1. نظرة عامة 

تخطو تجربة الديمقراطية في تونس ببطئ ، ولكن بثبات ، في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتحدي العمليات الإرهابية، إلى جانب التأثير السلبي لشبكات المصالح الشخصية على اتخاذ القرار، في بلد ثار منذ أعوام قليلة ضد الحكم السلطوي. وقد كان لاستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بالغ الأثر في نجاح الثورة التونسية، التي كشفت عن قوة تأثير الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. ومن ثم ازداد إقبال المواطنين التونسيين على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بعد الثورة.

 

  1. التطورات في قطاع الاتصالات

تقدر الاحصائيات عدد سكان الجمهورية التونسية بنحو 11.7 مليون مواطن. وشهدت الجمهورية التونسية بعد نجاح ثورتها، في 14 يناير 2011، طفرة كبيرة في عدد مستخدمي خدمات الاتصال عن بعد. فازداد عدد مستخدمي الإنترنت عامًا بعد الآخر، وأصبح الهاتف المحمول، والنفاذ إلى شبكة الإنترنت، يشغل حيزاً كبيراً في حياة المواطن وعاداته اليومية. ويبلغ عدد المشتركين في خدمات الهاتف المحمول في تونس نحو 15.1 مليون مشترك، بينما يبلغ عدد المشتركين في خدمات الهاتف الثابت نحو 1.4 مليون مشترك، وبلغ عدد المشتركين في خدمات النطاق العريض نحو مليون مشترك.

ويضم قطاع الاتصالات، في تونس، أربع شركات، تقوم على تقديم خدمات الاتصالات، وهي شركة “اتصالات تونس”، وشركة “أوريدو تونس – تونيزيانا”، إلى جانب شركة “أورونج تونس”، بالإضافة إلى مشغل شبكة اتصالية افتراضية (MVNO)، وهي شركة “لايكا موبايل”، التي تقدم خدماتها عبر شبكة اتصالات تونس.

 

  1. البيئة القانونية لقطاع الاتصالات والإنترنت 

صدق مجلس نواب الشعب في جلسة عامة، يوم 16 مايو 2017، على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على انضمام تونس إلى الاتفاقية رقم 108 لمجلس أوروبا، المتعلقة بحماية الأشخاص تجاه المعالجة الآلية للبيانات ذات الطابع الشخصي، وبروتوكولها الإضافي رقم 181 الخاص بسلطات المراقبة وانسياب وتدفق البيانات عبر الحدود.

 

وتعد المعاهدة رقم 108، بتاريخ 28 يناير 1981، أول وثيقة قانونية ذات طابع إلزامي على الصعيد الدولي تلزم الدول الموقعة عليها باتخاذ الإجراءات اللازمة، على مستوى قوانينها الداخلية، لتطبيق المبادئ المقررة ضمن المعاهدة، وذلك حماية للحقوق الأساسية للأفراد إزاء “كتابة أو تسجيل أو حفظ أو تخزين أو دمج أو عرض أو إرسال أو استقبال أو تداول أو نشر أو محو أو تعديل أو استرجاع أو تحليل لبياناتهم الشخصية”، أو ما يطلق عليه اختصاراً “معالجة البيانات الشخصية”.

 

كما صدق مجلس نواب الشعب في يوم 10 يناير 2019، على القانون الأساسي رقم 9 لسنة 2019، بتعديل القانون رقم 26 لسنة 2015، المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. وصدرت التعديلات بالجريدة الرسمية، في 29 يناير 2019. وشمل القانون العديد من التعديلات، منها ما يتعلق باعتراض الاتصالات، والاختراق الرقمي، حيث أتاحت فقرة جديدة في الفصل 54، للنيابة العامة، أو قاضي التحقيق، منح مأمور الضبطية القضائية، المكلف بمتابعة الجرائم الإرهابية، حق اعتراض اتصالات المشتبه بهم، في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث، وبناء على تقرير مسبب منه. كما أتاحت فقرة جديدة في الفصل 57 ، لمأمور الضبطية القضائية، اللجوء إلى الاختراق المباشر أو الرقمي بواسطة فرد أمن متخفٍ أو مخبر معتمد.

 

  1. الشبكات الاجتماعية

تنوع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، بشكل كبير، بين أوساط الشباب التونسي، فمنهم من استخدم هذه الشبكات في التعارف وعقد الصداقات، ومنهم من استخدمها في الحصول على الأخبار أو تداولها، ومنهم من استخدمها في الحصول عن فرصة عمل، كما استخدمها النشطاء في تنظيم الحركات الاجتماعية والسياسية، وكسب المزيد من المؤيدين.

وتدل أحدث الإحصائيات على زيادة عدد مستخدمي الإنترنت ليصل إلى نحو 7.9 مليون مستخدم في أقل تقدير، بنسبة انتشار 67.5%. كما تشير الأرقام إلى زيادة عدد مستخدمي فيسبوك ليصل إلى نحو 7.4 مليون مستخدم. بينما تشير الأرقام إلى تراجع عدد مستخدمي تويتر، ليصل إلى نحو 200 ألف مستخدم،  حيت يتجه المستخدمون الجدد في الاتجاه نحو استخدام انستجرام الذي بلغ نحو 1.9 مليون مستخدم.

 

  1. الحجب والرقابة 

لم تعمد الحكومة التونسية، خلال هذه الفترة، إلى سياسة حجب المواقع الالكترونية، ولم ترصد الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان سوى بلاغين؛ الأول بحجب موقع الشارع المغاربي، يوم 12 أكتوبر 2017، والآخر بحجب موقع “الحرية التونسية” الإلكتروني، في أوائل شهر سبتمبر 2018.

ولكن السلطات التونسية توسعت في ملاحقة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، والتضييق على مراسلي المواقع الالكترونية في الحصول على الاخبار من مصادرها الأولية. وعلى سبيل المثال فقد منعت قوات الأمن؛ الصحفي رشدي الجراي مراسل، منصة “أصوات مغاربية”، من تغطية اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن بشارع الحبيب بورقيبة، يوم 27 يناير 2018. كما منع مسؤول بوزارة التربية، مراسلة صحيفة “تونس الرقمية”، عفاف الودرني، من تغطية تحرك احتجاجي لعدد من المعلمين، يوم 13 مايو 2019.

 

  1. الملاحقة والتهديدات الامنية 

تزايد قلق نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير، خشية تراجع حرية التعبير في تونس، بعد القبض على عدد من نشطاء الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومحاكمتهم، بسبب منشورات انتقدوا فيها بعض المواقف السياسية للحكومة، أو انتقدوا مسؤولين بالدولة. وعلى سبيل المثال فقد شهدت هذه الفترة:

 

استجواب مدير موقع نواة بسبب مقال حول قانون المصالحة

مثل سامي بن غربية، مؤسس ومدير الموقع الإخباري التونسي المستقل “نواة“، والممثل القانوني للموقع، يوم الاربعاء 3 مايو 2017، أمام فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بالعوينة، للتحقيق معه بتهمة “سرقة واختلاس مكاتيب وإفشاء أسرار”، على خلفية مقال نشره الموقع، بتاريخ 21 أبريل 2017، حول تفاصيل خطة عمل رئاسة الجمهورية لتمرير صيغة معدّلة من قانون المصالحة الاقتصادية، الذي ينص على التصالح مع المسؤولين المتهمين بالفساد وتلقي الرشاوى، في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ووقف ملاحقتهم قضائياً، إذا ما أعادوا الأرصدة المسروقة.

 

القبض على الناشط والمدون قيس البوعزيزي

ألقت قوات الشرطة القبض على الناشط والمدون، قيس البوعزيزي، في مدينة سيدي بوزيد، يوم 14 يناير 2018، وتم التحقيق معه واحتجازه، لمدة 3 أيام، ثم تم الإفراج عنه، وذلك بعد نشره عدة تدوينات، على حسابه في موقع التواصل “فيسبوك”، يدعو فيها إلى التظاهر ضد الحكومة، بسبب الغلاء وإجراءات التقشف.

 

محاكمة المدون محمد الهمامي في قضية الوزير مهدي بن غربية

أصدرت المحكمة الابتدائية ببنزرت، في 17 أبريل 2018، حكما يقضي بسجن المدون، محمد الهمامي، لمدة 8 أشهر، وغرامة مالية قدرها 120 دينارا ( نحو 43 دولار)، بزعم “سب وقذف” وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان، مهدي بن غربية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في قضية رفعها ضدّه الوزير.

وكانت النيابة العامة قد أحالت المدون، محمد الهمامي، يوم  14 نوفمبر 2017، إلى المحكمة الابتدائية ببنزرت، وهو مطلق السراح للفصل في القضية. وقضت المحكمة غيابيا، يوم 16 نوفمبر 2017، بسجن الهمامي لمدّة سنة.

 

إحالة الناشط السياسي طارق الغمري للقضاء

استدعت الشرطة بباجة عضو حزب المؤتمر، طارق الغمري، 3 مرات، في الفترة من 5 إلى 10 سبتمبر 2018، وأحالته للتحقيق أمام النيابة، بسبب تدوينات عبر “فيسبوك”، ضمن حملة “وينو البترول” المناهضة للفساد، ثم حققت معه النيابة وقررت إطلاق سراحه على ذمة القضية.

 

محاكمة عضو المكتب الوطني لحزب نداء تونس بسبب تغريدات على فيسبوك

ألقت قوات الأمن التونسي، مساء يوم الجمعة 7 سبتمبر 2018، القبض على  مدير الموقع الإلكتروني “تونس اليوم”، وعضو المكتب الوطني لحزب نداء تونس، أديب الجبالي، من أمام منزله بأريانة، واقتيد إلى فرقة البحث الجنائي بحي الخضراء، بزعم  التحريض على الحكومة، عبر تدوينات على موقع “فيسبوك”، وذلك على خلفية انتقاده لسياسات التحالف بين حزب النهضة الإخواني ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، على حسابه عبر شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”

عرض الجبالي، يوم 10 سبتمبر 2018، على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتونس، وقررت النيابة إحالته إلى المحاكمة وهو مطلق السراح. وفي 18 يناير 2019، قضت المحكمة الابتدائية بتونس، بالسجن 8 أشهر بحق أديب الجبالي، بزعم “التحريض على الحكومة ومحاولة إثارة الشغب”.

 

محاكمة المدونة  والناشطة السياسية أمينة منصور بسبب تدوينة فيسبوكية

أصدرت المحكمة الابتدائية ببنعروس، يوم 13 سبتمبر 2018، حكمًا بالسجن شهرين على المدونة والناشطة السياسية، أمينة منصور بسبب تدوينة عبر حسابها الشخصي على موقع “فيسبوك”، نقلت فيه معلومات تفيد بوجود شبهة فساد في هيئة الجمارك، وأطلقت المحكمة سراح أمينة انتظارا للاستئناف على قرار حبسها.

 

محاكمة البرلماني ياسين العياري بسبب تدوينة على موقع فيسبوك

قضت المحكمة العسكرية في 1 نوفمبر 2018، بالسجن 3 أشهر مع الشغل والنفاذ ضد النائب البرلماني والمدون، ياسين العياري، بزعم “الإساءة للمؤسسة العسكرية”، بعد تدوينة على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” واستأنف العياري على الحكم وتم تأجيل نظر القضية إلى 6 ديسمبر 2018. وقضت محكمة الاستئناف العسكرية بتونس بتعديل الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس وذلك بتخفيض مدة السجن من  3 أشهر إلى شهرين سجنا مع النفاذ.

 

سجن المدونة فضيلة بلحاج بسبب تدوينات فيسبوك

أصدرت دائرة الجنح بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم 16 فبراير 2019، حكما بسجن المدونة فضيلة بلحاج، سنتين بتهم من بينها “الإساءة لموظف عبر شبكة الاتصالات” على خلفية رفعتها ضدها رئاسة الحكومة بسبب تدوينات نشرتها على صفحتها الخاصة بموقع فيسبوك تنتقد فيها تعامل وزارة الداخلية مع ملف الإرهاب، وتحالف يوسف الشاهد رئيس الحكومة مع الإخوان المسلمين.