1. نظرة عامة

سَخَر الرئيس المخلوع عمر حسن البشير من استخدام المحتجين لوسائل التواصل الاجتماعي قائلاً في خطاب ألقاه يوم 31 يناير 2019، أن “الحكومات والرؤساء لا يمكن تغييرها عبر واتساب وفيسبوك”، وحاول البشير التقليل من شأن نشاط المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي ، ممعنا في حكمه الديكتاتوري الذي بناه على جثث شعب السودان في كردفان ودارفور، وجبال النوبة.

وحاول البشير وحكومته مبكراً السيطرة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال الملاحقات البوليسية وسن القوانين العبثية والمحاكمات الجائرة، كما سيطر على وسائل الإعلام التقليدية. ولكنه فشل في تحقيق هذه السيطرة الكاملة، وجاء خلعه والقبض عليه يوم 11 أبريل 2019، تتويجاً لصمود المواطنين لما يقارب أربعة شهور متواصلة من الاحتجاجات السلمية في الشارع، وتبادل الأخبار والآراء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ونجح النشطاء في نشر الحقيقة وكسب التأييد للمظاهرات السلمية من خلال نشر وتبادل آلاف الصور والفيديوهات للمتظاهرين واعتداء قوات البشير عليهم، وتصوير مشاعر أسر الضحايا على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد بدأت المظاهرات يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2018، في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل للتنديد بارتفاع أسعار المواد الأساسية وندرة الكثير من السلع وانخفاض قيمة العملة السودانية، وما لبثت أن امتدت إلى مدن الدامر وبربر والمتمة وشندي، ولحقت بها دنقلا والخرطوم ، ثم لحقت بها باقي مدن السودان.

  1. التطورات في قطاع الاتصالات

سعى السودان منذ عام 2017، إلى تطوير قطاع الاتصالات بخطى سريعة، بعد رفع بعض العقوبات الأميركية التي بدأت منذ عام 1997 عندما استضاف السودان هاربين، من بينهم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

خلال عام 2017، سعت الهيئة العامة للاتصالات إلى إكمال إطلاق خدمات الجيل الرابع من كل شركات الإتصالات، وشرعت الهيئة بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية وشركات الاتصالات في تنفيذ مشروع تسجيل الشرائح التي تم ربطها بنظام السجل المدني للتحقق من شخصية المستخدم عبر رقمه القومي.

وأصدرت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في السودان يوم 3 يوليو 2018، اللوائح الخاصة لضبط وتأمين تقديم خدمات التصديق والتسجيل والتوقيع الإلكتروني. وبعد خلع الرئيس السابق عمر البشير، أصدر المجلس العسكري الانتقالي، في 15 أغسطس 2019، قراراً بتبعية جهاز تنظيم الاتصالات إلى وزارة الدفاع، وبعد تشكيل المجلس السيادي أصدر رئيس المجلس السيادي يوم 16 سبتمبر من نفس العام قراراً بإلغاء قرار المجلس العسكري رقم 358 لسنة 2019 القاضي بأيلولة جهاز تنظيم الاتصالات والبريد لوزارة الدفاع، وتم نقل تبعية الجهاز إلى مجلس السيادة.

ويقدر عدد سكان السودان بنحو 42 مليون نسمة، وتعمل على خدمة قطاع اتصالات المحمول ثلاث شركات هي شركة زين، وشركة MTN، وشركة سوداني، ويبلغ عدد المسجلين في خدمات التليفون المحمول 30 مليون مستخدم، بنسبة انتشار تصل إلى 71% تقريباً، وتستحوذ شركة زين على نحو 49% من السوق، وتستحوذ MTN، على نحو 27%، فيما تستحوذ شركة سوداني على 24% من السوق.

وفيما يخص اشتراكات الهاتف الثابت فقد تزايد عدد المشتركين ليصل إلى نحو 137.2 ألف مستخدم، وتستحوذ شركة كنار على 34% من السوق في السودان.

  1. البيئة القانونية لقطاع الاتصالات والإنترنت

سعى عمر البشير وحكومته إلى تكميم الأفواه والسيطرة على الإنترنت من خلال عدد من التشريعات القانونية أو بتعديل الدستور، وخلال هذه الفترة أجاز المجلس الوطني السوداني (البرلمان)، يوم 25 أبريل 2017، بعض التعديلات المثيرة للجدل على دستور البلاد الانتقالي لعام 2005، وحفظت التعديلات لجهاز الأمن الوطني والمخابرات الصلاحيات الواسعة التي منحت له عام 2015، وأعطت التعديلات للسلطة الأمنية حق انتهاك الخصوصية فيما يمس الأمن القومي.

كما مرر المجلس الوطني يوم 10 يونيو 2018، مشروع قانون مكافحة جرائم المعلوماتية للعام 2018، في مرحلة القراءة الأولى، واستخدم القانون عبارات فضفاضة تقيّد حرّية التعبير وحرية النشر الإلكتروني، وتمكن الحكومة من السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية، حيث تضمن القانون نصا يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز عاماً واحداً أو بالجلد أو بالغرامة، كل من يستخدم شبكة المعلومات أو الاتصالات أو أي من وسائل المعلومات أو الاتصالات أو التطبيقات في نشر أي خبر أو إشاعة أو تقرير مع علمه بعدم صحته قاصداً بذلك تسبيب الخوف أو الذعر للجمهور ويهدد السلامة العامة والانتقاص من هيبة الدولة. وأجاز المجلس الوطني أيضاً قانون الاتصالات والبريد 2018، الذي يعد بديلا لقانون الاتصالات 2001، وتغير اسم الهيئة القومية للاتصالات إلى جهاز تنظيم الاتصالات والبريد.

  1. الشبكات الاجتماعية

هرب السودانيون من حصار حكومة البشير لوسائل الإعلام التقليدية، إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ من أجل سرعة الحصول على المعلومات، والتعرف على كافة الآراء، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نافذة مفتوحة أمام النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان للوصول إلى الجمهور، وكشف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الحوادث والوقائع المهمة، وانتشرت بشكل كبير وشكلت رأيا عاما، ولذلك عملت حكومة البشير على ملاحقة النشطاء ونشر ما يطلق عليه الذباب الإلكتروني لتشويه المعارضين.

ووصل عدد مستخدمي الانترنت لحوالي 13.7 مليون مستخدم.

وتقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عدد مستخدمي الفيسبوك بنحو 7 مليون مستخدم، بينما تقدر عدد مستخدمي موقع تويتر بنحو  250 ألف مستخدم.

 

  • الحجب والرقابة 

 

يعمل جهاز تنظيم الاتصالات والبريد السوداني بنظام فعال ومعلن للحجب والرقابة على المواقع الإلكترونية دون أحكام قضائية، ويعتمد نظام الحجب على تكنولوجيا و أجهزة تحتوي على برامج لترشيح المعلومات الواردة، وفق قوائم لعناوين المواقع المراد حجبها. ويعلن جهاز تنظيم الاتصالات والبريد عن استعداده لاستقبال طلبات حجب المواقع من مستخدمي الإنترنت على بريده الإلكتروني.

وخلال الثورة  أقدمت السلطات السودانية على حجب الانترنت بشكل كلي أو جزئي، كما حجبت مواقع التواصل الاجتماعي عدة مرات على وقع الاحتجاجات والمظاهرات السلمية أو لمنع تداول مشاهد الجرائم التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين خلال هذه الفترة حيث:

  • توقفت على نحو مفاجئ ليل 20 ديسمبر 2018، وسائل التواصل الاجتماعي عن العمل في السودان، وواجه مشتركو شركة (زين)على الأخص صعوبات بالغة في خدمات التراسل الفوري على أجهزة الهواتف المحمولة، وفي الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي للحد من تناقل الأخبار وصور الاحتجاجات التي انطلقت يوم 19 ديسمبر، بسبب الغلاء وتردي الأحوال الاقتصادية. واستمر الانترنت في الانقطاع الجزئي حتى عاد بعد خلع البشير يوم 11 أبريل 2019.
  • وبالتزامن مع تنفيذ القوات الحكومية هجوما دموياً واسع النطاق على المعتصمين أمام مقر القيادة العامة والمعروفة إعلاميا باسم “مجزرة القيادة العامة” في 3 يونيو 2019، أمر المجلس العسكري بقطع شبكة الانترنت عن التليفون المحمول،
  • وفي 10 يونيو 2019، أمر بقطع خطوط اتصال الإنترنت الأرضية ليصبح الانقطاع (شِبه كامل) في السودان. وصرح المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي شمس الدين كباشي، يوم 11 يونيو، بإن خدمة الإنترنت لن تعود في الوقت الحالي زاعماً أن الانترنت “مهدد للأمن القومي”. واستمر انقطاع الانترنت حتى وافق المجلس العسكري على عودته يوم 10 يوليو، بعد حكم قضائي بعودته.
  1. الملاحقة والتهديدات الامنية 

اتخذت حكومة عمر البشير نهج الاعتقالات والملاحقات القضائية والاستجوابات ضد صحفيي المواقع الإلكترونية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي داخل السودان وخارجها، للحد من حرية الإنترنت وإسكات الأصوات الناقدة وتشجيع الرقابة الذاتية، وخلال هذه الفترة ارتكبت حكومة البشير العديد من الانتهاكات ضد الصحفيين الإلكترونيين، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وعلى سبيل المثال:

سجن قيادي بحزب المؤتمر السوداني بسبب رسالة على ”واتساب”

أصدرت محكمة جنايات أم روابة، يوم 20 يوليو 2017، حكماً بسجن رئيس فرع حزب “المؤتمر السوداني” المعارض بالمدينة، وعضو المجلس المركزي، حاتم ميرغني عبد الرحمن، لمدة عامين وغرامة مالية تبلغ ٢٠٠ ألف جنيه سوداني (4400 دولار تقريباً)، على خلفية شكوى من منسق الخدمة الإلزامية بأم روابة اتهمه فيها بـ”تشويه السمعة”، على خلفية رسالة في الواتساب تتحدث عن فساد ” المؤتمر الوطني” الحاكم.

 

منع الصحفي علاء الدين محمود من السفر بسبب خبر في صحيفة إلكترونية

منعت السلطات بمطار الخرطوم الصحفي علاء الدين محمود، الذي يعمل بصحيفة الخليج في دولة الإمارات من السفر يوم 30 أكتوبر 2017، بسبب أمر صادر من نيابة المعلوماتية لحين مثوله أمامها، في بلاغ مدون ضده من حكومة ولاية النيل الأبيض، تتهمه فيه بـ”تشويه سمعة” وزير الثقافة والإعلام بالولاية، في خبر نشرته صحيفة (خرطوم بوست) الإلكترونية.

 

اعتقال الناشط محسن موسى محمود

اعتقل أفراد من الشرطة المحلية، بصحبة افراد يرتدون زيا مدنيا يتبعون لجهاز الأمن الوطني، مساء يوم 12 أبريل 2018، الناشط محسن موسى محمود، 28 عاماً، من منزل أسرته بضاحية حجر النار بكادقلي، وتم احتجازه بقسم الشرطة الأوسط بكادقلي، وجرى استجوابه في نفس الليلة، في بلاغ قدمه الوالي عيسى أبكر، يتهمه فيه بتشويه السمعة، على خلفية نشر بعض التدوينات على حسابه في موقع الفيسبوك ينتقد فيها أداء الحكومة في توفير الخدمات الصحية والكهرباء والمياه في المدينة، بالإضافة لموجة الغلاء التي تضرب الولاية وصفوف البنزين الطويلة، وتدوينات تنتقد تدخل الوالي في تجارة الذهب والاشتراك فى نهب ثروات الولاية.

 

اعتقال المدون هشام علي محمد علي

سلّمت السلطات السعودية الناشط والمدون السوداني هشام علي محمد علي الشهير بـ”هشام ود قلبا” لجهاز الأمن والمخابرات في السودان، ووصل الناشط هشام علي محمد علي إلى السودان صباح يوم 29 مايو 2018، وكان هشام قد تعرض للاعتقال بتاريخ 18 نوفمبر 2017 من قبل السلطات السعودية، بإيعاز من الأجهزة الأمنية في السفارة السودانية بسبب نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، وظل حبيساً في سجن الذهبان حتى تم ترحيله. يعمل هشام محاسباً مستقلاً في المملكة العربية السعودية، حيث هاجر إليها بسبب العمل منذ عام 2010، ويكتب مقالات لعدة منتديات عبر الإنترنت لفضح الفساد الحكومي في السودان.

 

اعتقال الناشط أحمد الضي

اعتقلت عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الناشط بمواقع التواصل الاجتماعي أحمد الضي بشارة جودة من منزله بأم درمان، في 16 يوليو 2018، ومنع من الاتصال بمحاميه، كما منع من التواصل مع أهله، وذلك بسبب نشره فيديو انتقد فيه زيارة البشير إلى موسكو بطائرة خاصة لحضور المباراة النهائية للمونديال، فيما تعاني جماهير الشعب السوداني من تدهور اقتصادي رهيب، واستمر أحمد الضي معتقلاً حتى تم الإفراج عنه يوم 18 سبتمبر 2018.

 

إيقاف الإعلامية هبة مكاوي عن العمل بسبب منشور على فيسبوك

أوقفت السلطات السودانية، ﺍﻟﻤﺬﻳﻌﺔ ﺑﻘﺴﻢ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻹﺫﺍﻋﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ، ﻫﺒﺔ ﻣﻜﺎﻭﻱ، عن العمل يوم 2 مايو 2019، بعد مطالبتها عبر صفحتها في موقع “فيسبوك” بإيقاف سيطرة رموز حكم البشير على مواقع قيادة الإعلام في البلاد.

 

استدعاء السفير البريطاني للاحتجاج على تغريدات

استدعت وزارة الخارجية السودانية السفير البريطاني بالخرطوم، يوم 12 يونيو 2019، للاحتجاج على تغريدات كتبها السفير البريطاني عرفان صديق، بعد قيام قوات الأمن السودانية بفض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش، قال فيها ”لا مبرر لمثل هذا الهجوم. يجب أن يتوقف ذلك الآن“، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن التغريدات المتكررة للسفير تتعارض مع ”الأعراف الدبلوماسية الراسخة“.