مقدمة

تتناول الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في هذه الورقة إلقاء الضوء في عجالة على ملف الحريات الأكاديمية والبحث العلمي في مصر في الفترة الأخيرة، في محاولة لاستعراض أشكال التضييقات والانتهاكات التي يتعرض لها الباحثين والأكاديميين، سواء كانت تلك التضييقات مصدرها وزارة التعليم العالي أوالجامعات نفسها وما يمثلهما من مجالس إدارية، أو كانت تدخلات أمنية لفرض شكل معين من الأبحاث المسموح بمناقشتها والتي لابد أن تتوافق مع الرؤى الرسمية للدولة وللجهات الأمنية، مرورًا بالمخاطر التي يتعرض لها الباحثين والأكاديميين من إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم أو وضعهم قيد الحبس الاحتياطي التعسفي، وصولاً لعملهم في مناخ غير آمن قد يعرض حيواتهم للخطر، دون حماية رسمية من الدولة، بل أحيانًا تكون أجهزة الدولة نفسها قيد الاتهام،

كما نستعرض الفجوة القائمة بين النصوص القانونية والمواثيق الدولية وبين تطبيقها على أرض الواقع، ونتطرق للاستشهاد ببعض النماذج بعينها ليس بغرض الرصد والتوثيق ولكن كأمثلة داعمة لشكل الحياة الأكاديمية المصرية مؤخرًا ولما يتعرض له الأكاديميين.

تمهيد
يعتبر مصطلح الحرية الأكاديمية من المصطلحات المثيرة للجدل دائمًا في دوائر النقاشات الرسمية وغير الرسمية، لعدم وجود تعريف محدد شامل معتمد لما يعنيه، ذلك رغم كتابة ونشر العديد من الأبحاث والمقالات والكتب حول الحريات الأكاديمية على مدار سنوات طويلة منذ زيادة الاهتمام والالتفات إلى دور الجامعات في مجتمعاتنا الحديثة. تمثل الأبحاث العلمية أهمية أدبية وفكرية وعلمية كبيرة تتحدد على أساسها مستوى تقدم البلدان وتأخرها وموقعها من الخريطة العالمية وما تقدمه للعالم من إضافات جديرة بالاهتمام والاحترام، ويمثل الأكاديميين النواة المسؤولة عن إنتاج تلك الأبحاث، ومن هنا جاءت أهمية ما نسميه بالحريات الأكاديمية لضمان عمل الأكاديميين في مناخ صحي آمن دون أي ضغوط يمكن أن تتسبب في عرقلة مسيرتهم أو إبعادهم عن البحث في موضوعات بعينها.

ما المقصود بالحرية الأكاديمية

يمكننا تعريف الحرية الأكاديمية بكونها تلك المساحة التي تضم الطلاب والدارسين وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء، ويجب لتلك المساحة أن تكون حرة وآمنة وتسمح للأكاديميين في التعبير عن آرائهم وأفكارهم واستعراضها بالطرق العلمية المتعارف عليها أو مناقشتها شفهيًا وكتابيًا داخل وخارج الحرم الجامعي دون خوف أو رقابة،  ودون خوف او ترهيب من التعرض لأي شكل من أشكال العنف أو العقاب الإداري التعسفي أو الترصد الأمني أو إلقاء اتهامات جزافية أو محاولات تشكيك في نواياهم.

وتحمي الحرية الأكاديمية الحق في الاختلاف في الآراء بين الطلاب والأساتذة دون فرض عقوبة. وتمنع فرض أي معتقدات فكرية أو دينية أو سياسية وتعطي الحق لكل شخص في اعتناق ما يراه صحيحًا من معتقدات وأفكار. وللأساتذة الحق في شرح المواد الدراسية بالطرق الأنسب التي يرونها وليس بالأسلوب الذي يفرض عليهم.

وتعطي الحرية الأكاديمية الحق للباحثين في إجراء البحوث حول الموضوعات التي يختارونها ونشر النتائج التي يرونها متوافقة مع أبحاثهم دون رقابة سابقة أو لاحقة.

الحرية الأكاديمية في الدستور المصري 

المادة 21

تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها، وفقًا للقانون.

وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية…………

المادة 23

تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 1% من الناتج القومي الإجمال تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.

كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي.

المادة 66

حرية البحث العلمي مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها.

العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

المادة 15

  1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن من حق كل فرد:

أ)  أن يشارك في الحياة الثقافية.

ب) أن يتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته.

ج) أن يفيد من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن أي أثر علمي أو فني أو أدبي من صنعه.

  1. تراعي الدول الأطراف في هذا العهد، في التدابير التي ستتخذها بغية ضمان الممارسة الكاملة لهذا الحق، أن تشمل تلك التدابير التي تتطلبها صيانة العلم والثقافة وإنماؤهما وإشاعتهما.
  2. تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي.
  3. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بالفوائد التي تجنى من تشجيع وإنماء الاتصال والتعاون الدوليين في ميداني العلم والثقافة.

مستوى الحرية الأكاديمية في مصر

صدر في مارس الماضي 2021 التقرير السنوي لمؤشر الحرية الأكاديمية والذي هو نتاج جهد تعاوني من قبل باحثين بجامعة فريدرش-ألكسندر, إرلانغن-نورنبرغ في ألمانيا، ومعهد V-Dem في جامعة غوتنبرج في السويد، والمعهد العالمي للسياسة العامة في برلين، وشبكة باحثون في خطر في جامعة نيويورك، والذي صنّف مصر ضمن الفئة الأخيرة، أي الفئة الأسوأ والأدنى في مستوى أداء الحريات الأكاديمية.

يشارك في إعداد هذا التقرير 2000 خبير وأكاديمي من مختلف دول العالم يقيّمون الحرية الأكاديمية في 175 دولة حول العالم، ويضعون كلًا منها في فئات تبدأ من الفئة الأولى (A) والتي تعني تمتع الدول بحرية أكاديمية جيدة جدًا، وتنتهي عند الفئة الخامسة والأخيرة (E) والتي تعني مستويات متدنية جدًا من الحريات الأكاديمية بتلك الدول.

ويعتمد المؤشر في حكمه النهائي نتاج حصيلة خمسة عوامل، وهي:

  1. حرية البحث والتدريس.
  2. حرية التبادل الأكاديمي والنشر.
  3. الاستقلالية المؤسسية.
  4. سلامة الحرم الجامعي.
  5. حرية التعبير الأكاديمي والثقافي.

وطبقًا لهذا المؤشر حصلت مصر على أسوأ الدرجات وجاءت ضمن الفئة الخامسة والأخيرة التي ضمت دولًا من بينها الصين وإيران وكوريا الشمالية واليمن وسوريا والبحرين والسعودية والإمارات وتركيا وغينيا الإستوائية وإريتريا وكوبا، بل أن المؤسف أن درجات بعض الدول التي تحكمها حكومات شمولية قمعية كالصين وإيران حازت على درجات أعلى من مصر في تقييم الحريات الأكاديمية، بل أن اليمن التي تخوض حروبًا وصراعات داخلية جاءت في مرتبة أعلى من مصر أيضًا، ما يشير إلى مدى التدني الذي تمر به مصر في ملف الحريات الأكاديمية.

نماذج تاريخية عن معارك الحريات الاكاديمية

  • كتاب في الشعر الجاهلي

في عشرينات القرن الماضي أثار كتاب “في الشعر الجاهلي” لـ طه حسين ضجة كبيرة في المجتمع المصري فور صدوره في عام 1926، وتحديدًا في دوائر المثقفين والأكاديميين ورجال الدين. ما دفع شيخ الأزهر مدعومًا بغضب مجموعة من شيوخ الأزهر والأدباء إلى مهاجمة شرسة لـ طه حسين ومعارضة أفكاره والتشكيك في إيمانه، ما ترتب عليه سحب الكتاب من الأسواق. ووصل الأمر إلى تقدم أحد رجال الأزهر وهو الشيخ خليل حسنين ببلاغ إلى النيابة العامة متهمًا طه حسين بالطعن في القرآن الكريم وتكذيب صحته، بيد أن رئيس النيابة “محمد نور بك” القائم على التحقيقات في وقتها أصدر حكمًا يراه البعض تاريخيًا ومنصفًا لحرية التعبير والحرية الأكاديمية، حيث أمر بغلق التحقيقات وحفظ القضية لما رآه من أن “غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين، بل أن العبارات الماسة بالدين التي أوردها في بعض المواضيع من كتابه، إنما أوردها على سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها، حيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائي غير متوفر”. لم تنته الأزمة عند هذا الحد، ففي عام 1932 قامت الوزارة بفصل طه حسين من منصبه كعميد لكلية الآداب في الجامعة، ما دفع أحمد لطفي السيد، رئيس الجامعة، إلى الاعتراض على قرار الفصل التعسفي لأحد أعضاء هيئة التدريس وقدم استقالته دعمًا لموقف طه حسين الذي لم يعد إلى منصبه إلا بعد 4 سنوات في عام 1936.

المثير للاهتمام في هذه الواقعة أنه بالرغم من الهجوم الشديد الذي وقع على طه حسين والاعتراضات من الأزهر الشريف، إلا أن موقف الجامعة ممثلًا في رئيسها أحمد لطفي السيد كان داعمًا له، وكذلك الموقف القانوني الرسمي الصادر عن النيابة العامة وقتها.

  • كتاب الإسلام وأصول الحكم

قبل اشتعال أزمة “في الشعر الجاهلي” بعام واحد، كان هناك أزمة أخرى في عام 1925 عندما أصدر الشيخ الأزهري “على عبدالرازق” كتابه “الإسلام وأصول الحكم” والذي عبّر فيه عن آرائه ورؤيته لمفهوم الخلافة الإسلامية وأنها فكرة سياسية بالأساس وليست من صميم الإسلام في شيء، أثارت هذه الفكرة غضب رجال الدين ورجال الأزهر، كما أثارت غضب الملك فؤاد الأول الذي كان يمنّي نفسه بتنصيبه خليفة للمسلمين بعد أن ضعفت وتفككت الخلافة الإسلامية. أدى هذا الجدل في النهاية إلى تجريد الأزهر الشريف للشيخ على عبدالرازق من مراتبه العلمية وفصله من منصبه كقاضِ شرعي، ولم يعد إلى منصبه إلى بعد مرور 20 عامًا في 1945 عندما تراجعت مشيخة الأزهر الشريف عن قرار فصله، ليصبح بعد ثلاث سنوات وزيرًا للأوقاف.

  • نقد الخطاب الديني

وفي التعسينيات ، كنّا على موعد لجدل جديد، بطله هذه المرة الكاتب والمفكر نصر حامد أبو زيد، حيث تم اتهامه أيضًا بالكفر والإلحاد، ورفعت ضده دعوى تطالب بتفريقه عن زوجته الدكتورة ابتهال يونس، وذلك بسبب الرسالة التي تقدم بها من أجل الحصول على درجة الأستاذية بعنوان “نقد الخطاب الديني” في عام 1995، ما اضطره أخيرًا إلى مغادرة البلاد مع زوجته، بعد أن وجد أفكاره محل اتهام تقوده إلى المحاكم.

الآن هنا ،، 

العمل الأكاديمي خطر يؤدي إلى السجن.. أمثلة 

شهدت مصر في السنوات الماضية تعديًا حادا على الأكاديميين والباحثين وأساتذة الجامعة ، لاسيما المحسوبين على صفوف المعارضة لمنعهم من إبداء آرائهم بحرية، أو تعطيلهم عن كتابة المقالات والأبحاث التي قد لا تتوافق مع رؤى المنظومة الأمنية. كما نرى خلطًا واضحًا بين العمل الأكاديمي والرأي السياسي، فتتم معاقبة هؤلاء الأساتذة مرة بالحبس على ذمة قضايا سياسية، ومرة ثانية بالتعنت ضدهم في وظائفهم ومحاولات لإيقافهم وفصلهم عن العمل أو تضييق الخناق عليهم بتحقيقات إدارية غير منصفة وتدور حولها شكوك التدخلات الأمنية وانعدام استقلالية القرار.

  • الدكتور يحيى القزاز:

ألقت قوات الأمن القبض على الدكتور يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان في أغسطس 2018 ضمن حملة أمنية شملت أيضًا الخبير الاقتصادي رائد سلامة، والدبلوماسي والسفير السابق معصوم مرزوق، وأستاذ علم الآثار عبدالفتاح البنا، وظل قيد الحبس الاحتياطي على ذمة القضية 1305 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، حتى تم الإفراج عنه في مايو 2019 بعد قضاء قرابة تسعة أشعر في السجن.

ويبدو أن أجهزة الأمن لم تنسَ للقزاز كتاباته التي انتقد فيها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي وعارض اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية والتي تنازلت فيها مصر عن جزيرتي تيران وصنافير. وكانت النيابة العامة فتحت تحقيقًا سابقًا في أكتوبر 2017 بناءً على بلاغ تقدم به أحد المحامين ضد القزاز متهمًا إياه بإهانة رئيس الجمهورية والتحريض على قتله، وانتهت التحقيقات بإخلاء سبيله بكفالة قدرها 10 آلاف جنيه.

لم يكن حبس القزاز كافيًا لمعاقبته، ففي الوقت نفسه، قرر رئيس جامعة حلوان ” ماجد غنيم” إحالة القزاز إلى مجلس تأديب رقم 2 لسنة 2018 بزعم الإخلال بواجباته الوظيفية وانتماؤه لجماعة إرهابية. وبعد خروج القزاز من حبسه الاحتياطى، استمر رئيس الجامعة في تعنته ولم يستطع القزاز العودة إلى وظيفته السابقة كأستاذ جامعي حيث أحيل لتحقيق إداري بسبب انقطاعه عن العمل في الفترة من شهر أغسطس 2018 وحتى مايو 2019، وهي الفترة التي كان فيها قيد الحبس الاحتياطي! وتستمر التضييقات الإدارية على القزاز حتى الآن، وكان آخرها حضوره جلستي مجلسي التأديب في 5 يوليو 2021، وكان من المفترض أن يتم إبلاغه بقرارات المجلس في جلسة 30 أغسطس 2021، إلا أن رئيس الجامعة وأعضاء مجلس التأديب امتنعوا عن إبلاغه بالقرارات الصادرة، وذلك بالمخالفة للقانون.

وبالمقارنة بين حالة الدكتور يحيى القزاز، وحالة الدكتور طه حسين في القرن الماضي، وكيف أن رئيس الجامعة أحمد لطفي السيد تقدم باستقاله دعمًا لموقف طه حسين، وفي المقابل نجد رئيس جامعة حلوان يستمر في تعنته وموالاته لأجهزة الأمن لمعاقبة القزاز، والخلط بين الدور الأكاديمي والدور السياسي.

  • الدكتور عبدالفتاح البنا:

أُلقي القبض أيضًا على الدكتور عبدالفتاح البنا، أستاذ علم الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة، في أغسطس 2018 وظل قيد الحبس الاحتياطي حتى مايو 2019 على ذمة القضية نفسها التي اُتهم فيه الدكتور القزاز، وبعد خروجه من محبسه، وجد قرارًا من رئيس جامعة القاهرة “محمد عثمان الخشت” بوقفه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع تخفيض راتبه الشهري إلى الربع، ومازالت قرارات الإيقاف عن العمل تتجدد تلقائيًا كل ثلاثة أشهر، كان آخرها قرارًا من رئيس جامعة القاهرة في 7 نوفمبر 2021 بإيقاف البنا ثلاثة أشهر مجددًا، ذلك على الرغم من حصول البنا على حكم نهائي ببطلان قرار وقفه عن العمل.

  • الدكتور أيمن منصور ندا:

قررت كلية الإعلام بجامعة القاهرة في مارس 2021 إيقاف الدكتور أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون، عن العمل، لمزاعم بتعديه على وكيل الكلية الأسبق، بالمخالفة لقانون تنظيم الجامعات واللوائح الداخلية لجامعة القاهرة.

جاء قرار الإيقاف متزامنًا مع الفترة التي بدأ ندا يكتب فيها بعض المقالات مهاجمًا الأداء الإعلامي غير المهني لإعلاميين مقربين من السلطة مثل أحمد موسى وكرم جبر وعمرو أديب ونشأت الديهي، ما أثار الشكوك بأن قرار الإيقاف من أجل ردعه عن نشر المزيد من الكتابات إلا أن ندا استمر في كتاباته، وانتقد بشدة رئيس جامعة القاهرة “محمد عثمان الخشت” واتهمه بارتكاب مخالفات وبتمرير قرارات غير قانونية، ما عرّضه للمثول أمام النيابة العامة باتهامات السب والقذف، في سبتمبر 2021، قبل أن يُخلى سبيله في نوفمبر الجاري 2021 ، مع استمرار القضية.

  • الدكتورة منار الطنطاوي:

لم يتوقف عقاب الأكاديميين أنفسهم بسبب مواقفهم السياسية أو كتاباتهم وآرائهم، إنما امتد الأمر ليشمل الأكاديميين الذين لهم صلة بسجناء الرأي أو المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، وهو الأمر الذي حدث مع الدكتورة منار الطنطاوي، زوجة سجين الرأي السابق الصحفي هشام جعفر الذي تعرض للحبس الاحتياطي لمدة  تزيد عن ثلاث سنوات.

فما زالت طنطاوي حتى الآن محرومة من حقها في الحصول على درجة الأستاذية بالرغم من صدور قرار عن المجلس الأعلى للجامعات في فبراير 2020 بحصولها على الدرجة العلمية، إلا أنها تواجه تعسفًا ممثلاً في عدم اعتماد وزارة التعليم العالي حصولها على الأستاذية، وكذلك التعنت الواضح ضدها من عميد المعهد التكنولوجي العالي، الدكتور “عثمان محمد عثمان” واستمرت التضييقات على طنطاوي حتى أحالها عميد المعهد إلى التحقيق في يونيو 2021، وبحضورها التحقيق رفض المحقق إبداء أسباب استدعائها أو إثبات أقوالها أو حضورها، ما دفعها والمحامون إلى الانسحاب من جلسة التحقيق وتحرير محضر بالواقعة وبالخروقات القانونية التي حدثت.

  • الباحث باتريك جورج:

هو طالب ماجستير بجامعة بولونيا بإيطاليا، كما أنه كان يعمل باحثًا بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ألقت قوات أمن مطار القاهرة القبض عليه في 7 فبراير 2020 أثناء عودته من إيطاليا، وفي اليوم التالي تم التحقيق معه في نيابة المنصورة على ذمة القضية 7245 لسنة 2020، وبعدها بشهر تقريبًا تم التحقيق مجددًا معه على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 1766 لسنة 2020 باتهامات عدة أبرزها، إشاعة أخبار وبيانات كاذبة، والترويج لاستخدام العنف ولارتكاب جرائم إرهابية، والتحريض على قلب نظام الحكم، والتحريض على التظاهر. ظل باتريك قيد الحبس الاحتياطي حتى تمت إحالته إلى محكمة أمن دولة طواريء في سبتمبر الماضي، قبل أن تؤجل المحاكمة أكثر من مرة لتُحدد لها جلسة يوم 7 ديسمبر 2021.

  • الباحث أحمد سمير سنطاوي:

هو باحث ومدافع عن حقوق الإنسان سبق له التعاون مع عدد من المنظمات الحقوقية المصرية، كما أنه طالب ماجستير في الأنثروبولجيا وعلم الاجتماع بالجامعة المركزية الأوروبية في النمسا. تعرض للإيقاف والتحقيق من قبل الجهات الأمنية بمطار شرم الشيخ في الخامس عشر من ديسمبر 2020 أثناء عودته من فيينا حيث مقر دراسته، قبل أن يتم إطلاق سراحه.

وبعد وصوله إلى القاهرة بفترة بسيطة، وبالتحديد في الثالث والعشرين من يناير 2021 اقتحمت قوات الأمن منزله أثناء غيابه، فتوجه بنفسه إلى قسم شرطة التجمع الخامس في الأول من فبراير 2021 استجابة لطلب الأمن ولمعرفة سبب ملاحقته، ليتعرض للاختفاء القسري والتحقيق معه بأحد مقرات الأمن الوطني بشكل غير قانوني، ثم يظهر بنيابة أمن الدولة العليا في السادس من الشهر نفسه “فبراير 2021”  كمتهم بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، على ذمة القضية رقم 65 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا، وفي 22 مايو تم تدوير سنطاوي على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 877 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا، باتهامه بنشر أخبار كاذبة من خارج البلاد عبر صفحته على موقع الفيسبوك.

تم إحالة القضية إلى محكمة أمن دولة طواريء، وهي محكمة استثنائية ليس بها أي درجات للتقاضي وحكمها نهائي وبات دون سماح للمتهم بالطعن أو الاستئناف أو النقض، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة أربعة سنوات بعد أقل من شهر من بدء المحاكمة وذلك في الثاني والعشرين من يونيو 2021.

  • الباحث والأكاديمي وليد سالم:

أُلقي القبض على الباحث وليد سالم في شهر مايو 2018 بسبب رسالة الدكتوراة الخاصة به والتي تتناول تاريخ القضاء المصري، وتم التحقيق معه على ذمة القضية 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا باتهامات الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وأُودع بسجن القاهرة للمحبوسين احتياطيًا المعروف باسم طره تحقيق، حتى أُخلي سبيله بتدابير احترازية في ديسمبر من العام نفسه، ومنذ ذلك الحين وهو ممنوع من السفر دون أي مسوغ قانوني، ولا يستطيع العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث محل إقامته ودراسته.

  • الدكتور أحمد التهامي:

تعرض الدكتور أحمد التهامي عبدالحي، أستاذ السياسة المقارنة بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، للاعتقال في شهر يونيو 2020 على ذمة القضية رقم 649 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا، بدعوى التحقيق معه في قضية ترتبط بنشاط الحقوقي محمد سلطان، ووُجهت له اتهامات الانضمام لجماعة إرهابية، وإذاعة ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يزال قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن دون تهمة حقيقية واضحة أو محاكمة عادلة.

  • الدكتورة نجوى شتا:

في حادثة غريبة من نوعها في نوفمبر 2021، صدر قرار من جامعة الأزهر بإقالة الدكتورة نجوى شتا، الأستاذ بقسم الفقه، من منصبها كعميدة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية بعد 24 ساعة فقط من قرار تعيينها. ورغم أن الجامعة لم تصدر أي بيان توضيحي لأسباب الإقالة، إلا أن البعض أرجع الأسباب إلى بعض الأفكار التي تعتنقها شتا والتي لا تتوافق مع رؤى الأجهزة الأمنية، رغم عدم ثبوت ارتكابها لأي جريمة أو مخالفة قانونية.

  • الدكتور حسن نافعة والدكتور حازم حسني:

ضمن حملة اعتقالات واسعة، ألقت السلطات المصرية القبض على الدكتور حسن نافعة والدكتور حازم حسني، أستاذي العلوم السياسية بجامعة القاهرة في شهر سبتمبر 2019، وذلك بسبب مواقفهم وآرائهم المعارضة للنظام المصري. أُفرج عن نافعة في مارس 2020، بينما ظل حازم حسني قيد الحبس الاحتياطي حتى فبراير 2021 بعد أن قضى 17 شهرًا في السجن، وبعد الإفراج عنه بشهرين قرر حسني تقديم استقالته من جامعة القاهرة درءًا لما قد تسعى له الجامعة من اتخاذ إجراءات إدارية بحقه، على حسب تعبيره.

خاتمة وتوصيات

طبقًا لما استعرضناه بهذه الورقة، لا يعد من قبيل المبالغة ، تعبير “احتضار الحياة الأكاديمية في مصر”  فلا  يستقيم وجود حريات اكاديمية مع القبض والعسف والتنكيل ،

ولا يقتصر الامر هنا على الأجهزة الأمنية فقط ، بل امتدت أذرعها إلى الجامعات والمجتمع الاكاديمي نفسه عبر الجامعات والمعاهد ، أيضًا، كما لم يكتفى بمعاقبة الأكاديميين والأساتذة والباحثين بعقوبات إدارية متعسفة، بل أيضًا أصبحت العقوبة مرتين، مرة بشكل إداري بقرارت وتحقيقات تعسفية، ومرة أخرى بشكل جنائي بحبسهم على ذمة قضايا رأي. ومن هنا تقترح الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عددًا من التوصيات التي ربما تساهم ولو قليلًا في تحسين وضع الحريات الأكاديمية.

  1. سرعة الإفراج عن جميع الباحثين والأساتذة والأكاديميين المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا سياسية أو الذين قيد المحاكمة أو صدر ضدهم أحكام في قضايا رأي.
  2. توقف أجهزة الأمن عن ترصد الباحثين والأساتذة الجامعيين والبحث في نواياهم.
  3. عودة جميع الأساتذة المفصولين تعسفيًا أو الموقوفين عن العمل أو الذين أُجبروا على الاستقالة، إلى مناصبهم مرة أخرى.
  4. تفرقة إدارة الجامعات المصرية بين ما هو عمل سياسي، وما هو عمل أكاديمي محض، والتوقف عن معاقبة الأساتذة إداريًا طبقًا لمواقفهم وآرائهم السياسية.
  5. تعزيز استقلالية الجامعات واستقلالية قرارات مجالس الإدارة، دون أي تدخل مباشر أو غير مباشر أو ضغوط أمنية عليهم.
  6. دعم حق الباحثين في اختيار الموضوعات التي يرونها مناسبة من أجل العمل عليها.
  7. ضمان حق الأساتذة في التعبير عن آرائهم في إطار عملهم الأكاديمي أو خارجه بكل حرية ودون خوف أو مواربة.
  8. عدم تدخل الأجهزة الأمنية في اختيار مجالس إدارات الجامعات وتعيينها، وأن تعود مجالس الإدارة بالانتخاب مرة أخرى.
  9. تعزيز العمل الطلابي وتفعيله داخل الجامعات، وعلى رأسه عودة الاتحادات الطلابية المنتخبة بشكل نزيه.

للنسخة PDF