مقدمة

أثًر القرار الذي اتخذته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بمقاطعة دولة قطر على حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات في الدول الأربع كما أثر عليها في دولة قطر أيضا خلال عام 2017.

ويكفي أن نعلم أن السلطات في المملكة العربية السعودية حجبت مواقع الإعلام القطرية على شبكة الإنترنت بما في ذلك قنوات الجزيرة والمواقع الالكترونية للصحف القطرية، واتخذت من القمع وسيلة لإسكات الأصوات المعارضة لقرار المقاطعة.

ورغم تصريح بن سلمان لمجلة “الإيكونومست”فى يناير 2016، أن “المملكة تتجه لتكون أكثر انفتاحا وأكثر تقبلا لحرية التعبير”.

ورغم بعض الإجراءات التي اتخذتها المملكة هذا العام لتحسين صورتها أمام العالم فيما يتعلق بحقوق المرأة، إلا أن إقرار قانون “جرائم الإرهاب وتمويله”الجديد، والتهجير القسري لسكان بلدة العوامية ذات الأغلبية الشيعية، وحملة الاعتقالات التي لحقت بقرار مقاطعة قطر يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن اﻻجراءات المتعلقة بحقوق المرأة هي أقرب لحملات الدعاية منها إلى الرغبة في التغيير الحقيقي للحفاظ على حقوق الإنسان.

وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال فى تقرير نشرته فى الثالث من يوليو 2017، أن المملكة  قد اشترت برامجًا إلكترونية من أوروبا وأمريكا خاصة من شركة “هاكينج تيم”الإيطالية تمنع توجيه أي انتقادات للحكومة والنظام الحاكم من خلال التجسس على السعوديين على الإنترنت وجميع شبكات التواصل الاجتماعي.

تلك البرامج المشتراة حديثًا تمكن الحكومة السعودية من فرض سيطرتها على الفضاء الالكتروني داخل المملكة، مما يعني وبكل سهولة التعرف على أي مواطن يغرد خارج السرب، أو ينشر مواد من شأنها أن تسيء للنظام أو المسؤولين، في محاولة لقمع أي صوت يفكر فى توجيه أي انتقادات للعائلة الحاكمة.

وشهدت السعودية خلال عام 2017العديد من الانتهاكات لحرية التعبير والاعتقاد من بينها حالات كثيرة الاعتقالات وتوقيف النشطاء ورجال الدين  والصحفيين ومنع النشر

*ووثقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان العديد من انتهاكات لحرية الرأي والتعبير في المملكة من بينها:-

أ. إقرار قانون “جرائم الإرهاب وتمويله”

قرر مجلس الوزراء في 31أكتوبر 2017، الموافقة على نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، وأُعد مرسوم ملكي بذلك

واستحدث القانون الجديد هيئتان جديدتان هما النيابة العامة ورئاسة أمن الدولة، وتقدم الهيئتان تقاريرهما الي الملك مباشرة.

وجاء تعريف الإرهاب في المادة الأولى من القانون مبهما ومرناً يسمح بتأويله على أكثر من وجه، واستخدم القانون عبارات مثل “الإخلال بالنظام العام” أو “زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر”.

واعتبرت المادة الثالثة من القانون أن السعي إلى تغيير نظام الحكم في المملكة من الأعمال الإرهابية دون الإشارة إلى استخدام العنف في هذا الغرض.

وبموجب المادة ثلاثون من هذا القانون، يمكن الحكم بسجن أي مواطن بتهمة الإرهاب لمدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات، إذا وصف -بصورة مباشرة أو غير مباشرة- الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة.

ورصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أسماء عشرات المعتقلين خلال الحملة التي شنتها السلطات السعودية منذ 11سبتمبر 2017، فى سياق الأزمة الخليجية والخلاف مع قطر، بينما لم تعلن الجهات الرسمية السعودية عن أسماء المعتقلين أو اعدادهم، وشملت الأسماء التي رصدتها الشبكة (أكاديميون، رجال دين، خبراء اقتصاديون، إعلاميون، صحفيون، شعراء، نشطاء حقوق الإنسان وغيرهم) فيما تعد الحملة الأشرس فى الفترة الأخيرة.

وأقرت المملكة بحدوث الاعتقالات وأعلنت وكالة الأنباء السعودية في 11سبتمبر، أن مصدر مسؤول (لم تسمه) صرح بأن رئاسة أمن الدولة تمكنت خلال الفترة الماضية من رصد أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية”.

كما برر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، حملة الاعتقالات في حوار مع وكالة “بلومبيرغ”الأمريكية، الخميس 21سبتمبر، بأن الحملة جاءت لإحباط “خطة متطرّفة”كان هؤلاء الأشخاص يعملون على تنفيذها، بعد تلقيهم تمويلات مالية من دول أجنبية.

*ومن بين من شملتهم حملة الاعتقالات :

1- اعتقال رجل الدين السعودي عوض القرني:

اعتقلت السلطات السعودية رجل الدين عوض القرني يوم 10سبتمبر على خلفية الأزمة مع قطر، وسبق أن قضت محكمة سعودية فى مارس 2017، بغرامة قدرها 100ألف ريال سعودي على الداعية عوض القرني بزعم “إعداد وإرسال ما من شأنه المساس بالنظام العام من خلال كتابته تغريدات في موقع التواصل الاجتماعي تويتر عبر حسابه لا تخلو من إثارة للرأي العام وتأثير على ترابط المجتمع مع قيادته وتأثير على علاقة المملكة مع الدول الأخرى”.

يشار إلى أن القرني يواجه تحريضا  مستمرا من قبل صحفيين سعوديين ومسؤولين محسوبون على النظام منذ بدء الأزمة الخليجية بسبب تغريداته عقب الأزمة مع قطر، وطالب العديد من هؤلاء بمنعه من الكتابة على تويتر، فيما اتهمه آخرون بخيانة الوطن والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين .

2- اعتقال 6قضاة من المحكمة الجزائية المتخصصة فى الرياض:

اعتقلت السلطات السعودية 6قضاة من المحكمة الجزائية المتخصصة فى الرياض، خلال حملة اعتقالات سبتمبر 2017، على خلفية الأزمة مع قطر.

يذكر أن المحكمة الجزائية المتخصصة هى المنوط بها المحاكمات وفق قانون الإرهاب الصادر فى 2014، وأحد المعتقلين هو القاضي الذي أصدر حكم الإعدام على المعارض السعودي نمر النمر ، وتأتي الاعتقالات الأخيرة فى سياق قيام سلطات المملكة بشن حملة أوسع بحق الدعاة والنشطاء والأكاديميين بسبب موقفهم المختلف فيما يتعلق بالأزمة الخليجية والخلاف مع قطر .

3- اعتقال جمال النجم ومبارك بن زعير:

اعتقلت السلطات السعودية الأربعاء 4أكتوبر كل من جمال النجم (أستاذ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) ومبارك بن زعير الأستاذ المساعد بنفس الجامعة، وتأتي تلك الاعتقالات الجماعية المستمرة على خلفية الخلاف مع قطر وعدم انصياع هؤلاء للتوجيهات التي قادها الديوان الملكي فى السعودية لمهاجمة قطر .

ب. انتهاكات ضد المبدعين

1- القبض على مغني أدى حركة “داب” على خشبة المسرح:

ألقت السلطات السعودية القبض على المنشد (المغني) عبدالله الشهراني بعد أدائه رقصة “الداب” على خشبة المسرح بأحد المهرجانات بالطائف.

وجاء القبض على الشهراني بعد أيام من انتشار مقطع فيديو يظهره يؤدي حركة رقصة الداب التي حذرت اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات مرارًا منها باعتبارها رمزًا لتعاطي المخدرات.

وأكّدت الأمانة العامة للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، في 8أغسطس 2017، أن الجهات الأمنية بالطائف ألقت القبض على إعلامي مُنشد؛ لقيامه بمخالفة أنظمة اللجنة الوطنية ومشروع “نبراس” وأدائه حركة “الداب” التي ترمز لتعاطي الحشيش.

ج.انتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان

1- الحكم بسجن الكاتب نذير الماجد بالسجن لمدة سبعة سنوات:

أيدت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة في الرياض الحكم الصادر ضد  نذير الماجد، بالسجن لمدة سبع سنوات يعقبها حظراً للسفر لمدة سبع سنوات، بالإضافة إلى غرامة قدرها 100ألف ريال سعودي (نحو 27ألف دولار).

وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض قد قضت بتاريخ 18يناير 2017، بالسجن لمدة سبعة سنوات بحق  نذير الماجد، تعقبها سبعة سنوات من حظر السفر إضافة إلى غرامة مالية قدرها 100ألف ريال سعودي (نحو  دولار) بزعم “الخروج عن طاعة ولي الأمر، المشاركة في التظاهرات، وكتابة المقالات إضافة إلى الاتصال مع مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية، وذلك على خلفية عمله في الدفاع عن حقوق الإنسان وخاصة دفاعه عن حرية التظاهر في المملكة العربية السعودية.

2- اعتقال الناشطة مريم العتيبي ما يزيد عن 100يوم:

اعتقلت الناشطة في مجال حقوق المرأة مريم العتيبي، في 19أبريل 2017، بعدما تقدم والدها ببلاغ ضدها لتغيبها عن المنزل مستخدماً قانون الولاية الساري المفعول بعد أن قررت الناشطة الانتقال إلى العاصمة الرياض للعمل هناك والاستقلال بحياتها.

واستمر اعتقال مريم العتيبي لما يزيد عن مئة يوم حتى أطلقت السلطات السعودية سراحها يوم اﻻحد 30يوليو، دون كفالة أو حضور ولي أمر ذكر لاستلامها.

الجدير بالذكر أن مريم العتيبي واحدة من أبرز السعوديات الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي في حملات تطالب بحق المرأة في قيادة السيارة، وإسقاط ولاية الذكور عنهن، التي تمنح والد أو شقيق أو زوج المرأة، سلطة عليها في الكثير من أمور الحياة مثل السفر أو السكن المستقل.

3- احتجاز المدافعة عن حقوق المرأة لجين الهذلول:

احتجزت سلطات الأمن السعودية بمطار الملك فهد الدولي في الدمام، الناشطة لجين الهذلول المعروفة بتحديها لقانون منع المرأة من قيادة السيارة فور عودتها من الإمارات مساء 4يونيو 2017، وذلك على خلفية نشاطها السلمي في الدفاع عن حقوق المرأة، وبعد اعتقالها بساعتين تقريبا نقلت الهذلول من الدمام إلى الرياض لاستجوابها من قبل “هيئة التحقيق والادعاء العام”، دون الإعلان عن سبب اعتقالها أو تمكينها من اﻻتصال بعائلتها أو اصطحاب محامي لحضور التحقيقات معها.

واستمر اعتقال لجين الهذلول حتى أفرجت عنها السلطات في السابع من نفس الشهر.

4- قوات الأمن تحاصر العوامية وترًحل السكان قسرياً:

حاصرت قوات الأمن السعودية بلدة العوامية التي تشكل معقلا للمعارضة الشيعية شرق المملكة لإخلاء حي المسورة التاريخي من سكانه بدعوى أن بيوته باتت تشكل خطراً على ساكنيها، وإيواء الحي عدد من المطلوبين أمنياً.

وعمدت السلطات السعودية إلى حصار الحي بالمعدات العسكرية وقطعت الكهرباء عن منازل السكان لإجبارهم على المغادرة دون توفير بديل مناسب ودون الحصول على تعويض ملائم.

وفرضت قوات الأمن على المواطنين الشيعة الخروج من نقاط تفتيش محددة رافعين الرايات البيضاء.

بينما حث ثلاثة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في 5أبريل 2017، سلطات المملكة على وقف هدم الحي التاريخي الذي يتمتع بتراث فريد ويقيم فيه ما لا يقل عن 2000شخص.

5- اعتقال خلود اليافعي لمخالفتها قواعد الزي النسائي المتشددة:

ألقت قوات الأمن السعودية القبض على الشابة خلود اليافعي، يوم الثلاثاء 18يوليو 2017، واستجوبتها لعدة ساعات قبل الإفراج عنها مساء نفس اليوم، بسبب مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر فيه وهي تتجول في القرية التراثية بأشيقر التابع لمحافظة شقراء (190كم شمال غرب العاصمة الرياض) مرتدية تنورة قصيرة وكنزة تكشف عن ذراعيها.

يشار إلى أن السعودية تطبق نظام اجتماعي متشدد ينتهك حقوق النساء بعنف استنادا إلى تأويلات للشريعة الإسلامية، فلا يسمح بظهور النساء في الشارع والأماكن العامة دون غطاء رأس وثوب قاتم اللون فضفاض.

د. حجب المواقع الإلكترونية

حجبت السلطات السعودية آلاف المواقع لأسباب سياسية واجتماعية ودينية، كما حجبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية 600ألف موقع وصفتها بالإباحية على مدار العامين الماضيين كانت غير مدرجة تحت مخالفات الجرائم المعلوماتية وصرحت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية في أبريل 2017انه تم معالجة أكثر من 900ألف رابط مخالف عام 2016داعية مستخدمي الإنترنت في المملكة إلى الإبلاغ عن المواقع الإباحية.

يذكر أن موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لا يزال من بين المواقع المحجوبة في المملكة.