المقدمة

مؤتمرات الشباب، النافذة التي افتتحها النظام كممر للشباب، أو هكذا على الأقل تدعي الدولة منذ بدايتها وحتى اليوم. تنقسم مؤتمرات الشباب إلى مؤتمرات دولية؛ تلك التي تنعقد بشكل مستمر في شرم الشيخ، والذي كان يبدو في البداية أنها ستستمر جزء من فكرة المؤتمرات ككل، إلا أن المؤتمرات الدولية أصبحت محصورة في شباب بعينهم تم اختيارهم بناءًا على الثقة في ولائهم للدولة من شتى الجوانب، وانفصل مؤتمر الشباب الوطني بعد أول مؤتمر، وتركز هذه الورقة على مؤتمرات الشباب المحلية، التى انعقدت “ثمانية مرات” بشكل يفتقد النمطية الزمنية، بينما يبدو من تحليله حفاظه على شيء من النمطية من حيث الأسلوب والحضور. وبما أنها أصبحت نوعًا من التقاليد للنظام الحالي، ومتكررة بشكل مكثف(8 مؤتمرات في 3 سنوات). فمن الهام النظر فيها اليوم بنوع من التفحص، للإجابة عن سؤال بسيط: هل مؤتمرات الشباب ناجحة؟ وهل حققت أهدافها المعلنة؟ كما ينبغي قياس تكلفتها ومقارنتها بالعائد منها، ليتضح من أين يتم الإنفاق على تلك المؤتمرات، ولماذا؟

مؤتمرات الشباب، البداية والاستمرارية

في أكتوبر 2016، عقد المؤتمر الأول للشباب في شرم الشيخ، وكان مؤتمرًا عالميًا وليس خاصًا بمصر وحدها، وشهد عددًا متنوعًا من الفعّاليات. تم الإعلان عن المؤتمرات الشبابية كجزء من اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي وقتها بالشباب. وحضر المؤتمر الشبابي الأول رئيس الجمهورية وعدد من المسؤولين والوزراء، إضافة إلى أكثر من 3000 شاب، واستمر ثلاثة أيام، وشمل 84 جلسة وورشة عمل، وكان إلى حد كبير مؤتمرًا متنوعًا؛ فقد شملت الجلسات وورش العمل عددًا كبيرًا من الموضوعات، منها المشاركة السياسية للشباب، وقضايا الاعتقالات للشباب، وتم العمل على إعداد قوائم للعفو وقتها، كما تم مناقشة سبل تطوير منظومة الإعلام، وخطة الإصلاح الاقتصادى، كما حضر المؤتمر الأول عدد كبير من المثقفين والفنانين، وشهد عددًا من الفعّاليات الرياضية منها مارثون رياضي.[1]

– في ديسمبر 2016، عقد المؤتمر الدوري الأول التابع للمؤتمر الأول، هكذا على الأقل تم تسميته، بعد أن تم الإتفاق على عقد مؤتمر دوري (وطني) دون تحديد لمدة الدورة. وعقد المؤتمر في القاهرة في فندق الماسة بمشاركة نحو 1000 شاب واستمر لثلاثة أيام، وشمل ست جلسات وورش عمل، وتم اعتماد 10 ساعات عمل.[2]

– في يناير 2017، المؤتمر الوطني الثاني للشباب. انعقد في أسوان وشارك فيه 1300 شاب من محافظات الصعيد، وركز المؤتمر على مشاكل الصعيد بشكل عام، وشمل 11 جلسة وورشة عمل وتم اعتماد 20 ساعة عمل. [3]

– في أبريل 2017 ، المؤتمر الثالث للشباب، انعقد في مدينة الإسماعيلية، وشارك فيه حوالي 1200 شاب من إقليم قناة السويس، وأهم ما يميز هذا المؤتمر بداية تدشين فقرة “إسأل الرئيس” والتي أصبحت الفقرة الأهم مع الوقت. شمل المؤتمر ست جلسات وورش عمل، وتم اعتماد 11 ساعة عمل. [4]

– في 25 يوليو 2017 ، المؤتمر الرابع للشباب، انعقد في مدينة الإسكندرية بقاعة المؤتمرات الكبيرة بمكتبة الإسكندرية. استمر ليومين، وتميز هذا المؤتمر بنقطة تحول في نوعية الحضور، حيث أنه شهد حضور 1500 شاب من محافظات إقليم غرب الدلتا أغلبهم كان من شباب الدفعة الثانية من البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة- (PLP)، بالإضافة لممثلي شباب جمعيات رجال الأعمال، وأمناء الشباب فى الأحزاب السياسية، ومجموعة من الشباب العاملين فى الجمعيات الأهلية والعمل التطوعى. [5]

– في 16 مايو 2018، المؤتمر الخامس للشباب، انعقد في القاهرة في فندق الماسة مرة أخرى، وتقلص عدد الجلسات في هذا المؤتمر إلى ثلاث جلسات فقط، أبرزها كان جلسة “إسأل الرئيس”. [6]

– في 28 يوليو 2018، المؤتمر السادس للشباب، انعقد في القاهرة أيضاً، لكن تلك المرة في قلب جامعة القاهرة، وحضر المؤتمر حوالي 3000 شاب، واستمر لمدة يومين وشهد سبع جلسات، وكانت أبرز الجلسات “إسأل الرئيس”. [7]

– في 30 يوليو 2019، المؤتمر السابع بعد انقطاع عام كامل، على خلاف العادة، عاد مؤتمر الشباب في العاصمة الإدارية -في الجزء المنتهي منها-، وحضر المؤتمر حوالي 1500 شاب، أغلبهم من ممثلي الأحزاب وشباب الجامعات والتابعين لمشروع إعداد القادة التابع للحكومة، واستمر لمدة يومين. [8]

– في 14 سبتمبر 2019، تقرر عقده بشكل مفاجئ، حيث قام مكتب الرئاسة بالتحضير لمؤتمر جديد بالرغم من أن الأغلبية كان لديهم ظن أنه سيُقام في نهاية العام. لكن المؤتمر الثامن للشباب جاء بعد أقل من شهرين من المؤتمر السابع، واستمر ليوم واحد فقط في القاهرة بمركز المنارة للمؤتمرات. [9]

من أين لك هذا، الأموال التي تنفق من أين وإلى أين؟

من خارج ميزانية الدولة، جهات مانحة دولية، وفلوس دعايا وإعلانات، وممولين ورعاة من الداخل، هكذا جاء الرد من مصادر مختلفة من الدولة،[10] حينما أثار البعض نقطة التكلفة والإنفاق خاصة في ظل الظروف الإقتصادية الحالية، لكن من الصعب العثور على معلومات محددة تخص حجم الإنفاق على مؤتمرات الشباب، أو معرفة الممولين لهذه الفعاليات بشكل محدد، لكن هناك -بعض- المعلومات التي تمكنا من الوصول لها، والتي توضح بشكل كبير خط سير الأموال -بعضها على الأقل- من أين يأتي وإلى أين وكيف يذهب:

البنك التجاري الدولي CIB – وبنك المصرف المتحد [11](البنك سيتم بيعه لصالح مستثمر أمريكي خلال 3 أشهر وفقاً لتصريح طارق عامر[12])، وبنك القاهرة، بالإضافة إلى شركة المصرية للإتصالات، بالإضافة إلى شركة طلعت مصطفى للعقارات، وقنوات إعلامية مثل DMC.

– المؤتمر الأول والذي كان بشكل ما متوسع وشهد تجهيزات مكثفة وعدد حضور ضخم، كانت تكلفته وفقاً لجريدة المصريون 5 ملايين جنيه، ولم يتسنى لنا التأكد من الأرقام من أي مصدر آخر، رفض أحد المنتظمين في حضور المؤتمر الإدلاء بأي أرقام أو إعطائنا مصادر من المنظمين لمعرفة حجم التكلفة.[13]

– المؤتمر الثاني للشباب الوطني وصلت تكلفته ل3.5 مليون، هذا بخلاف ما يتم إنفاقه على تأمين المسؤولين والحضور، وهو الأمر الذي يصل لقرابة ال2 مليون جنيه. [14]

– ليس ثمة معلومات متاحة عن حجم الإنفاق في باقي المؤتمرات، إلا أنه وفقا لعدد الحضور المتقارب مع المؤتمر الثاني فيمكننا إعتماد مبلغ ال5 مليون كرقم تقريبي متوسط لباقي المؤتمرات، نظرا لعدم إتاحة أي معلومات رسمية، أي حوالى 40 مليون جنيه عن الثمانية مؤتمرات تقريبا.

– أكد بعض الشباب[15] الذين حضروا المؤتمر أن الإقامة في المؤتمرات تكون في فنادق مختلفة، تنقسم إلى مستويات، وأن الفنادق تكون خاصة غالباً، ويقيم وفد المسؤولين والضيوف الـ VIP – في فنادق لا تقل عن خمس نجوم، في حين تنخفض درجة الفندق على حسب توزيع الحضور، حتى أنها تصل لفنادق ثلاث نجوم للشباب المسجل عن طريق الانترنت المقبول في بعض الأحيان.

– تكون كافة تكاليف المؤتمر مدفوعة بالكامل من قبل منظمي المؤتمر من إقامة وتنقلات وأي نفقات خلال مدة المؤتمر، ويتم توفير الإقامة فقط في المؤتمرات المقامة خارج القاهرة.

شكل وتكوين الحضور في مؤتمرات الشباب الوطنية

ينقسم الحضور في مؤتمرات الشباب الوطنية إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

– من يتم تقديم دعوات لهم عن طريق مكتب رئاسة الجمهورية مباشرة.

– شباب تابعين لجهات بعينها مثل: تنسيقية الأحزاب “يضم 15 حزب وشخصيات سياسية”، ومجموعة كبيرة من شباب إتحاد الطلاب في الجامعات، وشباب من أنشطة مختلفة ثقافية ورياضية، وشباب البرنامج الرئاسي للتأهيل للقيادة PLP.

– مقدمو طلبات الحضور عن طريق الصفحة الإلكترونية.

ونتناول كل قسم بشيء من التوضيح:

– وفقاً لمصادر فإن الدعوات تكون من مكتب رئيس الجمهورية مباشرة، وتكون لشخصيات بعينها، أو لمنظمات تابعة للدولة من منظمات المجتمع المدني، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للمرأة، ألخ…، ويتم معاملة هؤلاء ضمن وفد المسؤولين من وزراء أو أعضاء مجلس النواب معاملة ضيوف مهمين، من حيث الإقامة والتنقل وخلافه، ونسبة هؤلاء المدعوين من الرئاسة حوالي 25% في متوسط المؤتمرات.

– القسم الأكبر من الحضور ويصل لحوالي 60% يكون عن طريق المؤسسات التي أصبحت ثابتة الحضور في كل المؤتمرات، ومنها تنسيقية الأحزاب والتي تضم 15 حزب -من الأحزاب الموالية للدولة- وشخصيات سياسية معروف عنها ولائها أيضاً، في حين أن باقي الأحزاب مثل حزب الدستور أكد أنه لم يتم دعوته حتى للحضور في المؤتمرات الأخيرة بأي شكل، وكذلك أغلب أحزاب المعارضة، وشباب البرنامج الرئاسي هم المسؤولين عن تنظيم المؤتمر والعمل على تنسيق فقراته وتوزيع الأدوار، كما تحدث لنا مصدر عن أن هؤلاء الشباب يتم تدريبهم بشكل مكثف على توقيتات الضحك والتصفيق والتفاعل بشكل مستمر قبل أي مؤتمر، هذا بالإضافة لعدد مختلف من الشباب المتفوق في مجالات مختلفة.

– حوالي 15% نسبة الحضور عن طريق التسجيل الإلكتروني وفقاً للمصادر المختلفة ممن حضروا المؤتمرات بشكل متكرر، ويكون التسجيل عن طريق موقع مخصص لمؤتمرات الشباب، وتقوم فيه بتقديم كافة بيانات بطاقتك الشخصية، بالإضافة لصورة شخصية، وصورة بطاقتك الشخصية نفسها، وأكدت مصادر أنه يتم الكشف أمنيا على كل من يتقدم، ولم يتم قبول أي إستمارة ممن يتم اعتبارهم معارضين للنظام عن طريق التسجيل حتى الآن.

فقرات وجلسات.. أهم الفقرات بين المتكرر والفريد

أوضح الرئيس عبدالفتاح السيسي رؤيته لمؤتمرات الشباب منذ البداية بتصريحه قائلا: “لا أريد أن يمر شهرين أو ثلاثة بدون مؤتمر شباب”،[16] وهو ما يظهر اهتمامه بتلك المؤتمرات وما يتم فيها. وانعكس هذا الاهتمام في تطور نمط للمؤتمرات تشكل بالتدريج وأصبح شبه ثابت بداية بالمؤتمر الرابع تقريبا، وهو نمط يحكم الفقرات المتكررة وترتيبها. ويبرز شكل المؤتمر الحواري وفقرات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

– في المؤتمرات من المؤتمر الأول الدوري وحتى الثامن، تتكرر الفقرات الخاصة بتحدث المسؤولين من وزراء وغيرهم عن بعض الموضوعات التي يتم تحديدها سلفاً وإعلانها سواء خاصة بالاقتصاد أو بالتعليم، ويتبعها فقرة حوارية بين الرئيس والشباب، وتتركز تلك الفقرة على حديث تلقائي من السيسي يناقش فيه مواضيع مختلفة سنوضح أبرزها بالتفصيل، ثم فقرة إسأل الرئيس، التي بدأت من المؤتمر الثالث، واستمرت وتوسعت حتى استحوذت على المؤتمر تقريباً كله في نسخته الأخيرة.

كما أن المؤتمرات كلها تأتي بأجندة عمل محددة سابقاً، ويقوم شباب PLP – بتنظيم الأسئلة مسبقاً، بعد جمعها من المدعوين والمشاركين بكل الطرق ويتم تصفيتها ورفض ما لا يتوافق مع توجهات الدولة، فعلى سبيل المثال أوضح أحد المشاركين في مؤتمر سابق، أنه بحكم عمله اقترح طرح سؤال للرئيس عن مادة اليورانيوم، ولماذا لا نحاول استخراجها رغم توافرها بكثرة؟ وتم رفض السؤال بدون إبداء أسباب. وأيضاً اقترح سؤالا عن الرمال السوداء واستخراج المواد المشعة منها: لماذا لا نحافظ عليها ونستخدمها؟ وكيف أنه يرى إهدارها من قبل جهات مختلفة، إلا أن اقتراحه هذا ووجه بالرفض كسابقه[17].

– ينتهي المؤتمر بإعلان توصيات، يتراوح عددها من سبع إلى عشر توصيات في كل مؤتمر، منها ما هو شديد العمومية مثل (تجديد الخطاب الديني) ومنها ما هو محدد وقابل للتنفيذ مثل (مركز تدريب الشباب) الذي تم إنشاؤه بالفعل.

مؤتمرات للشباب؟ أم منصة إعلامية للرئيس!

يمكننا أن نفصل بين أول 4 مؤتمرات تم عقدها (المؤتمر الأول الدولي والمؤتمرات الوطنية الأول والثاني والثالث) من حيث عدد الجلسات ونسب مشاركة الشباب والدولة والفقرات وباقي المؤتمرات التي اتخذت نمطًا مغايرًا، منذ ظهور فقرة “إسأل الرئيس” ويمكن تفصيل تطور التغير الذي طرأ على المؤتمرات في النقاط التالية:

84 – جلسة حوار وورشة عمل في المؤتمر الأول (الدولي) للشباب في 2016، وظهر تفاعل الشباب في جلسات وورش العمل بنسبة كبيرة، وكان دور الشباب أكثر بروزاً من دور مسؤولي الدولة، وظهر على خلفيته العديد من الفعاليات، أبرزها تشكيل لجنة لإعداد قوائم بالشباب المسجونين في قضايا سياسية وطلب إدراجهم على قوائم العفو، من خلال استراتيجية لتجميع الأسماء والقضايا عن طريق القوى السياسية المختلفة طوال عامين تقريبا، ونتج بالفعل الإفراج عن عدد من الشباب السياسيين المعتقلين في قضايا رأي، قبل أن تتحول القائمة لعمل سري لا يتدخل فيه المعارضة وغير معلنة قبل اعتمادها، كما تم استخدامها للعفو عن مسجونين في قضايا جنائية منهم ” هشام طلعت مصطفى المدان بالتحريض على القتل وأفرج عنه في 2017″[18] والجدير بالذكر أن مجموعة طلعت مصطفى من ضمن الممولين للمؤتمرات كما ذكرنا سابقا، وأيضا تم العفو عن صبري نخنوخ في 2018 المدان بحيازة سلاح ومخدرات وأعمال بلطجة،[19] كما ظهر في المؤتمر نفسه الحديث عن قانون التظاهر وطلب تعديله، والنقاش حول قانون الجمعيات الأهلية.

6 – جلسات حوار وورش عمل في المؤتمر الدوري الأول، ويظهر في هذا المؤتمر تناقص التفاعل بنسبة تتجاوز ال90% عن المؤتمر الأول الدولي الشامل، وتحدث في هذا المؤتمر 15 شاب، من أصل 29 متحدث، أي أن الشباب بنسبة 50% تقريباً مقارنة بالرئيس والمسؤولين.

7 – جلسات حوارية، في المؤتمر الثاني، ثبت تقريباً عدد الجلسات وشكل المؤتمر وحلقات النقاش، واشتمل المؤتمر على 48 متحدث منهم 25 شاب، أي شبه تساوي بين ظهور الشباب والدولة ممثلة في السيسي والمسؤولين.

6 – جلسات وورشة عمل، في المؤتمر الثالث، 34 متحدث منهم 17 شاب، في ثبات ظاهر لعدد الجلسات ونسب المتحدثين بين الشباب والدولة، وتم فيه الإعلان عن بدء فقرة إسأل الرئيس.

– المؤتمر الرابع، اختلف هذا المؤتمر ويمثل بداية تحول لمؤتمرات الشباب من حيث شكل المؤتمر وتكوين الحضور والجلسات، حيث ضم تشكيلًا محددًا من الحضور مختلفًا عما سبقه. ولم يتم تحديد عدد الجلسات أو أي ورش عمل، في حين برزت فقرة “إسأل الرئيس” وحديث السيسي، وطغى حضور الدولة الممثلة في الرئيس والمسؤولين على المؤتمر ككل.

– المؤتمر الخامس، 3 جلسات بخلاف الجلسة الإفتتاحية، الفقرتين الأولى والثانية كانتا بمثابة حوار بين الشباب والمسؤولين، ثم فقرة مركزة للرئيس السيسي واسأل الرئيس.

– المؤتمر السادس هو آخر ما تم تغطيته على موقع المؤتمرات الرسمي، 3 جلسات بخلاف الجلسة الإفتتاحية، أبرزهم جلسة إسأل الرئيس، وأبرز الحضور كان د.علي عبد العال رئيس مجلس النواب، ود.مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء ، ود.خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والفريق محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والمهندس شريف إسماعيل مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية، وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة، سيطرة شبه كاملة للدولة والمسؤولين على فقرات المؤتمر.

– ويمكن بداية من المؤتمر الرابع وحتى الثامن التأكيد على تكرار نفس النمط، حيث يتكون المؤتمر من 3 جلسات بخلاف الجلسة الإفتتاحية، تتضمن أول فقرة وآخر فقرة حوار ممتد للرئيس السيسي، في حين يتخلله ما يشبه الفاصل من جلسة حوارية لشباب يتحدثون عن قضايا من أجندة الدولة السياسية.

الإعلام في مؤتمرات الشباب، فاعل أم مفعول به؟

تكرس وسائل اﻹعلام المختلفة معظم وقتها ومساحتها على مدار أسبوع تقريبا منذ الإعلان عن مؤتمر الشباب لتغطية مستمرة لنقاط ثلاث في كل مؤتمر (تصريحات الرئيس السيسي/ ردود السيسي/ توصيات الرئيس خلال المؤتمر). ويلاحظ وجود تقارب كبير في نمط التغطية اﻹعلامية، بداية بإبراز فقرات بعينها أو جمل محددة قيلت أثناء المؤتمر، ونهاية إلى تشابه بين الألفاظ المستخدمة حتى في وصف الحدث.

لكن ما يميز مؤتمرات الشباب عن غيرها هي أن الإعلام فيها لا يقف دوره عند التغطية، بل إن بعضه يشارك في تمويل الحدث، مثل مجموعة قنوات DMC، والمجموعة الإعلامية التابعة لشركة إيجل كابيتال التابعة لوزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد التي استحوذت على إعلام المصريين، وتذكر مصادر صحفية  أن شركة إيجل كابيتال هي صندوق استثمار خاص ومباشر مملوك لجهاز المخابرات العامة.[20]

تنقسم التغطية الإعلامية لمؤتمرات الشباب لثلاث فقرات، ما قبل المؤتمر، وأثناء المؤتمر، وما بعده، وتأتي أبرز تصريحات السيسي كمانشيتات بارزة في كافة الجرائد والقنوات الإعلامية وحتى إذاعات الراديو أثناء المؤتمر وبعده، أما قبل المؤتمر فإن الإعلام يقوم بنقل ما تم إعلانه عن فقرات للمؤتمر، ومذ المؤتمر السادس وتتركز التغطية الإعلامية بشكلها الخبري أو التحليلي على فقرة “إسأل الرئيس”.

مؤتمرات الشباب، ناجحة أم فاشلة، وبأية معايير نحكم؟

– هل تم تحقيق التواصل مع الشباب؟

– هل تتقاطع القضايا المثارة في المؤتمرات مع القضايا الحقيقية الملحة للشباب المصري؟

قد تصلح الإجابة على هذين السؤالين معيارًا للحكم على نجاح المؤتمرات من عدمه. ذلك أنهما يلخصان الأهداف المعلنة لعقدها. وفي النقاط التالية محاولة لاستيضاح هذه الإجابة:

أولا: تحديد القضايا التي يتم مناقشتها في كل مؤتمر يأتي غالبا متسقا مع القضايا المثارة في المجتمع، ويتم خلال المؤتمر الإعلان عن خطة عمل للسنة التالية له، مثل إعلان عام الشباب وعام المرأة، وعام ذوي الاحتياجات الخاصة وعام التعليم.

ثانيا: بالرغم من ارتباط الموضوعات بالمجتمع، إلا أنها ليست على قمة أولويات الشباب بصفة خاصة، كما أنها لا تعبر عن فئة الشباب كلهم، ويظهر هذا عند مقارنة توصيات المؤتمر الأول بما تلاه، ففي هذا المؤتمر كان صوت الشباب أكثر بروزا، قبل أن يتم تحجيم الحضور بدرجة كبير،ة وتقليص مساحة الحوار للشباب، فلم يعد المؤتمر يناقش قضايا الحريات، ولا قضية السجون والقوانين الكابتة للحريات مثل قانون جرائم الإنترنت والتظاهر وقانون الإرهاب، وفرض حالة الطوارئ وغيرها، كما أن المؤتمر لم يناقش أو يطرح حلولًا للبطالة ومشاكل سوق العمل، ومشاكل الزواج ورعاية الطفل، ومشاكل الصحة المختلفة المتعلقة بالشباب.

ثالثا: تحول النقاش بنسبة كبيرة إلى خطاب من طرف واحد يؤديه الرئيس وبمعدل  أقل المسؤولون، سواء كان ذلك من خلال حديث تلقائي ينتج غالبا مادة ثرية للنقد والسخرية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع، بالرغم من اندماج الحضور وضحكهم وتشجيعهم للرئيس؛ أو من خلال الحديث المنظم مع مسؤولين عن الإنجازات والخطط القادمة ومشاريع الحكومة، وسط تصفيق متكرر من الحضور.

رابعا: الحضور كما وضحنا نسب تشكيله، لا يمثل إلا فئة صغيرة من الشباب، ذوي توجه معين، والأغلبية منهم منخرطة في أحزاب موالية للنظام أو تعمل في مؤسسات حكومية تخضع لسلطة الدولة.

خامسا: حسب ما أكده أحد من حضروا مؤتمر الشباب من قبل، يقوم المنظمون بفحص الأسئلة  قبل المؤتمر واختيار السؤال الذي سيجيب عنه الرئيس، وبالفعل يتم رفض عشرات الأسئلة، وأكدت إحدى المشاركات المعلومة نفسها إلا أنها أضافت أن الرئيس يطلب قراءة الاسئلة المرفوضة وإن كان لا يجيب عنها.[21]

خاتمة

برغم أن الشباب من حضور المؤتمرات التي تحمل اسمهم، لا يمكن اعتبارهم عينة ممثلة لعموم شباب مصر، فإن حتى هؤلاء المختارين بعناية لم يعد يتح لصوتهم إلا مساحة ضئيلة تقلصت من مؤتمر إلى آخر حتى تكاد تكون قد اختفت عمليا، ومن ثم فإن التواصل مع الشباب الذي كان الهدف الرئيسي المعلن للمؤتمرات قد تحول إلى توصيل في اتجاه واحد ليس لرسائل الدولة في عمومها وإنما لرسائل الرئيس على وجه الخصوص، فليست مؤتمرات الشباب في صورتها الحالية أكثر من منصة باهظة التكلفة يستخدمها الرئيس ﻹيصال رسائله بنفسه، ربما لعدم ثقته في أن يقوم اﻹعلام الموجه بشكل كامل من قبل الدولة بإيصالها بشكل يرضاه، ويؤدي المسؤولون الحاضرون عادة أدوارا ثانوية تساعد على أن يتصرف الرئيس بعفوية ويضفي على رسائله قدرا من السخرية وخفة الظل، أما الشباب فهم كومبارس أو من ضمن الإكسسوارات المسرحية.

من حيث المبدأ تعتبر كل توسعة للمجال العام يتاح من خلالها التواصل مع فئة هامة من فئات المجتمع مثل الشباب إضافة إيجابية، ولكن هذا بالتأكيد لم يتحقق من خلال الدورات المتعاقبة لمؤتمرات الشباب. وهي في حالتها الحالية تعكس توجه الدولة ورئيسها إلى فرض أحادية ضيقة للخطاب، لم يعد فيها الخطاب الواحد تردده أصوات متعددة كما هو الحال في اﻹعلام، بل هو خطاب واحد وصوت واحد أيضا. ومحاور الخطاب تتعلق بموضوعات محببة للرئيس مثل حروب الجيل الرابع ومخاطر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة اﻹنترنت بصفة عامة، إضافة إلى تبرير السياسات الاقتصادية التي يستشعر الغالبية وطأتها من خلال تكرار الحديث عن حاجة الدولة إلى المال للوفاء بالتزاماتها.

في النهاية، يمكن بالتأكيد القول أن مؤتمرات الشباب لم تحقق هدفها المعلن وهو فتح قناة تواصل حر مع الشباب المصري، وإذا ما أمكن الحكم من خلال تطور هذه المؤتمرات وثبات نمط بعينه لها فمن المنطقي القول بأنها تحقق هدفا غير معلن وإن لم يكن خفيا على اﻹطلاق وهو فتح قناة تسمح للرئيس بإيصال رسائله بعيدا عن قيود الخطاب الرسمي ولكن في إطار له حدود مقررة سلفا، ويعد المؤتمر اﻷخير دليلا واضحا على هذه الوظيفة لمؤتمرات الشباب، فهذا المؤتمر الذي أعد وعقد بشكل مفاجئ وعلى وجه السرعة واستمر ليوم واحد على غير العادة، كان انعكاسا لحاجة الرئيس إلى توجيه رسائل محددة بشكل عاجل ردا على اتهامات أثيرت مؤخرا وانتشرت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

بين كفة الرئيس وكفة الشبابpdf

بين كفة الرئيس وكفة الشباب word

——————————————

[1] الموقع الرسمي لمؤتمرات الشباب، شرم الشيخ 2016 المؤتمر الوطني للشباب، غير مذكور تاريخ النشر، https://egyouth.com/ar/sharm_conference/ تم الإطلاع في 14 سبتمبر 2019

[2] الموقع الرسمي للمؤتمرات، القاهرة المؤتمر الوطني للشباب، غير مذكور تاريخ النشر، https://egyouth.com/ar/cairo_conference/ تم الإطلاع في 14 سبتمبر 2019.

[3] الموقع الرسمي للمؤتمرات، أسوان المؤتمر الوطني للشباب، غير مذكور تاريخ النشر  https://egyouth.com/ar/aswan_conference/ تم الإطلاع في 14 سبتمبر 2019.

[4] الموقع الرسمي للمؤتمرات، الاسماعيلية المؤتمر الوطني للشباب، غير مذكور تاريخ النشر،  https://egyouth.com/ar/ismaileya_conference/ تم الإطلاع في 14 سبتمبر 2019.

[5] الموقع الوطني للتدريب، الاسكندرية المؤتمر الوطني للشباب، غير مذكور تاريخ النشر، http://bit.ly/2lT281j ، تم الإطلاع في 14 سبتمبر 2019.

[6] الموقع الرسمي لمؤتمر الشباب، المؤتمر الدوري الوطني الخامس للشباب، غير مذكور تاريخ النشر،  http://bit.ly/2lWxrIk  ، تم الإطلاع في 15 سبتمبر 2019.

[7] الموقع الرسمي لمؤتمر الشباب، المؤتمر الوطني الدوري السادس للشباب، جامعة القاهرة يوليو 2018، غير مذكور تاريخ النشر، http://bit.ly/2kOvA8e ، تم الإطلاع في 15 سبتمبر 2019.

[8] الهيئة العامة للاستعلامات، المؤتمر الوطني السابع للشباب بالعاصمة الإدارية الجديدة (30 – 31 يوليو 2019)، منشور في 31 يوليو 2019، http://bit.do/e8MS9 ، تم الإطلاع في 15 سبتمبر 2019

[9] موقع مدى مصر، مصادر عن «مؤتمر الشباب»: ارتباك تنظيمي لضيق الوقت.. والرد على محمد علي متروك لـ «سيادته»، منشور في 13-9-2019، تم الإطلاع في 14-9-2019، http://bit.ly/2miOhl4

[10] موقع الوطن، مصادر: تمويل مؤتمرات الشباب خارج موازنة الدولة، منشور في 26 يوليو 2019، تم الإطلاع في 14-9-2019، https://www.elwatannews.com/news/details/4274866

[11] موقع الوطن، مصادر: تمويل مؤتمرات الشباب خارج موازنة الدولة، منشور في 26 يوليو 2019،https://www.elwatannews.com/news/details/4274866 ، تم الإطلاع في 15 سبتمبر

[12] موقع أخبار اليوم، قبل بيعه.. 11 معلومة يجب معرفتها عن المصرف المتحد، تم النشر في 29 أبريل 2019، تم الإطلاع في 14-9-2019، http://bit.ly/2kLYdDb

[13] موقع المصريون، بالأرقام.. تكلفة مؤتمرات الشباب 200 مليون جنيه، تم النشر في 07 فبراير 2017، وتم الإطلاع في 15/9/2019 http://bit.ly/2lRdQ JI

[14] المصدر السابق.

[15] تم التواصل مع عدد من الشباب الذين حضروا مؤتمرا أو أكثر، وكان ذلك من خلال اتصالات هاتفية أو رسائل البريد اﻹلكتروني، وقد طلبوا جميعا عدم الإفصاح عن هوياتهم.

[16] موقع يوتيوب، غرفة الأخبار | السيسي: نحرص على عقد المؤتمر الدوري للشباب كل شهرين إلى 3 أشهر، تم النشر في 1 اغسطس 2019 https://www.youtube.com/watch?v=y-394zRVcYY ، من الدقيقة 0.50 وحتى  آخره، تم الإطلاع في 15 سبتمبر 2019.

[17] انظر هامش رقم 12 سابقا.

[18] موقع اليوم السابع، الإفراج عن هشام طلعت مصطفى صباح أول أيام العيد تطبيقا لقرار العفو، منشور في 23 يونيو 2017، http://bit.do/e8Ncm ، تم الإطلاع في 15 سبتمبر 2019.

[19] موقع مصراوي، رغم الحكم عليه بالمؤبد.. كيف خرج نخنوخ بعفو رئاسي بعد 6 سنوات في السجن؟، منشور في 16 مايو 2018، http://bit.do/e8Ndz ، وتم الإطلاع في 15 سبتمبر 2019.

[20] موقع مدى مصر، تفاصيل استحواذ المخابرات العامة على «إعلام المصريين»، تم النشر في 20 ديسمبر 2017، http://tiny.cc/36vvcz ، تم الإطلاع في 15سبتمبر 2019.

[21] انظر هامش رقم 12 سابقا.