفضت محكمة الاستئناف يوم 17 سبتمبر، الطلب الذي تقدم به الفريق القانوني للمدافع الحقوقي البارز نبيل رجب، للنظر في استبدال العقوبات الصادرة ضده بالخدمة المجتمعيّة ضمن قانون العقوبات البديلة. وينفذ نبيل رجب حكما بالسجن لمدة خمس سنوات بدعوى “الإساءة لدولة أجنبية” على خلفية تغريدات انتقد فيها الحرب التي تشنها السعودية والتحالف الموالي لها في اليمن، كما يقضي نبيل رجب حكما آخر بالسجن لمدة سنتين على خلفية مقابلات مع وسائل الإعلام انتقد فيها الحكومة البحرينية.

الترهيب

لم تقف السلطات البحرينية عند تهديد أصحاب الرأي من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين بل امتد التهديد إلى المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي حيث هددت وزارة الداخلية البحرينية يوم 30 مايو، المواطنين المقيمين باتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يتابع “الحسابات المسيئة للأمن الاجتماعي في البحرين”، داعية إياهم إلى إلغاء متابعتهم لتلك الحسابات.

واتهمت وزارة الداخلية في بيان لها الحقوقي المقيم في ألمانيا سيد يوسف المحافظة والناشط المقيم في أستراليا حسن عبدالنبي الستري بـ”إدارة حسابات إلكترونية تهدف لتشويه سمعة البحرين”، كما اتهمت الصحفي المقيم في لندن عادل مرزوق يوم 21 مايو، بـ”بث روح الفتنة بين مكونات المجتمع البحريني”، وهددته هو وكل من يروّج لرسائله بالملاحقة القانونية.

 

خامساً: الاتهامات الأكثر شيوعاً ضد حرية التعبير

كانت من أكثر الاتهامات شيوعاً في البحرين خلال عام 2019، الاتهام بـ”الانضمام لجماعة إرهابية”، “بث الشائعات في زمن الحرب”

نشر أخبار ومعلومات مكذوبة من شأنها الإضرار بالنظام العام”، “نشر أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالنظام العام”، وتهمة “سب الذات الإلهية”، و“إهانة يزيد بن معاوية“، “إهانة رئيس دولة أجنبية”، و”إدارة حسابات إلكترونية تهدف لتشويه سمعة البحرين” بالإضافة إلى تهمة “بث روح الفتنة بين مكونات المجتمع البحريني.”

 

سادساً: الضحايا

ضمت قائمة الضحايا في البحرين كل من سيد يوسف المحافظة، والناشط حسن عبدالنبي الستري، المدافع الحقوقي نبيل رجب، الصحفي عادل مرزوق، المصور الصحفي موسى عبد علي، مراسل وكالة الأناضول أسعد فرات، الكاتب الصحفي إبراهيم الشيخ، عضو مجلس النواب السابق أسامة جابر مهنا التميمي، النائب السابق محمد خالد، المحامي عبدالله هاشم، الناشط السياسي علي جاسم، عالم الدين الشيعي محمد الرياش، الناشط السياسي إبراهيم شريف، وهدير عبدالله حسن عبادي.