أولاً: التقديم

عاشت الجمهورية التونسية عاماً استثنائيا مشحونًا بالأحداث السياسية الهامة التي تؤثر على حالة حرية التعبير في البلاد لعدة أعوام قادمة، فقد شارك المواطنون هذا العام في عمليتين انتخابيتين هما انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، إلى جانب انتخاب رئيس الجمهورية بعد وفاة الرئيس باجي قايد السبسي في 25 يوليو 2019.

وجاءت نتائج الانتخابات خلافاً لكثير من التوقعات حيث أفضت النتائج التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مساء 9 أكتوبر، عن فوز حركة النهضة، يليها حزب قلب تونس في الانتخابات النيابية التي جرت يوم 6 أكتوبر.

أما عن انتخاب رئيس الجمهورية فقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس يوم 17 أكتوبر، رسمياً فوز المرشح قيس سعيد، بمنصب رئاسة الجمهورية في الجولة الثانية التي جرت في 14 أكتوبر، مُتغلبًا على منافسه رجل الأعمال نبيل القروي.

وعلى الرغم من وقوع حالات انتهاك لحرية الصحافة وحرية التعبير بصفة عامة أثناء الانتخابات، لكن يبقى عام 2019 شاهدا على عملية انتقال للسلطة بشكل سلمي في عملية ديمقراطية ناجحة.

أما فيما يتعلق بالصحافة فقد شهدت توظيف عدد من أصحاب وسائل الإعلام لمؤسساتهم في الدعاية السياسية وتسخيرها لصالح مرشحين بعينهم، خاصة بعد غلق عدد من المؤسسات الصحفية بسبب الصعوبات المالية، وامتداد الأزمة إلى الإذاعات المتخصصة غير الهادفة للربح، والمعروفة باسم “الإذاعات الجمعياتية” وعدد من الإذاعات المحلية والقنوات التلفزيونية، وتسبّبت تلك الأزمة في نقص تعددية المشهد الإعلامي.

 

ثانياً: التطور التشريعي والقانوني

لم يصدر عن مجلس نواب الشعب خلال عام 2019، قوانين تتعلق بشكل مباشر بالنشر والصحافة ولكن رغم ذلك ناقش المجلس وأقر عدة قوانين ذات تأثير بالغ على حالة الحريات العامة.

فقد بدأت  لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان يوم 18 يناير 2019، في مناقشة مشروع قانون حالة الطوارئ المعيب الذي تقدم به الرئيس الباجي قايد السبسي للبرلمان في 30 نوفمبر 2018، ليحل محل الأمر الرئاسي لعام 1978.

وتمت مناقشة المشروع وتعديل بعض مواده داخل اللجنة على مدى عدة جلسات حتى صادقت عليه اللجنة معدلا في جلسة 3 مايو، وأوصت الجلسة العامة للمجلس بالمصادقة عليه، ولكن القانون لم يقدم للجلسة العامة خلال هذا العام.

كما صدق مجلس النواب التونسي في دورة استثنائية، يوم 22 أغسطس على تعديلات الفصل 49 من القانون الانتخابي، وأقرت اختزال الآجال الدستورية، وتقصير فترة الطعون لتقع في أجل لا يتجاوز مدة رئاسة الرئيس المؤقت.

وعلى جانب آخر يشهد شهر نوفمبر 2019 الإعلان عن مؤتمر لتأسيس مجلس مستقل غير هادف للربح يعمل على ضمان التعديل الذاتي لوسائل الإعلام واحترام الأخلاقيات وحماية حرية الصحافة والدفاع عن حق المواطنين في الحصول على المعلومات النوعية، تحت مسمى “مجلس الصحافة” وسيتم خلال أعمال المؤتمر المصادقة على مدونة أخلاقيات المهنة الصحفية والقانون الأساسي للمجلس على أن تنطلق أعمال المجلس نهاية شهر نوفمبر من نفس العام.

ثالثاً: القضايا الأكثر تأثيراً في حرية التعبير

من أكثر القضايا تأثيراُ في ملف حرية التعبير في تونس خلال عام 2019، قضية الاعتداء على الصحفيين أثناء تغطية الحملات الانتخابية للمرشحين في الانتخابات التشريعية والرئاسية، وعلى وجه الخصوص اعتداء الدكتور المنصف المرزوقي، على الصحفي أحمد قنوني، أثناء تصوير لقاء إعلامي معه، هذا إلى جانب الاتهامات بشراء إعلاميين ومؤسسات صحفية لصالح بعض المرشحين، كما كانت قضية اتهام المدونة فضيلة بلحاج، بتهمة “الإساءة لموظف عبر شبكة الاتصالات” من القضايا التي شغلت الرأي العام ودفعت العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للتضامن معها، وأخيراً عدم توجيه الدعوة لنقابة الصحفيين لحضور الجلسة المخصصة لأداء الرئيس الجديد قيس سعيد اليمين الدستورية.

 

رابعاً: الانتهاكات التي نالت من حرية التعبير

المنع من العمل

استخدم المنع من البث أو النشر وكذلك منع الصحفيين من تغطية الأحداث من قبل السلطات التنفيذية، وفي بعض الأحيان قدم القائمون على ادارة المؤسسات دعاوى قضائية ضد الصحفيين، وعلى سبيل المثال منعت السلطات التونسية، يوم 1 مارس الجالية الجزائرية المقيمة بتونس، من تنظيم مظاهرة أمام مقر سفارتهم بمنطقة البحيرة وأمام المسرح البلدي بشارع بورقيبة بالعاصمة للاحتجاج على ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، بدعوى “عدم حصولهم على ترخيص مسبق”.

وفي 14 مارس، أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة، قرارين يقضيان بمنع بث برنامج “الحقائق الأربع” على قناة الحوار التونسي الخاصة في فقرته المتعلقة بحادثة وفاة 15 رضيعاً في مستشفى حكومي بتونس العاصمة، وبمنع إعادة البث التلفزيوني لبرنامج خصص لنفس الحادثة على قناة “قرطاج+” الخاصة أيضا.

وجاء قرار المنع بزعم أن ما سيتم بثه “من شأنه أن يمس من سلامة سير البحث ويتعارض مع مبادئ سرية التحقيق الجنائي ويعد تدخلا في سير العدالة”.

ومن ناحية أخرى منع وكيل وزارة التربية بمدنين (جنوب شرق البلاد)، الصحفية عفاف الودرني، مراسلة صحيفة “تونس الرقمية” من تغطية التحرك الاحتجاجي لعدد من المعلمين يوم 13 مايو، قبل أن يهددها بتقديم شكوى ضدها لدى القضاء.

 

الرقابة 

بعد ثورة 14 يناير أصبح عند الصحفيين حساسية خاصة تجاه الرقابة على آرائهم من قبل السلطات التونسية أو إدارة المؤسسة الصحفية وشهد يوم 2 يوليو من عام 2019، وقفة احتجاجية نفذها عدد من صحفيي وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بمقرّ الوكالة احتجاجا على ما اعتبروه تدخّلا في الخطّ التحريري من قبل الرئيس والمدير العام والتضييق على الصحفيين لتمرير أخبار وفق أهواء جهات بعينها، كما ندّد الصحفيون خلال الوقفة بعقوبة الطرد التي طالت مؤخّرا 4 صحفيين من الوكالة إثر إحالتهم إلى مجلس التأديب.

 

الاعتداءات

اٌستخدم العنف اللفظي والبدني من جانب قوات الأمن وأعضاء الحملات الانتخابية ومجهولين خلال عام 2019، فعلى سبيل المثال اقتحمت قوات الأمن، صباح يوم 25 أبريل، مقر قناة نسمة التلفزيونية برادس (9 كم جنوب شرقي العاصمة)، وحجزت على معداتها بتهمة مخالفة مالك القناة للقوانين المنظمة للقطاع السمعي والبصري.

واعتدت قوات الأمن على الصحفيين بهدف منعهم من تغطية الأحداث، فعلى سبيل المثال اعتدى أفراد الأمن بمكتب إذاعة الكاف بباجة ناجي الخلولي، بمقر ولاية باجة أثناء تغطية مسيرات الغضب بباجة التي دعا إليه  اتحاد الشغل بالولاية يوم 15 يونيو، كما اعتدى أفراد الأمن على الصحفية عفاف الودرني والصحفية نعيمة خليصة وحاولوا منعهما من تغطية وقفة احتجاجية لعدد من طالبي اللجوء من جنسيات أفريقية مختلفة يوم 20 يونيو.

ولم يتوقف الاعتداء عند الصحفيين بل امتد ليصل إلى المرشحين في الانتخابات الرئاسية حيث تعرض منزل المرشحة الرئاسية ليلى الهمامي، للإحراق من جانب مجهولين يوم 26 أغسطس.

ومن ناحية أخرى تعرض المعتصمون بمقر وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي من العاملين بالبريد يوم 21 أغسطس، للاعتداء البدني من جانب قوات الأمن، خلال اليوم الثالث لاعتصامهم، مما دفع عددًا من مكاتب البريد بمختلف مناطق الجمهورية إلى إعلان الإضراب عن العمل لمدة أسبوع.

وخلال تغطية الحملات الانتخابية ونتائجها تعرض عدد من الطواقم الإعلامية والصحفيين للاعتداء اللفظي والبدني من المرشحين أو من أعضاء الحملات الانتخابية وعلى سبيل المثال تعرض الصحفي بقناة التاسعة حسام حمد يوم 9 سبتمبر، إلى الاعتداء اللفظي والبدني من أعضاء الحملة الانتخابية للمرشح للانتخابات الرئاسية عبد الكريم الزبيدي، وفي 12 سبتمبر اعتدى الدكتور المنصف المرزوقي، مرشح حزب ”حراك تونس الإرادة“ على الصحفي أحمد قنوني، أثناء تصوير لقاء إعلامي معه، فعند سؤاله عن تغير موقفه من بشار الأسد، رمى المرزوقي، الميكروفون عليه وانسحب من الأستوديو، كما تعرضت كل من سعيدة الطرابلسي وأصيلة بلغيث للعنف اللفظي في شارع الحبيب بورقيبة يوم 13 أكتوبر، من أنصار الرئيس المنتخب قيس سعيد أثناء تغطية الاحتفالات بفوزه.

 

الحبس

استخدمت السلطات التونسية الاعتقال والحبس خلال هذا العام وعلى سبيل المثال اعتقلت قوات الأمن التونسي عضو لجنة الخبراء المعنية بالعقوبات المفروضة على ليبيا منصف قرطاس، بعد وصوله إلى العاصمة التونسية يوم 26 مارس، بزعم “تعمد الحصول على معلومات أمنية متعلقة بمجال مكافحة الإرهاب وإفشائها في غير الأحوال المسموح بها قانونا”، وفي 21 مايو، قررت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بالعاصمة تونس، الإفراج مؤقتاً عن قرطاس ليسافر إلى ألمانيا التي يحمل جنسيتها، وفي حالة أخرى ألقت قوات الأمن القبض على المرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي مؤسس قناة “نسمة” التلفزيونية، يوم 24 أغسطس، على الطريق إلى باجة (شمال غرب تونس)، بمقتضى مذكرة ضبط وإحضار صادرة ضده من إحدى دوائر محكمة الاستئناف بتهمة “غسيل أموال”، قبل إطلاق سراحه يوم 9 أكتوبر.

 

المحاكمة

التحقيق والمحاكمة من الوسائل التي استخدمت في مواجهة النشر وإعلان الرأي في تونس خلال عام 2019، مما أثار التخوفات من انتكاسة مسيرة تقدم حرية التعبير، فعلى سبيل المثال أصدرت دائرة الجنح بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم 16 فبراير، حكما بسجن المدونة فضيلة بلحاج، سنتين بتهم من بينها “الإساءة لموظف عبر شبكة الاتصالات” على خلفية نشر عدة تدوينات على موقع فيسبوك تنتقد فيها  تعامل وزارة الداخلية مع ملف الإرهاب، كما أحالت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية يوم 11 أبريل، الصحفي ببرنامج الحقائق الأربع أسامة الشوالي، إلى دائرة الجنح بصفته متهمًا رفقة ثلاثة متهمين من العاملين بمركز رعاية المسنين بالمدينة بعد الاعتداء عليه من قبل العاملين بالمركز يوم الاثنين 8 أبريل أثناء تصويره الاعتداءات التي تطال المسنين المقيمين بالمكان، ومثلت كذلك الصحفية يثرب المشيري أمام المحكمة الابتدائية بتطاوين يوم الخميس 18 أبريل، على خلفية دعوى رفعتها النقابة المحلية للحرس الوطني، بزعم “القذف ونشر أخبار كاذبة” على خلفية تحقيق صحفي حول تهريب صقور على الحدود التونسية الليبية.

وفيما له علاقة بالمحاكمات أيضاً فقد أحيل مرة أخرى الإعلامي حمزة البلومي والصحفي أسامة الشوالي للتحقيق يوم 8 أكتوبر، بتهمة “تشويه القضاء” وذلك على خلفية تحقيق بثه برنامج الحقائق الأربع حول حصول قاضي بصفاقس على رشوة.

 

خامساً: الاتهامات الأكثر شيوعاً ضد حرية التعبير

استخدمت السلطات التونسية عددًا من المزاعم لتبرير انتهاكات حرية التعبير وكان أكثرها شيوعًا: عدم الحصول على ترخيص مسبق؛ التدخل في سير العدالة؛ مخالفة القوانين المنظمة للقطاع السمعي والبصري؛ وتعمد الحصول على معلومات أمنية متعلقة بمجال مكافحة الإرهاب وإفشائها في غير الأحوال المسموح بها قانونا. هذا إلى جانب تهم غسيل أموال، و الإساءة لموظف عبر شبكة الاتصالات، وتهمة القذف ونشر أخبار كاذبة، وأخيرا تهمة تشويه القضاء.

 

سادساً: الضحايا

شملت قائمة الضحايا في تونس خلال هذا العام المدونة فضيلة بلحاج، الصحفية عفاف الودرني، الصحفي ناجي الخلولي، والصحفية نعيمة خليصة، الصحفي حسام حمد، الصحفي أحمد قنوني، الإعلامي حمزة البلومي والصحفي أسامة الشوالي، الصحفية يثرب المشيري، والصحفية سعيدة الطرابلسي، وأصيلة بلغيث، إلى جانب الخبير الأممي منصف قرطاس، ونبيل القروي مؤسس قناة “نسمة” التلفزيونية.

وضمت قائمة الضحايا أيضا المرشحة الرئاسية ليلى الهمامي، ومقر قناة نسمة التلفزيونية برادس، برنامج “الحقائق الأربع”، والجالية الجزائرية المقيمة بتونس، بالإضافة إلى العاملين بالبريد المعتصمين بمقر وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي.