أولاً: التقديم

حكمت حالة حرية الرأي والتعبير في الجزائر خلال هذا العام ثورة الشعب على استمرار حكم بوتفليقة والشريحة السياسية التي نهبت ثروات البلاد وقمعت كل الآراء المعارضة. ففي 22 فبراير كسر المحتجون كل حواجز الخوف وانطلقوا في مظاهرات حاشدة للاعتراض على ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات المقرر إجراؤها في 18 أبريل 2019، وتميزت هذه المظاهرات بطابعها السلمي رغم الأعداد الكبيرة التي شاركت فيها.

أما عن بوتفليقة فهو يعد أطول رؤساء الجزائر خدمة، حيث أنه يحكم الجزائر منذ عام 1999، لأربع ولايات متصلة، ويبلغ من العمر 81 عاماً، واستمر في الحكم رغم إصابته بجلطة دماغية منعته من الحركة والقدرة على الكلام منذ عام 2013، ولم يظهر في العلن إلا عددا محدوداً من المرات.

وعلى الرغم من زيادة عدد الاحتجاجات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة إلا أن الجزائر لم تتأثر بالموجة الأولى لثورات الربيع العربي في عام 2011.

اختار الرئيس المستقيل بوتفليقة، ليلة 2 أبريل 2019، لإنهاء 20 عاماً قضاها في الحكم، بإرسال خطاب استقالته إلى الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري، أخطره فيه باستقالته من الرئاسة اعتباراً من 2 أبريل. فِي 9 أبريل 2019 أعلن البرلمان الجزائري بغرفتيه عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة لمدة 90 يوما بعدما أعلن رسميا الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية.

ثانياً: التطور التشريعي والقانوني

بعد انطلاق الثورة في الجزائر يوم 22 فبراير، ونجاحها في الاطاحة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مساء 2 أبريل، لم يناقش البرلمان الجزائري قوانين تتعلق بشكل مباشر بحرية الرأي والتعبير، وإنما استجاب المجلس لحراك المواطنين وناقش قوانين تتعلق بالشفافية ومحاربة الفساد، إلى جانب القوانين والإجراءات المتعلقة بتأسيس الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتشريع قانون جديد للانتخابات.

حيث صادق البرلمان الجزائري بغرفتيه المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمة، يومي 12، و13 سبتمبر، بالأغلبية على مشروع قانون إنشاء لجنة عليا للانتخابات، لأول مرة في تاريخ البلاد، إلى جانب تعديلات على قانون الانتخاب.

كما صدَّق مجلس الوزراء الجزائري، الإثنين 14 أكتوبر 2019، على مشروع قانون يمنع العسكريين المتقاعدين، من الترشح للانتخابات أو ممارسة أي نشاط سياسي مدة 5 سنوات بعد إنهاء الخدمة، وإن كان يُبقي على حقهم في التصويت بالانتخابات.

ثالثاً: القضايا الأكثر تأثيراً في حرية التعبير

كان هناك أكثر من قضية شغلت الرأي العام وكانت أكثر تأثيراً في حرية الرأي والتعبير خلال هذا العام من بينها رفع علم الامازيغ أثناء التظاهرات، وانقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض وذلك على أثر اعتقال 19 متظاهراً يوم 21 يونيو، بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”.

كما كانت وفاة الناشط الحقوقي كمال الدين فخار يوم 28 مايو، بسبب مضاعفات صحية ناجمة عن إضرابه عن الطعام احتجاجاً على سجنه بسبب تدوينات على صفحته في موقع فيسبوك من القضايا الهامة خلال العام والتي طرحت على الرأي العام قضية سجناء الرأي، وخرجت على خلفيتها المظاهرات المطالبة بالإفراج عن كل سجناء الرأي.

وشغلت الرأي العام أيضا مسألة التدخل العنيف لقوات الأمن لفض اعتصام عاطلين عن العمل في دائرة تينركوك بولاية أدرار، جنوب العاصمة يوم 14 مايو، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين، وأسفرت عن إصابة العشرات وصفت إصابة بعضهم بالخطيرة.

رابعاً: الإنتهاكات التي نالت من حرية التعبير

منع الفعاليات

منعت إدارة كلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، يوم 25 أبريل، ندوة للأساتذة كان من المقرر أن تتناول “اﻻنتقال الديمقراطي في الجزائر”، وأغلقت الإدارة جميع قاعات الكلية دون تقديم سبب واضح.

وفي واقعة أخرى قام ضابط بالدرك الوطني مكلف بغلق المحور الدائري لحي جبل الوحش في قسنطينة، بمنع صحفي ”الخبر” من تغطية أحداث حريق ضخم نشب بغابة جبل الوحش، يوم 3 أغسطس، على عكس باقي الصحفيين بالولاية الذين سمح لهم بالمرور.

الحجب

استطاعت السلطات الجزائرية ممارسة الضغوط على الصحف المستقلة والقنوات التليفزيونية لمنعها من نقل الأخبار بصدق وفي الوقت المناسب، ومنعها أيضا من فتح المجال أمام أصوات المعارضة، ولذلك ظهرت الحاجة إلى المواقع الإخبارية التي استخدمت التقنيات الجديدة مثل البث المباشر والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي واللغة البسيطة لتوصيل الرأي والمعلومة بصدق إلى الجمهور. ولذلك اتجهت السلطات في الجزائر إلى حجب المواقع الإخبارية، للحد من تأثيرها الملحوظ على تشكيل الرأي العام.

وعلى سبيل المثال أعلن لوناس قماش، مدير الموقع الإخباري “كل شيء عن الجزائر” أنه تم حجب الموقع منذ يوم 12 يونيو، عن قرّائه في الجزائر بينما يعمل كالمعتاد في الخارج، بسبب تغطيته للحركة الاحتجاجية في الجزائر.

وتضامناً مع المواقع الإلكترونية التي تعرضت للحجب نظم مجموعة من الشباب وقفة احتجاجية بالجزائر العاصمة يوم 17 يونيو، ووقف المحتجون دقيقة صمت قاموا فيها بتكميم أفواههم بأيديهم.، وذلك للتعبير عن احتجاجهم.

كما منعت الاتصالات الجزائرية الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام” و”يوتيوب”، فضلا عن تطبيق “واتساب” منذ يوم 16 يونيو، بدعوى منع الغش وإحباط محاولات تسريب مواضيع الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لجأت شركة “اتصالات الجزائر” الحكومية، إلى حجب موقع “يوتيوب” والعديد من خدمات “غوغل” في الجزائر، مرة أخرى مساء 8 أغسطس، واستمر الحجب حتى منتصف الليل، وذلك بعد نشر فيديو دعا فيه وزير الدفاع الجزائري السابق، خالد نزار، أفراد الجيش الجزائري، إلى “أن يدركوا مطالب الشعب”، وهو ما فُسر على أنه طلب للإطاحة بقائد الجيش، أحمد قايد صالح.

الاعتداءات

استخدمت السلطات الجزائرية العنف في محاولة السيطرة أو منع فعاليات سلمية للتعبير عن الرأي وعلى سبيل المثال اقتحمت قوة أمنية كلية الحقوق في العاصمة الجزائرية يوم 17 أبريل، أثناء نقاش الطلبة والأساتذة حول مساهمتهم في الحراك الذي تشهده البلاد، ونفت إدارة الكلية في بيان لها أي اتصال بقوات الأمن أو ترخيص لها بالدخول للحرم الجامعي.

كما تدخلت قوات الأمن بالعنف يوم 14 مايو، لفض اعتصام عاطلين عن العمل في دائرة تينركوك بولاية أدرار، على بعد حوالى 1500 كلم جنوب الجزائر العاصمة واعتقلت بعض المعتصمين مما أسفر عن اندلاع مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين، وأسفرت المواجهات عن إصابة أربعة في صفوف المحتجين بجروح خطيرة، وجرح 14 في صفوف الشرطة.

وفي واقعة أخرى قامت قوات مكافحة الشغب يوم 28 يوليو، بفض اعتصام أربعة شباب من العاطلين أمام المجمع الغازي حاسي بارودة بأوقروت في ولاية أدرار، على خلفية ملف التشغيل بالولاية، وجاءت خطوة الشباب الاحتجاجية، بعد استنفاذ كل الحلول ومحاولات التوسط بين العاطلين ووكالات التشغيل بالمنطقة.

وعلى خلفية حالة الاحتجاجات العامة وفقدان الثقة في السلطات الجزائرية اقتحم عدد من الطلبة والمحتجون في الجزائر يوم السّبت 17 أغسطس، نّدوة عقدها أعضاء اللجنة الوطنية لإدارة الحوار في مقرها بشارع العربي بن مهيدي وسط العاصمة، للإعلان عن تشكيل لجنتها الاستشارية، واتهم المحتجون أعضاء اللّجنة بـ “خيانة” إرادة الشّعب وإدارة الظّهر للهبة السلمية التي خرج من أجلها الجزائريون منذ 22 من فبراير 2019.

الجدير بالذكر أن الهيئة الوطنية للوساطة والحوار، هي لجنة غير حكومية تم تشكيلها في 25 يوليو 2019، بناء على مبادرة من الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح.

وعلى جانب الاعتداء على الصحفيين والإعلاميين فقد تعرض الصحفي هشام همال، رئيس مكتب وكالة الأنباء الجزائرية في تبازة (غرب العاصمة)، يوم 19 أبريل، لاعتداء من مجموعة من المتظاهرين، أثناء تغطية مسيرة الجمعة التاسعة بتيبازة لوكالة الأنباء الجزائرية، بدعوى تصوير النساء دون إذن.

كما تعرض رئيس تحرير صحيفة “لو بروفينسيال” اليومية مصطفى بن جامع، للاعتداء بالصفع واللكم يوم 28 يونيو، على أيدي أفراد من مصلحة الاستعلامات التابعة للشرطة في عنابة شرق البلاد، بينما كان ينقل التظاهرة مباشرة من خلال صفحته على فيسبوك.

وفي القاهرة تعرض الصحفي رفيق وحيد، مبعوث صحيفة “الخبر” لتغطية مشاركة المنتخب الوطني في “الكان” يوم 4 يوليو، لمحاولة اعتداء من المدير المساعد للمنتخب الجزائري لمين لعبدي.بسبب انتقاد صحفي “الخبر” لأداء رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم خير الدين زطشي.

فيما اعتدت قوات الأمن على الصحفي محمد جرادة مراسل قناة “الحرة”، يوم 5 أكتوبر، بالضرب أثناء تصوير تجمع حضره العشرات لإحياء الذكرى الحادية و الثلاثين من أحداث 5 أكتوبر، ثم احتجزته والمصور المرافق له داخل إحدى مركباتها لفترة قصيرة واستولت على كاميرا التصوير وهاتف المصور الشخصي ومسحت كل ما قاما بتصويره.

الحبس

يعد الحبس من أكثر الطرق التي تستخدمها السلطات الجزائرية في تقييد حرية التعبير، ولكن السجن لم يمنع الحقوقي كمال الدين فخار من التعبير عن احتجاجه عن الظلم حتى وفاته، فقد توفى الناشط الحقوقي كمال الدين فخار يوم 28 مايو، في مستشفى “فرانز فانون” بالبليدة (50 كلم عن العاصمة)، بعد نقله إليها بسبب مضاعفات صحية ناجمة عن إضرابه عن الطعام احتجاجا على سجنه بسبب تدوينات على صفحته في موقع فيسبوك.

وطال الحبس العديد من الناشطين في المظاهرات، حيث اعتقلت قوات الشرطة يوم 31 مايو، عددًا من المتظاهرين والناشطين، لمنعهم من التظاهر قرب ساحة البريد المركزي وسط العاصمة الجزائرية، تزامنًا مع خروج الجزائريين للتظاهر في الجمعة الـ15 من الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ 22 فبراير الماضي.

كما اعتقلت السلطات،مدير الاتصال بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أحمد بن شمسي،  يوم الجمعة 9 أغسطس، أثناء مشاركته في المظاهرات المطالبة برحيل رموز نظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وتم الإفراج عنه بعد يوم من اعتقاله..

ومن ناحية أخرى أمر قاضي التحقيق بمحكمة سيدي محمد بالعاصمة، يوم 29 سبتمبر، بحبس كل من أحسن قاضي وكريم بوتاتة احتياطياً، ووجهت لهم تهمة توزيع منشورات من شأنها المساس بالمصلحة الوطنية.

كما اعتقلت عناصر الأمن بالوادي يوم 9 أكتوبر، كلًا من فاروق قديري، وعبد العالي بن عمر، وكرام شبرو. بزعم “عرقلة سير وانتهاك حرمة مؤسسة عمومية، السب والقذف، والتقاط صور”، وذلك على خلفية مشاركة النشطاء في وقفة احتجاجية نظمتها جمعية العاطلين أمام وكالة التشغيل.

المحاكمة

استعملت السلطات الجزائرية الحبس كما استعملت العديد من الوسائل للحد من التظاهرات والاحتجاجات الاسبوعية التي استمرت على مدى هذا العام.

وعلى خلفية قضايا الفساد في عهد بوتفليقة أعلن وزير الثقافة السابق، عز الدين ميهوبي، يوم 27 أبريل عن لجوئه إلى القضاء متهماً الصحفي بالتليفزيون العام، عبدالعالي مزغيش، بالتشهير والقذف على خلفية نشر الأخير صورة على صفحته في موقع فيسبوك تجمع الوزير السابق مع رجل الأعمال كمال البوشي، (محبوس في قضية كوكاين)، وهما يستعدان لإجراء مباراة كرة قدم.

وفي قضية أخرى شغلت الرأي العام بين مؤيد ومعارض أمر قضاة التحقيق، يوم الأحد 23 يونيو، بحبس 18 متظاهرا في العاصمة الجزائرية، وواحد في ولاية بجاية (شرق العاصمة)، بعدما أُوقفوا خلال مظاهرات يوم 21 يونيو، بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية” عن طريق رفع راية غير الراية الوطنية و”إهانة هيئة نظامية أثناء عملها”، وذلك على خلفية رفع راية الأمازيغ أثناء التظاهرات.

وبتهمة التحريض على التجمهر، تلقى المحامي والناشط الحقوقي رمزي شخاب، استدعاءً تليفونياً من شرطة الجرائم الإلكترونية التابعة لأمن ولاية خنشلة يوم 1 أغسطس، ليعلم أن النيابة العامة بمحكمة خنشلة قد أحالته إلى المحاكمة بجنحة “التحريض على التجمهر” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك على خلفية فيديو مدته 4 دقائق نشره على حسابه في موقع فيسبوك في فبراير من نفس العام يرفض فيه الولاية الخامسة لبوتفليقة.

وفي 26 سبتمبر، أمر قاضي التحقيق بمحكمة بئر مراد رايس بالعاصمة في 26 سبتمبر، بحبس مراسل قناة “الميادين” سفيان مراكشي احتياطيا بتهمة “إدخال معدات بدون رخصة” و”التهرب الجمركي”.

خامساً: الاتهامات الأكثر شيوعاً ضد حرية التعبير

كانت معظم الاتهامات في الجزائر خلال هذا العام مرتبطة بشكل مباشر بالتظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية وكانت من أشهر الاتهامات “التحريض على التجمهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، و”المساس بالوحدة الوطنية عن طريق رفع راية غير الراية الوطنية” وتهمة “إهانة هيئة نظامية أثناء عملها” وأيضا تهمة “عرقلة سير وانتهاك حرمة مؤسسة عمومية”، وتوزيع منشورات من شأنها المساس بالمصلحة الوطنية.

هذا إلى جانب الاتهامات الشائعة في الماضي ضد الصحفيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مثل “السب والقذف”، و”التقاط صور”، هذا إلى جانب تهمة “إدخال معدات بدون رخصة” و”التهرب الجمركي”

سادساً: الضحايا

ضمت قائمة ضحايا حرية التعبير في الجزائر خلال هذا العام متظاهرين ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين إلى جانب مواقع إخبارية ومن بين الضحايا  الحقوقي كمال الدين فخار، والمحامي والناشط الحقوقي رمزي شخاب، ونشطاء التجمعات السلمية مثل فاروق قديري، وعبد العالي بن عمر، وكرام شبرو، أحسن قاضي وكريم بوتاتة، إلى جانب الصحفي محمد جرادة، والصحفي مصطفى بن جامع، الصحفي رفيق وحيد، الصحفي هشام همال، والصحفي سفيان مراكشي، والإعلامي عبدالعالي مزغيش، إلى جانب المحتجين في اعتصام عاطلين عن العمل في دائرة تينركوك بولاية أدرار، واعتصام  العاطلين أمام المجمع الغازي حاسي.

كما ضمت قائمة الضحايا موقع “كل شيء عن الجزائر” .