مقدمة

إن تسبب حظك السيئ هذه الأيام في القبض عليك لأي سبب، سواء عشوائيًا عن طريق توقيفك في الشارع وتفتيش هاتفك، أو لنشرك لأي خبر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص فيسبوك، أو بسبب نشاطك الحقوقي، إن كنت محاميا أو صحفيا أو حتى مواطن عادي انتقد وعبر عن رأيه ، ثم زج بك متهما على ذمة إحدى القضايا التي تنظرها نيابة أمن الدولة العليا، فاعلم أنك بذلك قد دخلت حلقة مفرغة من جلسات تجديد الحبس التي قد تستمر لسنة او أكثر بدون أي دليل (في الغالب)، سوى تحريات ضابط الأمن الوطني مجري التحريات عنك في تلك القضية.

هذه الحلقة المفرغة من جلسات تجديد الحبس كل خمسة عشر يوما ثم خمسة وأربعين يوما بعد ذلك، عندما تصبح جلسات تجديد حبسك أمام غرفة المشورة المنعقدة بمحكمة الجنايات بإحدى دوائر الإرهاب، يفترض أن ينجيك منها أو يزيد من فرص إخلاء سبيلك حقك القانوني في استئناف أوامر الحبس التي تصدرها نيابة امن الدولة كل خمسة عشر يومًا أو محكمة الجنايات كل خمسة واربعين يومًا بحقك.

ولأن نيابة أمن الدولة العليا هي في المقام الأول نيابة استثنائية، فبالتالي تثير كثير من القرارات التي تصدرها تساؤلات كثيرة حولها، كموضوع هذه الورقة وهو وقف استئنافات المتهمين داخل النيابة بدون مبرر قانوني لذلك.

وفى هذه الورقة نتتبع التأصيل القانوني والتشريعي لحق المتهم في استئناف أمر حبسه، كما سنلقي الضوء على حالات بعض المتهمين على ذمة بعض القضايا التي تنظرها نيابة أمن الدولة، والتي تقدم محاموا المتهمين فيا بطلب للنيابة بعد تجديد حبسهم لاستئناف هذا الأمر فلم يتمكنوا من ذلك بدعوى وقف الاستئنافات تلك الفترة بدون إبداء أسباب ، او تبعا لتعليمات وأوامر ، باتت تعطل إنفاذ القانون.

التأصيل القانوني لاستئناف أوامر الحبس في القانون

مادة (164 – الفقرة الثانية) من قانون الإجراءات الجنائية:

[وللنيابة] وحدها كذلك أن تستأنف الأمر الصادر في جناية بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس احتياطياً. وللمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس.

مادة (166) من قانون الإجراءات الجنائية:

” يكون ميعاد الاستئناف عشرة أيام من تاريخ صدور الأمر، بالنسبة إلى النيابة العامة، ومن تاريخ إعلانه، بالنسبة إلى باقي الخصوم، عدا الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 164 من هذا القانون، فيكون ميعاد استئناف النيابة لأمر الإفراج المؤقت أربعا وعشرين ساعة، ويجب الفصل في الاستئناف خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفعه، ويكون استئناف المتهم في أي وقت. فإذا صدر قرار برفض استئنافه، جاز له أن يتقدم باستئناف جديد كلما انقضت مدة ثلاثين يوما من تاريخ صدور قرار الرفض”.

وفي جميع الأحوال يتعين الفصل في الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي أو مده، أو الإفراج المؤقت، خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفع الطعن، وإلا وجب الإفراج عن المتهم.

أعطى قانون الإجراءات الجنائية إذن الحق للمتهم في استئناف الأمر الصادر بمد حبسه في أي وقت، فإذا تم نظر استئنافه وتم رفضه لا يحق له التقدم باستئنافه من جديد إلا بعد مرور ثلاثين يوما. ولكن ما يحدث في نيابة أمن الدولة هو أمر غير مفهوم، فيتم التحقيق مع المتهم على ذمة إحدى القضايا، في أول مرة في أحيان كثيرة بدون محاميه، ثم تقرر النيابة حبسه لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات. والأمر الطبيعي هو أن يتقدم محاميه باستئناف هذا الأمر كما هو المنصوص عليه في القانون.

إلا أن ما يحدث على أرض الواقع وداخل نيابة أمن الدولة العليا عكس ذلك . فعندما يتقدم المحامي بطلب استئناف أمر حبس موكله لنيابة أمن الدولة يحدث أحد أمرين:

الأول :  أن يتم إضاعة هذا الطلب وسط جبل من الطلبات المقدمة إلى النيابة ويتعذر إيجاده مرة أخرى، خاصة وأن الطلبات تقدم للنيابة عن طريق البوابة الخارجية  للمبني ، حيث يتم  تسليمها لأحد أفراد الشرطة، المعنيين بحراسة المبنى وتنظيم دخول وخروج المحامين وتفتيشهم، دون أخذ أية أرقام على الطلب المقدم للاستعلام عن مصيره فيما بعد.

الثاني: أن يتم الرد بأن الاستئنافات قد تم إيقافها دون إبداء أية أسباب. وهذا مخالف للقانون.

أمثلة لبعض القضايا التي عُطل فيها عمل الاستئناف:

القضية رقم 1739 لسنة 2018

تضم القضية رقم 1739 لسنة 2018 عددًا كبيرًا من الشباب والسيدات ذوي الخلفيات المختلفة، المحبوسين على ذمتها باتهامات الانضمام إلى جماعة ارهابية، نشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تم إدراج عدد كبير من المتهمين على ذمتها إبان واقعة حريق محطة مصر أواخر فبراير من العام الماضي 2019.

وتضم القضية على ذمتها شعراء وكُتّابا وروائيين ونشطاء سياسيين، منهم على سبيل المثال: الشعراء كريم زيدان، حمادة صديق، وثائر عزت، والكاتب إبراهيم محمد، والروائي إبراهيم والي. وهم مجموعة شباب أصدقاء تم القبض عليهم من على مقهى بوسط القاهرة إبان أحداث حريق محطة مصر، وما زالوا محبوسين حتى الآن. وحاول محاموهم خلال عام كامل استئناف أوامر الحبس الصادرة بحقهم، ولكن لم يتمكنوا من ذلك، بدعوى وقف الاستئنافات، أو عدم الموافقة على طلب الاستئناف المقدم من محامييهم دون إبداء أية أسباب.

القضية رقم 488 لسنة 2019

تضم هذه القضية أيضا عددًا كبيرًا من النشطاء السياسيين والمحامين والحقوقيين والصحفيين والطلبة المحبوسين على ذمتها، والذين يواجهون اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة. كان أول ظهور حقيقي لتلك القضية إبان حريق محطة مصر برمسيس الواقع في أواخر فبراير من عام 2019، وتم إدراج عدد كبير من المتهمين على ذمتها على خلفية دعوات التظاهر آنذاك، ثم أصبحت بعد ذلك بمثابة “البلاعة” لكل أصحاب الرأي من المحامين الحقوقيين والصحفيين والنشطاء السياسيين، ومنهم المحامي الحقوقي بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان عمرو إمام، والصحفي خالد داوود، والصحفية سولافة مجدي، وزوجها المصور الصحفي حسام الصياد، والناشط العمالي كمال خليل، والصحفية والناشطة إسراء عبد الفتاح، والناشطة رضوى فريد، والمصور الصحفي إسلام مصدق.

جميع هؤلاء لم يتمكن محاموهم من استئناف أمر حبسهم منذ تاريخ القبض عليهم وحبسهم على ذمة تلك القضية حتى الآن عدا الناشط العمالي كمال خليل الذي تمكن محاميه من استئناف امر حبسه لمرة واحدة فقط وتم رفض الاستئناف واستمرار حبسه.

القضية 1356 لسنة 2019

تضم تلك القضية الناشط والمدون علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر، الذي  تم القبض عليه داخل نيابة أمن الدولة، أثناء تواجده لحضور التحقيق مع الناشط علاء عبد الفتاح، والمدون محمد أكسجين، حسب ما يتوافر لنا من معلومات، وجميعهم رغم وقائع القبض عليهم المختلفة إلا أنهم يجمعهم نفس رقم القضية، ولكن باختلاف الاتهامات، حيث يواجه الناشط علاء عبدالفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم التمويل، في حين يواجه المدون محمد أكسجين اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية ،ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كما يجمعهم أيضا عدم تمكين محامييهم من استئناف أوامر الحبس الصادرة بحقهم، بداعي وقف الاستئنافات داخل النيابة!

والأمثلة غير ذلك كثيرة، فالغالبية العظمى من القضايا التي تنظرها نيابة أمن الدولة أصبح العادي بالنسبة لها ألا يتم تمكين المتهمين فيها من استئناف أوامر حبسهم الا نادرا، ناهيك عن كثير من الحقوق المهدرة المنصوص عليها وفقا للدستور والقانون ولكن المجال هنا لا يتسع لذكرها.

خاتمة

هذه أمثلة  من أرقام القضايا والمتهمين لدي محامي الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المتواجدين بشكل شبه يومي داخل أروقة نيابة أمن الدولة، مدافعين عن سجناء الرأي، محاولين قدر المستطاع تقديم الدعم القانوني وكذا النفسي لهؤلاء المتهمين، وهي أمثلة و وقائع حقيقية. وهي تقدم هنا على سبيل المثال، و تمثل جزء من جبل الجليد المتمثل في غياب حقوق المتهمين ، محض متهمين.

فالواقع العملي داخل نيابة أمن الدولة أصبح فيه المعتاد أو في الحقيقة ما يراد له أن يكون معتادًا، أن يتم انتهاك حقوقك القانونية دون مسائلة، أو دون سبيل للاعتراض، أو إبداء أية أسباب، ومن ثم فهذه الورقة هي محاولة لتسليط الضوء على تلك الانتهاكات، إذ ربما يكون هناك من يستجيب لنداءاتنا المتكررة بضرورة احترام الدستور وسيادة القانون.

إن نيابة أمن الدولة ملزمة قانونا باحترام الدستور والقانون، وتمكين المتهمين ومحاميهم من استئناف أوامر الحبس الصادرة بحق المتهمين المحبوسين على ذمة قضايا تنظرها.

على النائب العام أن يصدر أوامره ، بأن القانون لا يعطل إلا بقانون يعدله أو يلغيه ، وليس بتعليمات أو أوامر ، لا ترقي لقوة القانون ، ومن ثم تمكين المتهمين ومحاميهم من عمل الاستئنافات طبقا لنصوصه.

النسخة ال pdf من الورقة

النسخة ال word من الورقة