تقديم
كغيرها من الخطوات ، مثل اطلاق استراتيجية حقوق الانسان التي تلقي باللوم على الموطن ونقص وعيه كسبب لانتهاكات حقوق الانسان ، دونما ذكر للممارسات الامنية وممارسات النيابة العامة المهدرة للقانون والحريات، ومثل تشكيل المجلس القومي لحقوق الانسان من اعضاء يغلب على الكثير منهم مجاملة النظام وغض الطرف عن الانتهاكات ، ياتي  إعلان وقف حالة الطوارئ ، رقم162 لسنة 1958  ، وهوقانون استثنائي سئ السمعة  ، حيث يبدو أمر ذو وقع يدعو للرضا ، والطمأنينة للعقول والنفوس معا لا سيما تلك التي تتوق للحرية .

لكن للاسف يظل هذا الأمر مرهونا بوقف تفعيل جملة الصلاحيات الواسعة المعطلة والمنتهكة للحريات العامة والشخصية التي يتيحها قانون الطوارئ بنصوصه الغليظة.

الأزمة هي : دسترة الطوارئ

‏بنظرة سريعه علي السنوات الاخيرة دونما الدخول في تفصيلات قانونية معقدة يمكننا أن نرصد صدور العديد من التشريعات التي سارت علي هدي قانون الطوارئ المعادي للحريات مثل:

  • قانون منع التظاهر
  • قانون التمييز بين المتهم المصري والمتهم الاجنبي.
  • قانون الإرهاب و تنظيم القوائم الإرهابية
  • قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات
  • التشريعات التي استهدفت تنظيم عمل بعض الهيئات كالمجلس الأعلي للاعلام لكنها بالأساس توخت التحكم في حريات العمل الصحفي والإعلامي

يلاحظ علي الفور بأن وقف العمل بقانون الطوارئ  لن يؤدي الي فضاء ديمقراطي أو حماية حقوق الانسان من الانتهاكات الجسيمة التي تطالها علي أيدي اﻷجهزة اﻷمنية ،  وبمعني اخر يمكننا التقرير بأن نصوص الطوارئ ومحتواها قد تسربت وتسللت بداخل قوانين أخري أو ما يسميه الفقه القانوني “دسترة الطوارئ” بمعني إدماج نصوصها داخل البنية التشريعية لتحكم حياة المواطنين العادية دونما توافر حالة الطوارئ أو تطبيق قانونها.

عن أثر وقف حالة الطوارئ، الان ، على حرية سجناء الرأي

  • طبقا لنصوص المواد 19 ، 20 من قانون الطوارئ ، فالمحاكمات التي تتم بموجبها ” امن الدولة طوارئ” تظل منظورة دون تغيير .
  • أما المتهمين ممن لم يحالوا للمحاكمة ، فيتم تحويلهم للمحاكم العادية.
  • قد يكون الاثر الوحيد الايجابي ، هو وقف محاكمات ” امن الدولة طوارئ” الاستئنائية  التي يحرم المتهم فيها من الاستئناف ، لانها درجة واحدة.

تغييرات يجب اجرائها عقب وقف حالة الطوارئ 

‏وباعلان الرئيس المصري مساء ٢٥ اكتوبر الجاري وقف تمديد حالة الطوارئ ، تنفس العديدين الصعداء،  لكن سرعان ما تبدد بصيص هذا الأمل حين تكشف أنه حتي مع هذا الإلغاء فان اﻷمان والحقوق الشخصية والحريات العامة مازالت مهددة دونما تعغيير حقيقي،

  • فعلي سبيل المثال فان وقف العمل بقانون الطوارئ كان يقتضي علي الفور الغاء الرقابة والمصادرة للصحف والمطبوعات و اطلاق حرية تأسيس الصحف والمواقع الصحفية والاخبارية،  لكن هذا اﻷمر لن يحدث حيث صدرت فوانين تسمح لهيئات ثلاثة قائمة علي أمر الاعلام في مصر باعمال تلك الرقابة واصدار قرارات بالحجب والوقف حتي للمواقع والصفحات الشخصية للمواطنين العاديين وهي اﻷمور التي قننها الاصدار الاخير من قانون الصحافة وباستخدام الالفاظ المطاطة مثل عبارة مقتضيات اﻷمن القومي يمكن حبس الصحفيين بالمخالفة للدستور،

 

  • وفيما يخص الحريات  كحريات الحق في محاكمة عادلة أمام القاضي الطبيعي أو صيانة الحق في الحياة ستظل اﻷمور علي سوئها فقد تم تقنين أوضاع محاكم الارهاب الاستثنائية وايضا المحاكم العسكرية كما وأن جملة الحقوق الشخصية كالحق في الخصوصية لن تعود له الحماية التي كان ينتهكها قانون الطوارئ حيث بات هناك القانون 175 الذي يمنح أجهزة اﻷمن القومي صلاحيات مطلقة دون أية ضوابط قانونية في النفاذ الي كل البيانات الموجودة علي النظام المعلوماتي والتي تخص أيا من المواطنين أو المؤسسات العامة أو الخاصة وهو ما يعني صراحة اهدار ساتر الخصوصية وسيتم كل ذالك دونما صدور أمر قضائي أو اذن من جهة تحقيق.

الخلاصة ، إلغاء حالة الطوارئ هو: جري في المكان

والحقيقة التي يمكن استخلاصها علي عجل مما سبق أن وقف تمديد العمل بحالة الطوارئ وقانونها لن يفضي الي أي مساحات أرحب أو أكثر أمانا للمواطنين كما لن يفضي أيضا الي أي قدر ملحوظ من التحول الديمقراطي حيث باتت البنية التشريعية المصرية لا سيما في السنوات اﻷخيرة بنية استبدادية يعتمد التجريم والعقاب فيها علي عبارات وألفاظ مطاطه وقابلة لتأويلات عدة في ظل صلاحيات شديدة التوسع منحت للأجهزة اﻷمنية تنأي بأفرادها عن المحاسبة حتي لو كان اﻷمر متعلقا بقتل الناس طالما أشهرت في وجوهنا لافتة محاربة الارهاب والتطرف

والقول الفصل هو أن اي ارادة سياسية صادقة في فتح أفاق جديدة للديمقراطبة لابد أن تعبر عن نفسها من خلال اجراءات عملية ملموسة علي أرض الواقع مثل اطلاق سراح سجناء الرأي والمحكوم عليهم بسبب نشاطهم السياسي السلمي ورفع الحجب عن مواقع الانترنت والصحف الرقمية التي تجاوز عددها 600 بالمخالفة للقانون،  وصدور قرار بقانون يعيد القضايا المنظورة أمام محاكم أمن الدولة طوارئ الي القضاء الطبيعي وهناك الكثير الذي يمكن للارادة السياسية أن تعبر به عن رغبتها في فتح المجال العام ،  لكن طالما ظلت الممارسات الامنية المشمولة بصمت أو تجاهل النيابة العامة والنائب العام ، بجانب القوانين اﻷسنثنائية والمحاكمات الاستثنائية والصلاحيات الشديدة للاجهزة الامنية والرقابة والحجب والحبس فيما يخص العمل الصحفي والاعلامي فان أي حديث عن انفراجة في ملف حقوق الانسان في مصر ، ستظل كل اﻷمور والقرارات والخطوات مجرد مسألة شكلية بينما أرض الواقع تذخر بالانتهاكات وألام المواطنين والمهمومين بالشأن العام .


للنسخة PDF