مقدمة

في قراره الصادر في 24مارس 2020 ، لم يشير رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى تعليق العمل في المحاكم والنيابات ، إلا أن وزير العدل عمر مروان  ، وبعض رؤساء المحاكم ، كانوا قد استبقوا هذا القرار ، بتعليق العمل في كافة المحاكم والجلسات ، وتأجيلها دون حضور أطراف القضايا ، منذ يوم 16مارس 2020 ، تحوطا لأي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.

كذلك كانت وزارة الداخلية قد قررت تعليق الزيارات بجميع السجون لمدة عشرة أيام إعتباراً من الثلاثاء الموافق العاشر من مارس ، وذلك حرصاً على الصحة العامة وسلامة النزلاء.

لكن

القبض على المواطنين لم يتوقف ، تجديد حبس المحبوسين لم يتوقف ، لكنه تجديد على الورق!

تجديد حبس دون حضور المتهمين ، دون حضور محاميهم ، دون تقديم دفاع.

ليصبح الوضع :

– منع السجناء والمحبوسين احتياطيا من زيارة ذويهم ومحاميهم بالسجون

– تجديد حبس المحبوسين احتياطيا دون حضور ودون دفاع

فهل يجوز ذلك؟

عن الحبس الاحتياطي :

يقول رئيس مجلس الشعب الأسبق والفقية القانوني فتحي سرور:

” أن الحبس الاحتياطى إجراء بالغ المساس بالحرية الشخصية، وقد كان له ماضِ ملوث شهد إساءة استخدامه فى كثير من الدول، خاصةً النظم التسلطية التى تتفوق فيها حقوق السلطة على حقوق الفرد، فبمقتضى هذا الإجراء يُودع المتهم فى السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها، ويتعرض لإنتهاك كرامته الإنسانية التى يتمتع بها إبان كان طليق السراح، وهو ما يحتم التدقيق فى مراعاة درجة التناسب بين آلام الحبس الاحتياطى ومصلحة المجتمع”.

هذا لأن الحبس الإحتياطي يعد إجراء بغيض ويتعارض مع مبدأ “المتهم برئ حتى تثبت إدانته” ولهذا إهتمت التشريعات الدولية والمحلية بتقييد الحبس الإحتياطي وحدد له مبررات وشروط ومدد يجب مراعاتها وإلا يسقط ، مما يوجب الافراج عن المحبوس احتياطيا.

ومع اعلان منظمة الصحة العالمية تحول جائحة كورونا إلى وباء عالمي ، نجد أن المتهم المحبوس إحتياطيا لا يأتي من محبسه في جلسة نظر أمر حبسه إحتياطيا وما يأتي هو رسالة من الداخلية تفيد بتعذر نقل المتهم لأسباب أمنية ويلحق بتلك الرسالة قرارا من الجهة التي تنظر أمر تجديد الحبس إحتياطيا بتجديد أمر الحبس ورقيا أو تأجيل النظر في ذلك الأمر مدة معينة، وتنتهي تلك المدة برسالة أخرى من الداخلية تفيد بتعذر نقل المتهم لأسباب أمنية!!

والذريعة ، هي الظروف القاهرة.

ما هي الظروف أو القوة القاهرة التي تمنع مؤسسات الدولة من ممارسة عملها؟

هي باختصار : الافعال الناتجة عن فعل الطبيعة كالزلازل والفيضانات والأعاصير والأوبئة المرضية المعدية، أو التي تنشأ عن فعل الإنسان كالحروب والثورات.

وقد استندت أجهزة الدولة المتعلقة بانفاذ القانون والعدالة ، ممثلة في وزارة العدل والنيابة العامة ووزارة الداخلية لهذه القوة القاهرة “وباء كورونا ” لفرض مزيد من التنكيل بالسجناء والمحبوسين احتياطيا ، ولا سيما سجناء الرأي ، عبر حرمانهم من الزيارة وكذلك من ابداء دفاعهم خلال جلسات تجديد الحبس أو المحاكمة ، بدلا من اجراء اخر ، يعد مطروح طيلة الوقت ، وهو الافراج عنهم ، أو الافراج عنهم بتدابير احترازية.

يقول المحامي البارز والمرشح الرئاسي السابق خالد علي ” لا يجوز التذرع بمرض كورونا وتجريد المحبوسين احتياطيا من كل حقوق الدفاع عبر حرمانهم من زيارات الأهل أو التواصل مع المحامين، وحرمانهم من حق الاتصال التليفونى بهم، بل وحرمانهم مقابلة القضاة، من خلال عدم نقلهم من السجون، ومنعهم من حضور جلسات النظر  فى أمر تجديد حبسهم لمدد تعدت الحد الأقصى لتجديد الحبس الاحتياطى.

وإذا كان القانون يتيح أن يكون تجديد الحبس فى الجنايات كل ٤٥ يوماً، فإن تجاوز هذه المدة دون إحضار المتهم من محبسه وعرضه على القاضى يجعلنا ننحاز للقول بأن ذلك يؤدى إلى سقوط أمر الحبس الاحتياطى، ولا يصحح هذا البطلان قيام المحكمة بتأجيل نظر أمر الحبس لأنها مع هذا التأجيل تأمر باستمرار حبسه احتياطياً، وهو ما يعنى أن المتهم تم حبسه لمدد تجاوزت ال ٤٥ يوماً دون أن يعرض على المحكمة ودون سماع دفاعه أو دفاع محاميه”.

التعسف ليس جديدا

منذ سنوات ، ابتدعت وزارة الداخلية نهجا جديدا للتنكيل بسجناء الراي المحبوسين احتياطيا ، وهو عدم احضارهم من مكان احتجازهم خلال جلسات تجديد الحبس ، تحت مسمى ” التعذرات الأمنية” اي انه تعذر نقل المتهم المحبوس احتياطيا إلى مكان تجديد حبسه ، رغم عدم توافر اي ظرف قاهر أو ظرف طارئ تجعلها تمتنع عن احضاره ، حتى أن العديد من الجلسات تتم في معهد أمناء الشرطة ، الذي بات محكمة ، والذي يقع ضمن وداخل منطقة سجون طره ، ولا يفصل بين “محكمة معهد امناء الشرطة” والسجن المحتجز به سجين الراي المحبوس احتياطيا سوى أمتار قليلة.

ولماذا لا يفرج عنهم؟ 

نظرا لكون الحبس الإحتياطي إجراء بغيض نجد أن المشرع  في قانون الإجراءات الجنائية قد حدد مجموعة إجراءات وشروط مهمة ودقيقة ليصعب التوسع في إستعماله ويجعل اللجوء له في أضيق الحدود، حيث حددت المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية المبررات الواجب توافر إحداها لإصدار أمر حبس المتهم إحتياطيا

وهي  ا- إذا كانت الجريمة في حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره.

ب- الخشية من هروب المتهم.

ج- خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود، أو بالعبث في الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها.

د- توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة.

ه- إذا لم يكن له محل إقامة ثابت معروف في مصر، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس.

،ويكون ذلك بعد استجواب المتهم  وإذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقباً عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، وإذا كانت الدلائل عليها كافية).

ورغم أن العديد والعديد من المحبوسين احتياطيا ولاسيما سجناء الرأي، لا تتوافر في الكثير منهم هذه الشروط ، فالحبس مستمر !

وعلى الرغم من وجود مخرج لوقف حالة الأخلال الشديد بين النهج البوليسي الممثل في حبس هؤلاء ، وبين انفاذ سيادة القانون ، وهو اللجوء للتدابير الاحترازية ، فإن الحل البوليسي ، المتعسف ، اصبح له الغلبة.

فقط أقر المشرع بمجموعة تدابير إحترازية تكون بديلة عن الحبس الإحتياطي تقرها النيابة العامة أو قاضي التحقيق للمتهم وله ذات القواعد المقررة للحبس الإحتياطي كمدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها والتدابير الإحترازية وفقا لقانون الإجراءات الجنائية هي :

ا-إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.

ب-إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة.

ج- حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.

وفي هذا يقول المحامي الحقوقي خالد علي ” ومعالجة مثل هذه الحالة وضع لها المشرع نص المادة ٢٠١ إجراءات جنائية بأن تقضى المحكمة بتدبير احترازي كبديل عن الحبس الاحتياطى ، وهذا التدبير قد يتمثل فى منعه من السفر أو حرمانه من مغادرة المدينة التى يقطن بها….الخ

وقد أقر المشرع هذه المادة لمساعدة المحكمة على تحقيق التوازن بين حقوق المتهم وحرياته وبين حقوق المجتمع.

فالفرضية الدستورية ببراءة المتهم تعنى، أن هذه البراءة تلازمه فى جميع مراحل الدعوى الجنائية من بداية التحقيق معه ولحين صدور حكم نهائي وبات بثبوت ارتكابه الجريمة، ولذلك فإن التعسف فى استخدام الحبس الاحتياطى وعدم مراعاة مقتضيات الخصومة الجنائية على نحو يهدر حقوق المتهم وضماناته فى الدستور قد يجعل الحبس الاحتياطى على هذا النحو  يخرج عن حقيقته بأنه مجرد إجراء من إجراءات التحقيق ويتحول فى جوهره إلى عقوبة”

خاتمة

تحول وباء كورونا إلى أداة أو وسيلة اضافية لزيادة التنكيل بالسجناء عموما ، والمحبوسين احتياطيا من سجناء الراي بوجه خاص.

فبدلا من الافراج عن السجناء والمحبوسين احتياطيا ، كأحد اوجه التعامل مع هذا الوباء ، تحول أثر هذا  الوباء إلى وباء اضافي تمثل في منع الزيارة عنهم ، ولو عبر اي اجراءات وقائية تتم بمعرفة وزارة الصحة أو نقابة الأطباء ، لاسيما مع ما هو معهود من سوء اوضاع السجون المصرين والحرمان من معظم حقوقهم المقررة بالدستور والقانون

كما توسعت الدولة ومؤسساتها المختلفة المتعلقة بانفاذ القانون في ممارسة التعسف ، بتجديد الحبس بشكل ورقي ، دون احضارهم من محبسهم ودون سماع دفاعهم ودون مثولهم أمام جهات التحقيق ، تعللا بالظروف القاهرة ، بدلا من الافراج عنهم ، حيث لم يكن يجوز احتجازهم من الاساس ، وهو ما يرسخ لمنهج استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة ، حتى في الظروف بالغة الصعوبة مثل وباء كورونا.

توصيات

 وزارة الداخلية : 

– لابد وأن تتوقف عن إهدار حقوق المتهم بما يسمى التعذرات الأمنية ، خاصة وأن تلك التعذرات تمثل إخلالا كبيرا للقانون ولحقوق المتهم

– فتح الزيارات اسوة بالعديد من المؤسسات والمصالح الحكومية ، مع اتخاذ اي اجراءات وقائية تقرها وزارة الصحة أو نقابة الاطباء

السلطة القضائية

– أن تعمل قاعدة المتهم برئ حتى تثبت ادانته ، وتخلي سبيل المحبوسين احتياطيا لاسيما في قضايا الراي والجرائم الغير خطيرة

– أن تتوسع في استبدال قرارات تجديد الحبس “لاسيما جرائم الراي والغير خطيرة ” بالتدابير الاحترازية التي نص عليها قانون الاجراءات الجنائية

– أن تمارس دورها في معاقبة كل من يخالف أمر القضاء بإحضار المتهم في المواعيد القانونية لنظر أمر تجديد حبسه إحتياطيا، وألا تقوم بالتجديد الورقي للمتهم لما فيه من تعسف قانوني وحقوق المتهم ولضمانات المحاكمة العادلة

– ألا تقوم المؤسسة القضائية بتأجيل جلسة نظر أمر تجديد الحبس الإحتياطي لما بعد المواعيد المقررة قانونا، وإذا تعدت المدة القانونية لنظر أمر تجديد حبس المتهم إحتياطيا، فعلى السلطة القضائية حينها أن تأمر بإخلاء سبيله.


النسخة ال pdf من الورقة

النسخة ال word من الورقة