ما بين اعتداءات بالضرب والحبس ومنع الاحتجاجات السلمية، إلى مواجهة تحركات الطلاب، تنوعت الانتهاكات التي مارستها السلطات الجزائرية ضد حرية التعبير على مدار عام 2018. وقد برز فيها كالعادة ، تعاظم دور المؤسسة العسكرية في محاولة إسكات أو عقاب المنتقد لممارساتها أو لسيطرتها على الحياة العامة.


وقد طال قمع حرية التعبير أغلب فئات المجتمع الجزائري ، لاسيما من كانوا طلاب أو سياسيين أو صحفيين أو مدونين.

يأتي ذلك في الوقت الذي يحاول فيه الصحفيين الجزائريين والمواقع الصحفية المستقلة، خلق مساحة آمنة لممارسة حرية الصحافة التي يكفلها الدستور الجزائري، بينما تواجهها سلطة الرئيس العسكري عبد العزيز بوتفليقة، صاحب الثمانون عاما والذي يبحث لنفسه عن فترة رئاسة جديدة خلال أشهر من الآن، وتحديدا في أبريل المقبل.

وبينما أعلن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 24 مارس 2018 عن الإعداد لمشروع قانون للتصدي للجرائم الالكترونية، ولم يتحدث بوتفليقة، في الخطاب الذي ألقاه وزير العدل الجزائري نيابة عنه في “اليوم الوطني للمحامي”، عن موعد محدد لتقدم الحكومة بمشروع القانون المزعوم ، جدد 30 ناشرا لوسائل الإعلام الإلكترونية، في 2 مايو، مطالبهم بسرعة إصدار قانون لعمل المواقع الصحفية الإلكترونية، رغبة منهم في ضمان إطار قانوني يضمن حقوقهم وحقوق العاملين في الصحافة الإلكترونية وتمكينهم من ممارسة عملهم دون قيد.

وللعالم الثالث على التولي، تحجب السلطات الجزائرية مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترات امتحانات الثانوية العامة، بزعم “مواجهة الغش الجماعي”، ما أدى إلى صعوبة بالغة للدخول على هذه المواقع طوال فترة انعقاد الامتحانات.

وفيما يلي نماذج للانتهاكات التي شهدتها حرية التعبير والصحافة ، سواء الفردي منها أو الجماعي مثل التظاهر والإضراب.

الانتهاكات ضد الصحفيين والصحف والانترنت
• بدأ عام 2018، والذي شمل العديد من حالات استهداف الصحفيين والإعلاميين، بالاعتداء على المراسل الصحفي “ياسر مصطفى” من قبل رئيس نادي وفاق سطيف.

وكان المراسل الصحفي ياسر مصطفى يغطي تدريب فريق وفاق سطيف في 16 يناير 2018 بعد هزيمة الفريق في الدوري وحدثت مشادة بينه وبين حسان حمّار رئيس النادي الرياضي الكبير صاحب الشعبية الجماهيرية في الجزائر، فاعتدى رئيس الناي عليه واستكمل عدد من اللاعبين الاعتداء على المراسل.

ووصل الأمر إلى نقل المراسل الصحفي إلى المستشفى في سيارة إسعاف، مصابًا بكدمات في الرأس واليدين والقدم.

• وفي مساء الجمعة 1 يونيو 2018، اعتقلت قوات الأمن في الجزائر الصحفي “سعيد بدور”، وسط مدينة وهران، بعد توقيفه في الطريق العام بعد مغادرته مقر الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان.

وجاء اعتقال سعيد بعد كتابته مقالين عن محاولة إدخال كمية ضخمة من المخدرات على متن باخرة في عرض سواحل وهران، وعن اتهامه لوزارة الدفاع ووزارة الداخلية بالتقاعس عن حماية الحدود البحرية.

ووجهت للصحفي اتهامات بـ”إهانة هيئة نظامية ونشر مواد (مقال) من شأنها المساس بالوحدة الوطنية”، وذلك بعد تداوله المقال على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي.

وشملت قائمة المتهمين في القضية، إلى جانب بدور، الصحفي عدلان ملاح مدير الموقع الصحفي الذي نشر المقال “ألجيري دايركت”، وخلاف بن حدة، مالك الموقع، وأيضا “برحمة محمد”، تقني في الإعلام الإلكتروني.

وبينما قررت النيابة العامة إخلاء سبيل الصحفي سعيد بدور، وأحالت القضية للمحاكمة.

• وفي 20 يونيو، ومع انطلاق امتحانات الثانوية العامة الجزائرية، أعلنت وزارة الاتصالات حجب مواقع “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، بزعم “مواجهة ظاهرة الغش الإلكترونية التي انتشرت بين الطلاب.

وليست هذه المرة التي تقرر فيه الحكومة الجزائرية حجب مواقع التواصل الاجتماعي خلال أيام الامتحانات، ولكنها المرة الثالثة بعد قرار الحكومة مع انطلاق امتحانات 2016.

• وفي صباح 9 أكتوبر، اعتقلت المخابرات الجزائرية الصحفي “إسماعيل جربال”، رئيس تحرير بقناة “النهار” والمسئول عن النسخة الفرنسية للموقع الإلكتروني، على خلفية مقال كتبه حول المخابرات الجزائرية.

وبثت القناة فيديو “2” للحظة القبض على جربال أثناء خروجه من مقر القناة، تم توقيفه من قبل اثنين من عناصر المخابرات الجزائرية، بعد مقاله الذي تناول أداء مدير المخابرات والذي نشر على موقع “إلج 24″ التابع للقناة.

وبعد أيام قليلة من القبض على الصحفي إسماعيل جربال، صدر قرار من النيابة العامة الجزائرية بالإفراج عنه، بعد ضغط إعلامي ومطالب عديدة بالتوقف عن ملاحقة كتاب المقالات والرأي.

• وفي نفس الشهر” أكتوبر” اعتقلت قوات الأمن الصحفي “عدلان الملاح”، بسبب مقالين كتبهما في موقع “الجيري دايركت” الذي يشرف على رئاسة تحريره، قبل أن يطلق سراحه في 22 نوفمبر، وتأجيل نظر قضيته لجلسة 7 فبراير 2019.

ونشر عدلان ملاح، مقالات على موقعه الإلكتروني، ينتقد فيها “عبد القادر زوخ”، والي – محافظ – العاصمة الجزائرية، فاعتقلته السلطات له بتهمة السب والقذف والتشهير.

وفي 20 نوفمبر، قرر ملاح الدخول في إضراب عن الطعام، اعتراضا على احتجازه وظروفه الصحية المتدهورة، وأيضا بعد تدهور الحالة الصحية لزوجته بعد اعتقاله، والذي أدى لفقدهما طفلهما قبل ولادته.

وشهدت قضية ملاح، مطالبات من جهات حقوقية وصحفية عديدة بالإفراج عنه، حتى وصل الأمر إلى تطوع أكثر من 60 محاميا للدفاع عنه، معتبرين أن قضيته تزيد من تدهور حرية الصحافة في الجزائر.

• وأيضا اعتقلت قوات الأمن الجزائري، في 28 أكتوبر، الكاتب الصحفي عبدو سمار، مدير تحرير موقع “الجيري بارت”، وأيضا الصحفي في الموقع مروان بودياب، بسبب مقالات نشرت على الموقع الإلكتروني.

يشار إلى أن محكمة الجنايات في مدينة “بئر مراد رايس” بالعاصمة، قد قرر في 5 نوفمبر قبول الاستئناف على حبس الصحفيين وإخلاء سبيلهم على ذمة اتهامهم في القضية.

وجاء القبض على الصحفيين بناءا على شكوى قدّمها والي الجزائر العاصمة ومدير مجمع النهار، ووجهت للصحفيين، اتهامات بالقذف والتهديد والمساس الحياة الخاصة ونشر تصريحات دون التأكد من منها، في المقالات التي تناولت شكوى تتعلق بملف عقاري في الجزائر العاصمة، بالإضافة إلى نشر مراسلات رسمية.

وشهد شهر نوفمبر، الافراج عن الصحفي شيتور الحاج سعيد، بعد قضائه 16 شهرا في الحبس، حيث كانت السلطات الجزائرية قد اتهمته بـ “الإبلاغ عن معلومات وتصميمات إلى شخص ليس له صفة الاطلاع عليها”.

ويعمل شيتور مراسلا لعدة مواقع وصحف عالمية من الجزائر، بينها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، وقناة “فرانس 24″، وموقع “واشنطن بوست” الأمريكي الشهير.

مدونون وطلبة وقوى سياسية
– استهلت السلطات الجزائرية عام 2018 ، باخلاء سبيل 4 من أعضاء حزب جبهة القوى الاشتراكية. ، وتحديدا في 18 يناير 2018 ، حيث أخلت محكمة جنايات ولاية جرداية الجزائرية (التي تبعد عن الجزائر العاصمةبنحو 600 كيلومترا جنوبا).

وكانت القوات الأمنية قد اعتقلت عناصر الحزب، في نوفمبر 2016، بعد أن وجهت لهم اتهامات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف والكراهية، على خلفية التظاهرات التي شهدتها منطقة “ميزاب” بالولاية نفسها، للمطالبة بإصلاحات اقتصادية.

– وفي 16 مارس 2018،اعتقلت قوات الأمن العشرات من طلاب المعهد الوطني للبريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، بالعاصمة الجزائر، بعد إعلانهم التصعيد للمطالبة بحقوق اقتصادية وأفرجت عنهم بعد 48 ساعة فيما احتجزت قادة الإضراب.

وكان طلاب المعهد قد بدئوا في الإضراب للمطالبة بحقوقهم في أول ديسمبر من العام المنصرم 2017، ورفعوا عدة مطالب أبرزها تخفيض مصاريف المعهد وإيجاد حل لأزمة نقص التخصصات العلمية، وأيضا ضمان حقوقهم بعد تعرضهم أكثر من مرة وفي مواقف مختلفة للسباب من المسئولين في المعهد فقط لرفع مطالبهم.

– وفي يونيو من نفس العام ، خفّضت محكمة جزائرية في ولاية بجاية (شرق العاصمة)، الحكم على المدون الجزائري مرزوق تواتي، لـ7 سنوات سجن بدلا من الحكم الأول الصادر بسجنه 10 سنوات بزعم التخابر مع جهات أجنبية.
ويأتي ذلك على خلفية نشر تواتي حوارا مصورا على مدونته مع متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث اعتقل المدون في يناير 2017 ووجهت له اتهامات “معلومات استخباراتية إلى عملاء قوى أجنبية من المرجح أن تضر بموقف الجزائر العسكري أو الدبلوماسي أو مصالحها الاقتصادية الضرورية، والدعوة إلى التجمهر غير المسلح”.

منع التظاهر والتعبير الجماعي عن الرأي
• خلال إعادة محاكمة المدون مرزوق تواتي، اعتقلت قوات الأمن الجزائري 40 من المتضامنين معه ، كانوا قد نظموا وقفة احتجاجية أمام المحكمة وبدأت قوات الأمن في الاعتداء عليهم وألقت القبض على 40 منهم. أفرج عن بعضهم بعد ساعات ، والبعض الاخر بعد ايام.

• في 8 سبتمبر، رفض الأمن الجزائري، السماح لتكتل “مواطنة” السياسي المعارض، بالتظاهر اعتراضا على إعلان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة خوض الانتخابات الرئاسية للمرة الخامسة.

ولم يتوقف الأمر عند رفض السماح للتكتل بالاحتجاج السلمي، بل اعتقال عددا من عناصره وقيادته، بينهم زبيدة عسول، المتحدثة باسم التكتل ورئيس حزب الاتحاد من أجل التغيير، وعلي بن نواري رئيس حزب نداء الوطن، وأيضا صالح دبوز، رئيس رابطة حقوق الإنسان.

فيما قررت السلطات الأمنية إخلاء سبيلهم بعد الاعتقال بحوالي 48 ساعة، بعد بيان أطلقته الأحزاب المشاركة في التكتل “مواطنة” للتنديد بالقبض على قياداته ومطالبة السلطات بإخلاء سبيلهم.

بينما جاء صباح 12 أكتوبر بانتهاك جديد، أيضا ضد حركة “مواطنة” – والتي تضم عدد من القيادات السياسية والأحزاب المعارضة والتكتلات السياسية والنقابية المختلفة –.

حيث قررت الحركة إلغاء ندوتها والتي كان مقررا إقامتها في اليوم التالي 13 أكتوبر، بعنوان “الندوة الوطنية للمواطنة”، وذلك بعد امتناع وزارة الداخلية عن الرد على الموافقة والمقدم من حزب “جيل جديد”، أحد أعضاء الحركة.

وقالت الحركة في بيانها الذي صدر في هذا الوقت تعليقا على قرار الأمن الامتناع عن الرد: “تجد أحزاب المعارضة نفسها مطوقة وفي حكم الإقامة الجبرية.. فبعد القمع والأغلال ها هي السلطة تمنع نشاط أحزاب معتمدة بواسطة سلوكات إدارية”.

لبنان ، قطر ، فلسطين ، تونس ، المغرب ، الكويت ، السودان ، الاردن ، العراق ، الامارات ، مصر ، البحرين